في إطار مساعي الادعاء الإيطالي نحو التوصل إلى الضباط المتورطين بأجهزة رئيس الانقلاب الأمنية في قتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في فبراير 2016م، أبلغت روما سلطات الانقلاب أنها حصلت على معلومات جديدة من مصادر لم تسمها تؤكد أن عناصر استخباراتية وأمنية قدمت شهادات تفيد بأن ريجيني كان معتقلا بعد اختطافه في أحد مقار الأمن الوطني.
ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصدر بنيابة الانقلاب أن الادعاء الإيطالي أخبر سلطات الانقلاب أنه يمكن إخبار الجانب المصري بمزيد من المعلومات الجديدة في الاجتماع المقبل بين الطرفين المقرر عقده في العاصمة الإيطالية روما. وترجح مصاد نيابة الانقلاب أن تكون هذه المعلومات محاولة جديدة من روما لانتزاع معلومات أكثر من المعنيين في القاهرة أو من الأشخاص الذين اطلعوا على تفاصيل الأيام الأخيرة من حياة ريجيني لتحفيزهم على الإفصاح عما لديهم من معطيات، لا سيما مع تلويح الادعاء الإيطالي بقرب تحريك دعوى اتهام غيابية بحق خمسة ضباط من من الأمن الوطني والأمن العام بوزارة داخلية الانقلاب، تؤكد المعلومات ضلوعهم في مراقبة ريجيني وتتبعه واعتقاله قبل اختفائه تماماً ومقتله واكتشاف جثته.
وفي وقت سابق من شهر نوفمبر الجاري "2020م"، كان الادعاء الإيطالي قد هدد بتحريك دعوى قضائية غيابيا ضد خمسة ضباط بأجهزة السيسي الأمني والاستخباراتية بتهمة التورط في مقتل ريجيني، وهم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف، وأمين الشرطة محمود نجم.
ما المصير؟
وعلى الرغم من أنّ تحريك الدعوى غيابيا ضدّ الضباط الخمسة لن يؤدي إلى محاسبتهم مباشرة إذا أصرت مصر على عدم تسليمهم، إلا أنّ هذه الخطوة ستوفر غطاء قانونيا لرغبة روما في إدراج أسماء الخمسة على لائحة الإنتربول والتضييق على تحركاتهم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، سيمثل الحكم ضدهم حال صدوره، وثيقة إدانة قضائية لأجهزة نظام الانقلاب الاستخباراتية والأمنية، وكذلك للسلطة القضائية التي تلعب دورا قذرا في التستر على مجموعة من الجرائم، بدءاً من تعذيب ريجيني وقتله، ثمّ قتل مجموعة من الأشخاص والزعم بأنهم عصابة سرقة خطفت ريجيني وسرقت متعلقاته، ثم اتهام ريجيني نفسه بالتخابر، وانتهاءً بتضليل التحقيق وإخفاء بيانات الضباط المشتبه فيهم.
وبحسب مصادر النيابة فإن استراتيجية حكومة الانقلاب لم تتغير رغم تلويح روما بتحريك الدعوى الغيابية؛ وإذا شرعت روما في ذلك عمليا فلا مفر أمام نيابة الانقلاب من "تستيف" الأوراق في جوانبها القانونية بالطرق التي رسمها القانون الدولي. ويعكف فريق من وزارة العدل وهيئة قضايا الدولة والنيابة العامة بحكومة الانقلاب على دراسة احتمالات قبول الدعوى وتقديم مذكرات للقضاء الإيطالي لرفضها، لا سيما أنه من المرجح إقامتها في مواجهة السفارة المصرية بروما.
وحول الضباط المصريين الثلاثة الآخرين غير الخمسة المشتبه فيهم، والذين طلبت روما معلومات عنهم الشهر الماضي، قالت المصادر إنّ نيابة السيسي لم تقدم أي بيانات عنهم لأن الداخلية أكدت في خطاب رسمي عدم وجود معلومات لديها عن الأفعال الوارد ذكرها في مذكرة الاستفسار الإيطالية، وبالتالي فقد تم غلق باب آخر للبحث عن المعلومات من طرف روما.
مؤامرة قتل
وكان الضباط الثلاثة يعملون بالأمن الوطني في الجيزة والقاهرة خلال فترة دراسة ريجيني في الجامعة الأمريكية في مصر. وكان أحدهم قد تواصل مع بعض زملاء ريجيني فور قدومه للتعرف على طبيعة دراساته، فيما أجرى ثانيهم اتصالات هاتفية مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبدالله، الذي اعترف من قبل وتفاخر بأنه سلم ريجيني للأمن المصري بعدما تشكك في عمله لحساب جهة أجنبية، وذلك في مرحلة مبكرة تسبق مقتله بنحو عام كامل. أما الضابط الثالث، فكان قد كتب تقريراً عن نشاط ريجيني بمعلومات استقاها من مصادر وصفها بالسرية. واعتمد شرطيون آخرون راقبوا الطالب الإيطالي لاحقاً على هذا التقرير الذي تضمن الكثير من الوقائع التي تؤكد روما أنها غير سليمة وغير متسقة مع نشاط ريجيني الدراسي وكانت تهدف بشكل أساسي إلى التحريض عليه وعمل قضية من لا شيء. وهي طريقة قال المحققون الإيطاليون في أحد تقاريرهم إنها معتادة في الأجهزة الأمنية بالدول البوليسية وغير الديمقراطية.