“أنا حرامي”.. دلالات إصرار السيسي على سعودية الجزر

- ‎فيتقارير

كتب: أسامة حمدان

تشكل السعودية احدى اهم الدول الداعمة لانقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي يقمع كل معارضة، منذ اطاحته العام 2013 نظام الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، كذلك قدمت مساعدات واستثمارات بمليارات الدولارات لدعم اقتصاد مصر المتدهور جراء جرائم العسكر.

وأمر التنازل عن الجذر المصرية الأربع في  مدخل خليج العقبة، وهي جذر : تيران والصنافير وأبو ششوة وبرقان ؛ يشكل سابقة في التاريخ المصري ؛ ليس لها من قبل سابقة ؛ ففور إنكشاف أمر التنازل ؛  عن الجذر لصالح المملكة  السعودية  فقد لجأ مجلس وزراء الانقلاب إلي التحايل والإدعاء بأن التنازل قد جاء جراء مقاييس ترسيم الحدود  ؛ وذهب قائد الانقلاب في تبريره لهذا التنازل " أن الجزيرتين كانتا آمانة لدي مصر وأنه قد قام برد الآمانة إلي أصحابها" !

ويتهم معارضو التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير سلطات الانقلاب بالتخلي عنهما مقابل هذا "الرز" السعودي، مؤكدين ان هذه الاراضي تعود الى مصر تاريخيا، ولم يسبق ان مارست السعودية عليها اي سيادة، في حين قاطع السيسي هذه الاحتجاجات زاعماً أنه "لا وثائق تثبت تبعية جزيرتي تيران وصنافير لمصر"!

المفاجأة كانت من نصيب مؤيدي الانقلاب، عندما وقف محامي وزارة الدفاع يؤكد أمام مجلس الدولة، بأن مصر دولة احتلال وانها اغتصبت ملكية الجزيرتين منذ حرب 1973، في حين يؤكد خبراء أن السعوديه لو كانت تملك مستندات تثبت ملكيتها للجزيرتين للجأت للتحكيم من زمن بعيد، بل إن السعوديه قاطعت مصر وانقلبت على الرئيس الراحل أنور السادات بسبب معاهدة "كامب ديفيد" التي نصت أن تيران و صنافير جزء من الارض المصريه (المنطقه ج)، ما يعني أن السعوديه لو كان عندها سند ملكيه للجزر لأوقفت المعاهدة وطعنت في بنودها!

تيران والفوكلاند!

وفي الوقت الذي تتنصل فيه حكومة العسكر من مصرية الجزر، يذكر التاريخ أنه في عام 1982 قامت الأرجنتين بغزو جزر فوكلاند البريطانية وتتبع تلك الجزر التاج البريطاني ولكنها أقرب إلى الأرجنتين جغرافيا، حيث تبعد عن السواحل الأرجنتينية مسافة 400 ميل فقط، بينما تبعد عن السواحل البريطانية مسافة 8000 ميل.

ودائما ما كانت الأرجنتين تنظر لتلك الجزر باعتبارها جزءا منها، ولكن قرنين من الاستعمار البريطاني جعل سكان تلك الجزر بريطانيون حتى النخاع، وبعد الحرب العالمية الثانية حينما أرادت بريطانيا تسليم الجزر للأرجنتين رفض سكان الجزر تماما.

واحترمت الحكومات البريطانية المتعاقبة رغبة سكان الجزر مما جعل أى تفاهم بين بريطانيا والأرجنتين حول الجزر مستحيلا، وقد استهدف الغزو الأرجنتينى لجزر فوكلاند فى هذا التوقيت، استعادة السيطرة على تلك الجزر وضمها للأرجنتين من ناحية، وتحويل أنظار الشعب الأرجنتينى عما تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية وتزايد معدلات البطالة وتدهور لقيمة العملة تحت حكم العسكر من ناحية أخرى.

ماذا فعلت بريطانيا ؟

كان موقف رئيسة وزراء بريطانيا وقتها "مارجريت تاتشر"، حاسماً حيث لم يسجل التاريخ أن المرأة الحديدية قالت مثلما قال السيسي : "أمى قالت لى ماتخديش حاجة مش بتاعتك"، كما انها لم تهدد الشعب البريطاني وتتوعدهم بالقول: "الجزر أرجنتينية ومش عاوزه أسمع كلام تانى فى الموضوع ده"!

وظل الإعلام البريطانى يمارس وظيفته بمهنية شديدة دون تدخل من الحكومة، على عكس ما جرى في مصر من تجييش للإعلام الداعم للعسكر، حيث انبرى إعلاميون مثل لميس الحديدي وزوجها عمرو اديب بالإضافة إلى الإبراشي ومجاهد وغيرهم في الدفاع عن حق السعودية في ملكية الجزر المصرية.

لم تدفع "تاتشر" الإعلام في بلادها ليمارس دور النخاس للدفاع عن حق الأرجنتين فى الجزر، ولم تسجل بريطانيا خروج أي تظاهرات لمواطنين إنجليز "شرفاء" ترفع العلم الأرجنتينى فى قلب العاصمة لندن، وتهلل وترقص للتفريط فى الجزر البريطانية.

ولم تقم الداخلية البريطانية باعتقال أي شخص وقتها دافع عن احقية بلاده في الجزر، لم يسجل التاريخ القبض على المطالبين باستمرار السيادة البريطانية على الجزر، أو محاكمتهم ومعاقبتهم بالسجن لمدد تتراوح من سنتين إلى خمس سنوات.

وأمام احتلال الأرجنتين للجزر لم نرى سيناريو أسود مثل الذي جرى في حالة تيران وصنافير، فلم تطعن حكومة بريطانيا فى قرار مجلس الدولة الذى حكم باستمرار تبعية الجزر للسيادة البريطانية، بل اعتبرت بريطانيا ما جرى غزوا ضد أراضيها، وأرسلت أسطولها البحرى مسافة 8000 ميل وحاربت كى تستعيد الجزر.

سيادة لا يعرفها السيسي!

اشتعلت الحرب على "السيادة" التي يمعن عسكر مصر في التنازل عنها مقابل الرز الخليجي، وأبحرت من موانئ بريطانيا حاملتان للطائرات وعلى ظهر كل منها 20 مقاتلة حربية،وأبحرت أيضا 6 مدمرات، 8 فرقاطات،4 سفن انزال، 4 غواصات منها غواصتين نوويتين، أكثر من 60 سفينة قتال وتموين، 2500 جندى من مشاة البحرية، 650 من المظليين وجنود الاستطلاع.

ودخلت بريطانيا فى حرب ضد الأرجنتين لمدة 42 يوما، وأدت تلك الحرب إلى مقتل حوالى 260 جنديا بريطانيا وحوالى 650 جنديا أرجنتيني، وانتهت بهزيمة الأرجنتين هزيمة ساحقة وبقاء جزر فوكلاند تحت السيادة البريطانية .

وأمام موقف جنرالات الانقلاب في مصر في فضيحة تيران وصنافير، يقف التاريخ مشدوهاً حائراً يضرب كفا بكف، ويشهد أن الجزيرتين مصريتين وسالت دماء المئات من الجنود المصريين عليها دفاعا عنها، بينما تستميت عصابة السيسي وأذرعهم كى تتنازل عنها للسعودية.

العجاتي شيخ البلد!

وعقب صدور حكم المحكمة الإدارية ؛ ببطلان إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية ؛ قام اللواء " ممدوح شاهين " بزيارة سرية لمجلس الدولة ؛ ولكن الزيارة كشف أمرها وأصبحت محل تساؤل وريبة، و بعد هذا كان الأمر الذي آثار القلق الشديد؛  منشورا وزع عبر " الإنترنت "والصفحات الإليكترونية ليصل ؛ لبعض الصحفيين والشخصيات العامة. 

وكان هذا المنشور "المجهول" موجه إلي المستشار الدكتور "محمد عبدالرحمن مسعود" الرئيس الجديد لمجلس الدولة ؛ بعد ساعات من صدور قرار السيسي بتعينه في منصبه ؛ والمنشور ضد المستشار "مجدي العجاتي" وزير الشئون القانونية وبرلمان "الدم" ؛ لتدخله في شئون العدالة في قضية " تيران وصنافير".

وقد جاء في نص المنشور الذي يمثل ظاهرة فريدة تكشف عدم الرضي وقلق الضمير لدي بعض القضاة : " نتقدم نحن القضاة إلي سيادتكم بهذه المذكرة ضد المستشار " مجدي العجاتي لتدخله في شئون العدالة إذ أنه تردد في الأوساط القضائية بأنه منذ صدور الحكم القضائي ببطلان إتفاقية " تيران وصنافير " أجري ( العجاتي ) العديد من الإتصالات من خلال بعض المستشارين الذين عملوا معه بمجلس الدولة ؛ مستغلا واجبات وظيفته كأحد أعضاء الحكومة للتدخل والتوسط بتحديد موعد عاجل لنظر الطعن علي الحكم  أمام المحكمة الإدارية العليا ، بل والتوصية لصدور حكم بإلغاء حكم المحكمة".

ويتابع المنشور:"إذ صرح عقب صدور الحكم علي صدر الصفحة الأولي بجريدة " الأهرام " بأن الموضوع سوف  تحسمه   المحكمة الإدارية العليا الأسبوع القادم “ وأنْي له ذلك ؟! “  .. خصوصاً أنه صرح في وسائل الإعلام أن المستندات التي تثبت " سعودية " الجزيرتين لم تقدم للمحكمة ؛ بما يعني أنه  تعمد إخفائها عن قصد وعدم تقديمها للمحكمة المختصة ؛ فأراد  أن يصحح  خطأه الجسيم بتقديمها أمام محكمة الطعن ، بالمخالفة لمبدأ النزاهة والشفافية أمام الشعب!".

إنها "الأضحوكة" التي حذر منها المخلصون قبيل الانقلاب، تتجدد في كل موقف يتخذه العسكر، وأخر ذلك انزعاجهم وغضب أذرعهم بشدة، لأن محكمة وطنية قضت بأحقية بلادها فى جزء من أراضيها، فتطعن حكومة الانقلاب قضائيا فى صحة الحكم، أمر لم يعرفه التاريخ من قبل ولن يعرفه من بعد، ولا يصدقه عقل ولا يقبله منطق، ولا يتصوره خيال أكبر الروائيين جموحا !

شاهد: