إطاحة “السيسي” برئيس المخابرات العامة بسبب التسريبات أم تمثيلية الانتخابات؟

- ‎فيتقارير

ليست مفاجأة أن يأتي خبر إطاحة السيسي برئيس المخابرات العامة “خالد فوزي”، من صحيفة “واللا” الإسرائيلية أو صحيفة “الجريدة” الكويتية، أو “الأخبار” اللبنانية، ففي ظل “عسكرة الإعلام” لم يعد متاحا معرفة الحقيقة من داخل مصر ولكن من خارجها، وطالما لن تنشر صحف النظام أي نفي يظل الخبر صحيحا.

ولكن السؤال هو: لماذا الإقالة الآن وقبل شهرين من تمثيلية انتخابات السيسي؟ وما سبب التخلص من “خالد فوزي” رغم إشادة صحف النظام به وقت تعيينه 21 ديسمبر 2014، وتكليفه بملف المصالحة الفلسطينية؟ وهل للإقالة علاقة بالتسريبات الأخيرة أم بالصراع على “تمثيلية الرئاسة” بين السيسي وشفيق وعنان؟

وقد أكد موقع “القاهرة 24” الذي يديره الصحفي محمود المملوك -الذي كان يدير موقع انفراد، ويعمل بجريدة اليوم السابع المقربة من السلطة- نبأ إقالة فوزي وتحدث عن أداء الرئيس الجديد اليمين الدستورية اليوم الأربعاء.

ومن المتوقع الإعلان رسميا خلال ساعات عن التغييرات التي شملت أيضا عددا من قيادات جهاز الاستخبارات، ونشره في الجريدة الرسمية.

وتتحدث المصادر الإعلامية عن “حملة تغييرات واسعة في جهاز المخابرات العامة، شملت رئيس الجهاز اللواء خالد فوزي، وتعيين مساعده اللواء إبراهيم عبد السلام بدلا منه، وعدد آخر من التغيرات يتردد أنها قد تشمل عددا كبيرا من أعضاء الجهاز ما يشير لوقوع “حدث ما” أو اكتشاف ما أو تخوف من أدوار داخل الجهاز لا تصب في صالح السيسي.

وتوقع المدون “وائل عباس” -على حسابه علي فيس بوك- عن أن إقالة رئيس المخابرات العامة سيواكبها إقالة 119 مسئولا آخر بالجهاز، وسيطرة نجل السيسي “محمود السيسي” على الجهاز.

ومنذ انقلاب 3 يوليو 2013، سعى السيسي وجنرالات المجلس العسكري إلى حجم المخابرات العامة بصورة غير معهودة، وإسناد أغلب الملفات الداخلية والخارجية للمخابرات الحربية ضمن عسكرة النظام.

وتأتي التغييرات ضمن عملية لإعادة ترتيب المؤسسات السيادية في المرحلة الحالية، وقبيل أسابيع من بدء انتخابات الرئاسة في مارس المقبل، وسط مخاوف من حدوث أي متغيرات تؤثر على فرص السيسي لنيل ولاية رئاسية ثانية تمتد حتى 2022، بعد ترشح اثنين من العسكريين السابقين؛ هما أحمد شفيق وسامي عنان قبل أن ينسحب الأول.

وتتردد أنباء عن أن قادة المخابرات العامة غير راضين عن بعض توجهات نظام السيسي خاصة ما يتعلق بتسليم جزيرتي «تيران» و«صنافير» للسعودية، والفشل في حل أزمة سد النهضة الخطيرة، وتفريغ سيناء من أهلها في مدينة رفح والعريش بما يخدم المخططات الاسرائيلية، وامتعاض لعدم كفاءة الأداء السياسي للنظام وضعفه في إدارة السياسة الداخلية والخارجية.

وسبق أن تردد أنباء أكدته صحيفة “الشروق” الخاصة الموالية للسلطة، عن غضب رئاسي من المخابرات العامة لوقوفها وراء الدفع برئيس وزراء مصر الأسبق الفريق «أحمد شفيق» لخوض الماراثون الرئاسي، قبل انسحابه منذ أيام، ودعمها رئيس أركان الجيش الأسبق الفريق «سامي عنان» لخوض السباق حاليا.

ودأب «السيسي» منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 على إجراء تعديلات واسعة في هيكل الجهاز الأخطر في مصر، والذي تراجع دوره لصالح «المخابرات الحربية» الجهاز الأكثر ولاء للرئيس المصري، الذي كان يترأسه «السيسي» قبل ترقيته وزيرا للدفاع بقرار من «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد.

وأصدر عبد الفتاح السيسي، ثمانية قرارات متتالية منذ 3 يوليو 2013، وحتى يوليو 2017، أبعد بموجبها 114 من وكلاء جهاز المخابرات العامة (ضباط جيش بالأساس) إلى المعاش للتخلص من العمود الفقري للجهاز وتيسير تولية أنصاره قبل أن يقوم بتحجيم الجهاز وإبعاده عن الملفات المهمة التي تولاها جهاز المخابرات الحربية التابع للجيش.

كما أبعد 30 دبلوماسيا، ثم 15 آخرين على مدار العام الماضي في سياق تحجيم و”عسكرة” الخارجية، ووصل الأمر لفرض تدريب على الدبلوماسيين في الاكاديميات العسكرية والكلية الحربية مده ستة أشهر.

وهناك أسباب عدة قيلت للإطاحة بفوزي من منصبه، أحدثها التسريبات الأخيرة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية وأذاعتها قناة “مكملين”، وتضمنت تسجيلات صوتية لأحد ضباط الجهاز، خلال إعطائه توجيهات لعدد من الإعلاميين والفنانات، تتعلق بتناولهم لقرارات وتوجهات القيادة المصرية الحالية، وكيفية التعامل مع قضية ترشيح أحمد شفيق للرئاسة قبل أن ينسحب.

ويخشى السيسي أن تكون التسريبات مؤشر لتغلغل للإخوان المسلمين في المخابرات العامة؛ أو استغلال المخابرات العامة للإخوان وقنواتهم في الخارج لإذاعة تسريبات ضد المخابرات الحربية، فضلا عن الانتقال لاستغلال صحف عالمية في نشر التسريبات أيضا مثل “نيويورك تايمز”.

ومعروف أنه تمت الاطاحة بالرئيس السابق لفوزي وأستاذ السيسي محمود التهامي للسبب ذاته عام 2014، وهو ظهور تسريبات خطيرة من مدير مكتب السيسي، اللواء «عباس كامل» أظهرت أنهما لا يثقان في المخابرات العامة، ويثقان فقط في المخابرات الحربية.

حيث ظهر في التسجيل السابق «عباس كامل» وهو يتحدث مع «السيسي» بخصوص «أحمد قذاف الدم» وضرورة مقابلته والتنسيق معه بشأن الأوضاع داخل ليبيا، وقال للسيسي نصا: «هو بيتعامل يا فندم مع العامة (يقصد المخابرات العامة) واحنا إيدنا والأرض من العامة في كل حاجة (أي لا نثق فيهم).

صراع أجهزة

ويري مراقبون أن إقالة خالد فوزي أحدث دليل علي وجود صراع أجهزة بين المخابرات العامة والمخابرات الحربية، رغم محاولات نفيه، بعدما سيطرت “الحربية” علي أغلب الملفات الحيوية وأدارتها بعدم حنكة أو خبرة أو استراتيجية، فضلا عن إطلاق يدها في السيطرة على ملفات الإعلام والخارجية والاقتصاد.

ويرون أن استمرار السيسي في عمليات “التطهير” داخل المخابرات العامة، وإقصاء مزيد من قيادتها، محاولة مستمرة لإضعاف نفوذ المخابرات العامة التي لها علاقات قوية بوكالة المخابرات المركزية CIA، بينما المخابرات الحربية تدعمها كل من “وزارة الدفاع الأمريكية” و”إسرائيل.

ويقول الحقوقي المصري بهي الدين حسن رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان أن “إطاحة السيسي باللواء خالد فوزي مدير المخابرات العامة مؤشر على تفاقم صراعات مع وبين الأجهزة الأمنية بدرجة لا تسمح بتأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، أو ربما لتجنب تأثيراتها المُحتملة على فرص “مبايعة” السيسي”.

فشل ملف المصالحة

وتقول صحيفة الأخبار اللبنانية أن قرار إعفاء فوزي من منصبه جاء لسببين رئيسيين: الأول مرتبط بالملف الفلسطيني، وعودة التعثر في المصالحة بين حركتي فتح وحماس؛ والثاني مرتبط بالإعلام وإخفاقه في توظيف الإمكانات التي أُتيحت إعلامياً لصالح النظام.

فضلا عن الإنفاق الزائد للجهاز الذي سيجري ترشيده بصورة كبيرة خلال الفترة المقبلة من قبل شركة “إيجل” التابعة للمخابرات، والتي تديرها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد خلال الفترة الحالية بالتعاون مع المخابرات الحربية.

وترجح مصادر فلسطينية أن تكون على رأس أولويات رئيس الجهاز الجديد مناقشات موسعة مع وفود حماس وفتح في القاهرة، ومزيد من الضغوط علي حماس.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور “عصام شاور” أن “إقالة وزير المخابرات المصرية خالد فوزي ترجع لأنه أظهر بعض التعاطف مع غزة”.

صراع أجنحة السلطة ظهر جليا بعد التسريبات الأخيرة .. وتستمد المخابرات العامة قوتها من وكالة المخابرات المركزية CIA” الداعمة لها بينما المخابرات الحربية تتصدر السلطة وتدعمها كل من “وزارة الدفاع الأمريكية” و”إسرائيل”.

ويرى “سميح خلف”، محلل سياسي فلسطيني، أن “غزة ستدخل مرحلة جديدة بناء على التغيير في مصر وأن سياسة مصر ستتغير بما يلبي الحلول السياسية المطروحة”.

أما الملف الثاني الذي تقول صحيفة الأخبار اللبنانية إنه سبب إقالة فوزي فهو رغبة السيسي في توحيد عمل الجهازين (العامة والحربية) فيما يخص السيطرة على وسائل الإعلام وتوفير النفقات.

ووفق التصور الجديد للتعامل مع الإعلام، فإن بعض المواقع والصحف التي يمتلكها جهاز المخابرات العامة سيجري دمجها، خاصة المتشابهة في المحتوى، مع تلم التي يمتلكها أو يديرها جهاز المخابرات الحربية، وستُجرى مراجعات مرتبطة بالجدوى الاقتصادية لتشغيل بعض الفضائيات، خاصة الإخبارية.

وأنه سيكون على الرئيس الجديد إعادة النظر في الخريطة الإعلامية ووسائل الإعلام التي يمتلكها الجهاز وتحديد مدى الاستفادة من كل وسيلة على حدة، بالإضافة إلى العمل على ترشيد النفقات، بما ينظم الوسط الإعلامي الذي باتت ملكيته منقسمة بين جهتين سيادتين بنحو شبه كامل.

إقالة خالد فوزي تبدو بالتالي لها علاقة بعدة ملفات أبرزها التسريبات ولكنها مرتبطة أيضا بملف تمثيلية الرئاسية، إذ يخشى السيسي من أن تكون هناك تربيطات تجري في السر ضد التمثيلية التي يجري إعدادها حاليا عبر معركة التوكيلات بدعم الفريق سامي عنان علي حساب السيسي.