اشتغالات العسكر.. المجند والكمسري وسيدة القطار ورابعهم بُص العصفورة!

- ‎فيتقارير

من "طبيب الفريسكا" إلى "سيدة القطار" وقبلهما "بطانة رانيا يوسف".. تستمر عصفورة العسكر في التحليق في سماء الوعي المصري، ولسان حال عصابة الانقلاب للشعب "بُص العصفورة"، وكان فيديو تم تداوله خلال الساعات الماضية أظهر قيام محصّل ورئيس قطار بالتطاول على مجند مُفلس بسبب عدم قدرته على دفع تذكرة قطار.. والسؤال الأهم لماذا لا يتم إعفاء المجندين الذين يقتلهم العسكر في سيناء ويسخرهم في بيع الخضار وصناعة الكعك ويوجههم لهدم بيوت المدنيين من ثمن المواصلات؟

وعلى طريقة أفلام السبكي الهابطة، ووفق مقطع تقف خلفه الشئون المعنوية بالجيش، تصدت ما باتت تعرف بـ"سيدة القطار" لهجوم المحصّل ورئيس القطار على المجند ورفضت إنزاله بالقوة من المقطورة أو تسليمه للشرطة العسكرية، كما دفعت عنه ثمن التذكرة. وسرعان ما أصدرت القوات المسلحة بياناً عن الواقعة وجهت فيه الشكر للسيدة، وجاء في البيان: "ما فعلته سيدة القطار مع المجند يعبّر عن أصالة المرأة المصرية التي تحمل في قلبها الكثير من العطاء والإنسانية والأمومة".

يقول الناشط أشرف محمود: "هو العسكري الغلبان ما أخدش فلوس بعد ما باع السمك والخضار؟!.. ولا بيشغلوهم في العزبة ببلاش"، مضيفاً: "والله حاجة تفقع المرارة أومال فلوس المشاريع اللي بتتعمل في الجيش بتروح فين لما العساكر مش لاقية تركب قطر تروح فيه الكتيبة قال علي رأي المثل اللي بيطبخ السم بيدوقه".

وتشبه واقعة "سيدة القطار" في الهدف من ورائها واقعة أخرى، عندما ارتدت الممثلة "رانيا يوسف" ثوبا كاشفا لمفاتنها ثم اعتذرت عنه، وأعقبته بتصريحات متلفزة زاعمة أن بطانة الفستان سقطت. حينها كذبها بيت الأزياء الذى صمم الفضيحة، مؤكدا أنه موديل بلا بطانة وثمنه 140 ألف جنيه، وأطلقت عصابة الانقلاب كتيبة من الأذرع على هيئة محامين رفعوا دعاوى قضائية ضدها، وسحبها أحدهم قائلا إنها مثل ابنته، لكن تم التحقيق معها وصرفها.. اشتعل الفيس بوك ما بين مستنكر ومدافع، أو بين مؤيد للحرية ومناد لتطبيق الحد عليها، هذا كله يندرج فى العلوم السياسية تحت مسمى استراتيجية الإلهاء التى تحدث عنها المفكر الكبير "نعوم تشومسكى"، فى خمسة كتب تتلخص فى "تشتيت انتباه المواطن"، عبر وابل متواصل من المعلومات التافهة.

جنود الخفاء

فى مجتمع موبوء بالانقلاب ويقوده سفاح مثل عبد الفتاح السيسي، تشعر بأن جنود الخفاء والعلن يلتفون حول سيمفونية ممنهجة ومرتبة؛ للأخذ بناصية المواطن بعيدا عن همومه ومشاغله وما يحاك وراء الجدران أو فى العلن.

الإلهاء مادة علمية تدرس فى الدول الغربية والعربية سواء بسواء، لا تختلف الديكتاتوريات عن الديمقراطيات، فأمريكا أول من استخدمها قبل هتلر وموسولينى، الإلهاء غير الخداع الاستراتيجى رغم أن الاثنين يتطلبان كثيرا من الدهاء، لكن الأول يستخف بمواطن كريم يحلم بوطن للكرام، أما الثانى فيضلل الأعداء للدفاع عن الوطن كالذى مارسه السادات فى حرب أكتوبر المجيدة.

ولم تكن "سيدة القطار" أو "فستان رانيا يوسف" وحدهما اللذين أسهما فى إلهاء الشعب عن مشاكله الحقيقية، لكن إصدار قوانين قمعية مجحفة مثل "التصالح العقاري" وهدم المساجد ثم هدم بيوت المصريين وطردهم للعراء، وتجرؤ البعض على القرآن والدعوة لتعطيل بعض نصوصه وارتفاع أسعار سلع وبضائع ثم خفضها، ثم رفعها من جديد مع الشرائح المتوقعة للمياه والكهرباء.

والإلهاء يعتمد عى نفسيات الشعوب فى الدول النامية أو المتقدمة، المصريون الأذكياء أحيانا لا تنطلى عليهم اللعبة، رغم أنهم أول من اخترعوا "بص العصفورة" وطوروها إلى "اشتغالة"، كل هذا يزيد الفساد والإفساد والمنظومات القديمة تعود بعد اختفاء وصندوق النقد الدولى يدفع ويصر ويفرض الموافقة السريعة والفاضحة لمزيد من الديون السلبية.

مزاج الشعب

وتعود بنا تمثيلية "سيدة القطار" إلى تاريخ الدعاية والإلهاء والذي بدأ فى الولايات المتحدة في عام 1916، عندما رفع الرئيس ويلسون شعار "سلام من دون انتصار"، كانت الحكومة الأمريكية قد قررت دخول الحرب العالمية الأولى؛ فشكلت لجنة "كريل" التى نجحت خلال ستة أشهر فى تغيير مزاج الشعب الأمريكى نحو العنف والهوس بالحرب والترويج لها، بعد أن كان عازفا عن المشاركة فيها لأنها فى قارة أخرى. اعتمد الأمريكان على صور أطفال مزقت أذرعهم ونسبوها إلى الألمان، وهكذا بدأ مذهب التغييب الإعلامى وإلهاء الشعب عن الغرض من وراء الحرب.

فى كتابه "أسلحة صامته لحروب هادئة" يقول تشومسكى إن الإلهاء يعتمد على تشتيت اهتمام العامة بالمعارف الضرورية، وصرف أذهانهم عن المشاكل الحقيقية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، وتوجيهها لأشياء تافهة حتى لا يكون لديهم وقت للتفكير.

ويقول الدكتور حسن عبدالفتاح، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس، إن سياسة الإلهاء تدرس على المستويين الأكاديمى والسياسى لرجال الأمن وصانعى القرار ومن يحاضر فيها ويضع مناهجها رجال الاستخبارات فى أى بلد.

واستطرد أن سبل إلهاء الناس متعددة ويكون هدفها الأول إزاحة كل ما هو سياسى لصالح كل ما هو فنى أو غير ذلك، وأضاف أن سياسة الإلهاء تصل إلى ابتكار مشكلة أو موقف لإثارة رد فعل معين عند الناس، بحيث يندفع الجمهور لحل يرضيه مثل خلق أزمة اقتصادية يصعب الخروج منها إلا بالحد الأدنى من الحقوق الإنسانية، وتفكيك بعض الخدمات الحيوية المهمة، ثم يتم تقديم حلول مبرمجة سلفا وواجبة القبول على أنها شر لابد منه، أو تمرير لإجراء أو لقانون غير مقبول وممكن أن يثير اضطرابات لو تم تنفيذه دفعة واحدة.

يذكر أنه فى عهد ناصر تم إلهاء المصريين عن نكسة 67 بعدة أشياء، مثل نقد الاتحاد الاشتركى فى مقالات هيكل بالأهرام، إلى الحد الذى طالب فيه على صبرى وشعراوى جمعة وضياء داود بإقالته، وانطلت خدعة ناصر على الجميع عندما عينه وزيرا للإعلام، وقالوا إنه سيخرج فى أول تعديل وزارى، ولم يكن ذلك صحيحا لأنه احتفظ بمنصبه كرئيس تحرير للأهرام.

زعيم النكسة والسيسي

كانت حركة متفقا عليها بين زعيم النكسة وصديقه الكذوب لامتصاص غضب بقية "الشلة"، التى لم تثق بهيكل يوما والدليل أنه سلمهم للسادات، ثم ظهرت الأفلام الجنسية الصريحة عام 1969، مثل "أبى فوق الشجرة" و"ميرامار" و"ثرثرة فوق النيل" وغيرها، مصحوبة بأفلام كوميدية تافهة لا نهاية لها.

ومن ضمن وسائل الإلهاء تزوير التاريخ، وتقديم معلومات مغلوطة وبطولات مزيفة أو غير موجودة، وذلك استنادا إلى نظرية "الشيخ والمريد" عند الصوفية، التى يتخلى فيها الطالب عن حقوقه إرضاء لشيخه، ويرضى طائعا بتسليم عقله له، وتعطيل التساؤلات المنطقية تسليما للغيبيات.

وفي أول تعليق رسمي على الواقعة، قال الفريق كامل الوزير وزير النقل في حكومة الانقلاب :"طبعا تعامل لا يليق وغير مهذب وغير منضبط ونعتذر عنه". وأضاف: "أمرت بالتحقيق فى الواقعة ولن يفلت من العقاب أى منفلت ولا أى مستهتر، ونؤكد على إحترامنا لكل جمهور ركابنا وخاصة أفراد الجيش والشرطة". ويرد أحد المواطنين على الوزير بالقول: "وهو سيادتك بتعتذر علشان اللي اتهان عسكري؟!! ولا علشان هو مواطن؟! طب فين اللي بقى اللي بيتطردوا من بيوتهم واثاثهم يُلقى به في الشارع؟! فين المواطن اللي مالوش قيمة في بلده؟! فين الغلا والكوى؟!  فين حرية الرأي؟! فين الفساد اللي استشرى؟!".