إبراهيم منير: نرفض العنف والإرهاب وحب الوطن لدينا فريضة

- ‎فيبيانات وتصريحات

في جلسته الافتتاحية، أوضح إبراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، أن مؤتمر "الإخوان المسلمون.. أصالة الفكرة واستمرارية الرسالة"، يأتي بالتزامن مع المئوية الأولى من مسيرة جماعة الإخوان المسلمين المباركة التي توشك على التمام؛ تطلعًا إلى المئوية الثانية بإذن الله.

لافتا إلى أن الجماعة خاضت خلال تلك الفترة ملحمة كفاح تاريخية في مواجهة قوى كبرى، دفاعا عن دين الله وتحقيق العبودية الكاملة له سبحانه، ولم ننعم فيها باستراحة محارب (كما يقولون)، فقد اجتاحتها عواصف هوجاء، ولم تكد تهدأ عاصفة حتى تهب أخرى أشد وأقسى، حتى بات الناس يظنون أنها النهاية، ولكنها– بفضل الله– تخرج منها أشد قوة، وتنقشع العواصف واحدة تلو الأخرى، ويزول من يقفون خلفها، وتبقى الجماعة بفضل الله وحده صامدة بكل شموخ، بل وتزداد ساحاتها اتساعًا وفكرتها انتشارًا، لم تتخل عن فهمها الشامل للإسلام، ولم تتوقف يومًا عن الدعوة إلي الله .وظلت جماعة الإخوان طوال هذا القرن بكفاحها المتواصل في ساحات الدعوة، ظلت أحاديث المنتديات ومنصات الإعلام محط اهتمام مراكز الدراسات، وعناوين المؤلفات الكبرى.

وأشار منير إلى أن دعوة الإخوان المسلمين ظهرت إلي الوجود عام 1928م، والأمة تعاني ضعفا في أحوالها، والإسلام يعاني غربة شديدة بين أهله بعد أن تم تغييبه عن دنيا الناس وحصره في نطاق أضيق من شموله لحياة الناس، في وقت تمكنت فيه الماركسية الملحدة من إقامة دولة عام (1916م) على الأرض الروسية، وتنامت تلك الدولة حتى أصبحت إمبراطورية ذات قوة ضاربة وصل نفوذها إلى أعماق الدول الرأسمالية المخالفة لها، ثم تبعتها الماوية في الصين ليسود هذا الفكر بقعة كبيرة من العالم، وأن من عايش تلك الفترة يعلم جيدا مقدار قناعة الكثيرين في بلادنا من كل الطبقات بهذا الفكر، حيث تشكلت جماعات وأحزاب حظيت بدعم مالي كبير، وقامت أنظمة تحكم به وتفرضه على الناس فرضًا.

وقال: "في هذه الأجواء البائسة برزت جماعة الإخوان المسلمين بمشروعها الإسلامي النابع من القرآن والسنة النبوية لتجد نفسها بعد ذلك رغم بساطة إمكاناتها وقلة أعدادها، إضافة إلى السهام الموجهة إليها، في مواجهة هذا الفكر. ولم ينته القرن إلا وقد انهارت تلك الإمبراطورية الماركسية عام 1991م وتبعتها الماوية الماوية بوفاة مؤسسها، وبقيت جماعة الإخوان المسلمين بفضل الله بفكرها الإسلامي الشامل وبكيانها الصلب أمام تحديات أخرى من أفكار مماثلة مثل البعثية والقومية والناصرية، التي لاقت الدعم والعون على أوسع نطاق للتشكيك في صلاحية الدين لترتيب شئون الحياة كلها، ووقفت بعض الدول والمجتمعات عاجزة عن مواجهة ذلك، ونهضت جماعة الإخوان بهذه المهمة، ودخلت معها في معارك فكرية حقيقية، وفندت باطلها وقدمت في سبيل ذلك تضحيات كبيرة من دماء أبنائها، وإن التاريخ القريب الذي عاشته الأجيال في نهاية القرن الذي يلملم أوراقه يسطر جهود الجماعة الفكرية في مواجهة هذا التحدي الكبير الذي عجزت عنه المؤسسات الرسمية، وكانت ملحمة الإخوان طوال هذا القرن دفاعا عن مقدرات الأمة مانعًا من سقوط تلك المؤسسات الرسمية التي خططت لإنهاء دور تلك جماعة الإخوان، لكن الجماعة صمدت وقدمت الكثير من دماء أبنائها".

قُتل المؤسس فراجت الفكرة

وأكد أن النظام الرسمي في مصر قتل الإمام الشهيد حسن البنا في الشارع ظلما وعدوانا، فانتشر فكره في مصر والمنطقة، وكان دعوة للناس جميعا، وفعلوا مثلها مع الشهيد سيد قطب فانتشرت الدعوة في الأمة كلها. لقد خاب ظنهم وفشل فعلهم؛ فجماعة الإخوان ما زالت بعافية وستظل ماضية على طريق الدعوة إلى الله بكل جسارة ودون وجل أو تردد .

وأضاف: "نقول لكل الطغاة: إن استمرار تدفق الدم الذي تبذله أجساد شهداء الأمة الذين جاهدوا وصبروا طلبا لمرضاة الله سبحانه، والذين لا يعلم عددهم ولا أجناسهم غيره جل في علاه، هذا التدفق الساخن بالدم لا يعني الموت.. بل يعني أن الجسد قائم وحي وقادر على البذل واستمرار الحياة.. واليوم ونحن نستعد لدخول المئوية الثانية من عمر دعوتنا، يأتي انعقاد هذا المؤتمر المهم، وسط ظروفً دقيقةً تمر بها أمتنا والإنسانية جمعاء. وإن الإخوان المسلمين وهم يتابعون عن كثب هذا التغير الكبير في موازين التعاون، وهذه الحرب الشرسة التي تدار ضد كل ما هو معتدل، يرون أن من حق الناس عليهم وحقهم على أنفسهم أن يعلنوا عن معالم رؤيتهم وموقفهم من القضايا الكبرى التي يمور بها عالمنا، انطلاقا من صحيح فكرهم وثوابت منهاجهم، مسلحين في ذلك بنصاعة تاريخهم ومواقفهم المعتدلة والمعروفة للعالم أجمع منذ نشأتهم".

ضد العنف والإرهاب

واستطرد نائب المرشد العام: "منطلقاتنا الفكرية تبدأ من أنَّ أحكام الإسلام وتعاليمه شاملةٌ، وتنتظم شئون الحياة جميعا وتحدد مساراتها، وفق تعاليم أرسى أصولها كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن هدفنا تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها، ويسهم بإيجابية في تطور المجتمع الإنساني وإفادته بما يمتلكه الإسلام من ثروة هائلة من القيم والمثل والمبادئ التي يمكن تسهم في إصلاح المجتمعات وإرشادها إلي الخير والحق والعدل، وتسهم في استتباب الأمن والسلم وإقامة علاقات إنسانية إيجابية".

وفي هذا الصدد، تؤكد جماعة الإخوان المسلمين هنا موقفها المبدئي الرافض للتطرف والإرهاب  بكل أشكاله وأنواعه، أيا كان مصدره، قولا وعملا وسلوكا، وتُربي أبناءها على ذلك، وفي نفس الوقت نؤكد رفضنا واستنكارنا لقيام الأنظمة الديكتاتورية بممارسة العنف والإرهاب ضد شعوبها المطالبة بحقها في نيل حريتها تحت ستار مقاومة الإرهاب، ذلك الشعار الذي تتم المتاجرة به والتغطية من خلاله على انتهاكات حقوق الإنسان .

إن الإرهاب والتطرف في فهمنا يتمثل في ممارسة القهر والحرمان على الأفراد والشعوب وهضم الحقوق، وفرض الرأي والمعتقد بقوة السلاح، أو بأي لون من ألوان القوة وترويع الآمنين وارتكاب المذابح ضد الأبرياء، واحتلال الأرض بالقوة، كما أن احتكار الحقيقة والتعصب للرأي ورفض أي آراء أخري في القضايا محل النقاش هو نوع من العنف الفكري نرفضه .

حب الوطن والعمل المشترك

وأوضح "منير" أن "حب الوطن عند جماعة الإخوان المسلمين عطاء وبذل وتضحية وفداء، وهو في فكرها: فريضة شرعية وضرورة وطنية، تعني أن يتفانى الإنسان في خدمة وطنه، مقدما أقصى ما يستطيع من الخير، تقربا إلى الله ثم إعمارا للوطن.. ونعمل مخلصين لتقوية الرابطة بين أبناء الوطن، والتعاون الصادق في تحقيق مصالحه.

كما أنه لدينا حرص أكيد على وحدة الأمة التي تتألف من عناصر دينية مختلفة، كفل الإسلام- وهو دين الوحدة والمساواة- تقوية الروابط بينهم، ما داموا متعاونين على الخير ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.

وترى جماعة الاخوان أن المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم (أهل الذمة)، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية من "زواج وطلاق ومواريث"، طبقًا لعقيدة كل مواطن.

وقال: "ترى الجماعة أن قواعد العيش المشترك في المجتمع تقوم على احترام الآخر والاعتراف به، والتعامل معه بعدالة، والتعاون معه على أساس من الأخلاق والقيم التي حض عليها الإسلام .

ويرفض الإخوان أن يحتكر أي  شخص أو حزب أو جماعة تمثيل إرادة الشعوب، أو الحجر عليها أو إهمالها أو تزييفها ثم يدعي أنه القائم عليها، فإرادة الأمة المقرة دستوريًّا وشرعيًّا هي الإرادة الحقيقية دون خداع أو إكراه أو تزييف.

ويعتبر الإخوان أن تقوية إرادة الأمة، وقوة تفاعلها مع الأحداث، وبلوغها درجة عالية من الفهم والوعي، ضرورة لازمة لإحداث التغيير والإصلاح المنشود.

وتداول السلطة من الأمور الأساسية المترتبة على مبدأ احترام إرادة الشعوب فهي صاحبة الحق في اختيار حكامها وفق إرادتها الحرة ووفق الآلية التي تختارها، والإخوان المسلمون يؤمنون بهذا المبدأ دعوةً وتطبيقًا، وهم فصيل من الشعب ينزلون على إرادته ويحترمون رغبته في الأقطار التي يعملون فيها .

بين الدعوي والسياسي

وحول اتهام البعض للإخوان بأنها دعوة سياسية أو ما سمى بلغة الإعلام (إسلام سياسي)، وأن لهم من وراء ذلك مآرب أخرى، ورؤية بعض المتحاملين على الإخوان المسلمين أنهم جماعة سياسية لأنهم يخلطون الدين بالسياسة وانشغالهم بها، قال نائب المرشد العام للإخوان: "هذا الاتهام يحمل خطأ واضحا، يعوز المتحدث مراجعة دقيقة لفكرته عن السياسة وفقه الاسلام بشموله.

وأورد رد الإمام البنا على ذلك بقوله: "ويعلم الله أن الإخوان لم يكونوا يومًا غير سياسيين ولن يكونوا يوما غير مسلمين، وما فرقت دعوتهم يوما بين السياسة والدين، ولن يراهم الناس في ساعة من نهار حزبيين، ومحال أن يسيروا لغاية غير غايتهم أو يعملوا لفكرة سوى فكرتهم، أو يتلونوا بلون غير الإسلام الحنيف".

وأضاف: "نقول بكل وضوح: إن المجال السياسي لدى جماعة الإخوان لا ينفك عن المجال الدعوي، و"الدعوي" بغير "السياسي" لا يصلح ولا يصح، كما أن مجال "السياسة" لا يتحقق بغير نور "الدعوة" وضيائها؛ فهناك علاقة ترابط وتناغم  بين المجالَين، لا ينفصل أحدهما عن الآخر في نظر الإسلام، والدولة الإسلامية المنشودة في مفهوم الاخوان (دولة رسالة وإدارة K وبناؤها والتوصل إليها يكون بالوسائل المكافئة، وذلك من أولى واجبات الجماعة".

تكاتف ضروري

وأشار إبراهيم منير إلى أنه في ظل حملة ضارية تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين، يجتاز العالم مرحلة غير مسبوقة من تاريخه، تختلط فيها المفاهيم، وتتشابك الخيوط، وتسود الانطباعات الخاطئة عن الآخر، وتشتعل فيها الصراعات العرقية والطائفية والدينية، وهو ما يبعد الإنسانية عن الرسالة التي خلقت من أجلها وهي عبادة الله وحده لا شريك وإعمار الأرض .

وواجب الوقت يقتضي من كل القوى السياسية والنخب الفكرية والثقافية وكافة المهتمين بالشأن العام أن يقفوا صفا واحدا، ويلتفوا حول إطار عريض ينطلق من المقومات الأساسية لمجتمعاتنا، وأن يتعاونوا في المتفق عليه– وهو كثير– وأن يتحاوروا حول المختلف فيه– وهو قليل- من أجل الصالح العام لهذه الأمة بناء لحاضرها ونهضتها وانطلاقا نحو المستقبل بآفاقه الرحبة.