إعدام راجح.. عندما يتواطأ القضاء مع قاتل ويسارع بإعدام الأبرياء

- ‎فيتقارير

يطوف الظلم العالم شرقه وغربه، ولكنه لا يحلو له المبيت والعشاء إلا في مصر، التي يكرم عسكرها الظلم ويقدرونه بل ويقدسونه، لا سيما إذا كان المظلوم شابا بريئا تم القبض عليه في مظاهرة تطالب بالحرية والكرامة، أو تم خطفه من سريره ومن بين أحضان والدته، لا لشيء إلا ليشعر جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي بالأمان، وهنا يأتي دور الجلاد الذي يرتدي عباءة القضاء.

وفجرت قضية الشاب محمود البنا الشهير بـ”شهيد الشهامة”، والذي قتل غدرًا وغيلة على يد أحد جيرانه ويدعى محمد أشرف عبدالغني راجح، في مدينة تلا بمحافظة المنوفية، موقفا غاضبا وساخطا على القضاء الذي بدا مماطلا في إجراءات محاكمة القاتل، بل ومهادنا للدرجة التي يمنحه الوقت والفرصة للتلاعب في شهادة ميلاده، ليبدو القاتل أصغر سنا من أن يحاكم جنائيا.

تحت التعذيب

تدور تلك المماطلة على أرض مصر وبأيدي قاض مصري، وفي عصر حاكم ظالم لا يعرف معنى الضمير، ولا يحترم إلا من استخدمه، بينما في الجهة المقابلة تدور مقصلة الأحكام السريعة المبنية على أدلة ملفقة أكثرها تم انتزاعه تحت التعذيب، وأقل التعذيب في مصر الصعق بالكهرباء، وكان التنفيذ سريعا منافيا لكل الأعراف الدولية والمحلية في كل العصور.

ومنذ انقلاب عصابة صبيان تل أبيب على الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي، في 30 يونيو 2013، وتتراص أحكام الإعدام بحق عشرات الأبرياء بعضها فوق بعض، والتي أصدرها ونفذها السفيه السيسي بحق رافضي الانقلاب، والتي شهد العالم بأسره بظلمها، ولكنه نفذها في تحد صريح للقيم والأخلاق، ولكل العالم وللإنسانية.

يقول الناشط الحقوقي شريف عثمان: “هو أنا ضد الإعدامات بشكل عام، بس لما تشوف شباب بتتعدم من غير أي سبب غير تلفيق تهم الانضمام لجماعة وتسكتوا ماينفعش تفتكر مبادئك على واحد قتل شاب عيني عينك وعاوزين يطبخوله كام سنه وخلاص. عالمنطق الخره بتاعكوا ده”.

من جانبه يقول محمد الحسيني، محامي محمد أشرف عبدالغني راجح، المتهم بقتل الشاب محمود البنا الشهير بـ”شهيد الشهامة”، إنه قرر عدم الدفاع عن المتهم في القضية، لافتا إلى أنه لم يحضر بنفسه أي تحقيق مع راجح، إذ كان يحضر أحد المحامين العاملين لديه بالمكتب، وهو لا يذهب للمحكمة كثيرًا بحكم السن.

وأضاف الحسيني أنه ووالد راجح جيران في مدينة تلا، ومنذ وقوع الحادث لجأ له ليقبل القضية بحكم “الجيرة”، موضحًا أنه لم يكن على علم بالتفاصيل الكاملة لها، ولم يكن يعلم أن القضية ستتحول إلى قضية رأي عام.

المتهم بريء

ومؤخرًا نُفذت أحكام الإعدام على 15 مصريا، جميعهم أبرياء، ليصل عدد من أُعدم على يد السفيه السيسي إلى 47، وجميعهم من الأبرياء، وربما تفلسف أنطاع السفيه السيسي ويقولون: كيف يجزم ببراءتهم؟ والرد يسير، بحسب حقوقيين وقانونيين.

يقول الحقوقي محمد شريف كامل: “أولا المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولم يدن قطعا أي فرد منهم، ذلك لأن ثبوت الإدانة يستلزم محاكمة عادلة لا شك في نزاهتها في أي من مراحلها، بالإضافة إلى أن شرط الإدانة يستوجب أن يحاكم المتهم بقانون عادل، وأن يستنفد كل مراحل الطعن والنقض”.

وبخصوص أحكام الإعدام، يقول “كامل” إنه لا تنفذ تلك الأحكام إلا بعد أمد طويل، ليُمنح المتهم الفرصة، فقد يجدّ جديد يغير من حال الحكم، ولذلك “فأنا أجزم بأن المتهمين الذين تم إعدامهم أبرياء، فهم لم يُحاكموا بقانون عادل، ولم يُحاكموا أمام محكمة طبيعية ولا قاض طبيعي، ولم يستنفدوا حقهم كاملا. ولذا، فهؤلاء وكل من أُعدم في ذلك العصر هم ضحايا لجريمة القتل العمد التي يمارسها نظام فاشي”.

وعلى ضوء إعدامات السفيه السيسي يتذكر المصريون مأساة مشابهة، وقعت في مصر منذ أكثر من مئة عام، وتحديدا في عام 1906، حين حوكم أفراد من الشعب المصري على أرض مصر، وحاكمهم جلادون على هيئة قضاة مصريون هم بطرس غالي وأحمد فتحي زغلول، وبعد أسرع محاكمة، عُلقت المشانق وتم إعدام المتهمين أمام أعين ذويهم، لإذلالهم وقهرهم وتخويفهم.

وبحسب الروايات التاريخية ورغم الحزن والأسى ومرارة الفراق، لم يُرهب شعب مصر المحروسة الذي تغلب على الحزن وعلى القهر، فاشتعلت ثورته وغضبه أكثر وأكثر، حتى تخلص ممن نصب المشانق في دنشواي، فهل يتخلص ممن عاد ونصبها مجددًا منذ 30 يونيو 2013؟