“الإخوان” تدعو إلى حوار وطني شامل لاستكمال ثورة يناير

- ‎فيبيانات وتصريحات

جدّدت جماعة الإخوان المسلمين، دعوتها جميع القوى الفاعلة في المجتمع المصري إلى مراجعة مسيرة المرحلة الماضية بكل تجرد وشفافية، وبكل حيادٍ وموضوعية، بعيدًا عن التراشق والتشفي، وتصفية الخلافات، والتنصل من المسئولية، وإلقاء التهم جزافًا.

ودعت الجماعة، في بيان لها بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير، جميع القوى إلى حوار وطني مجتمعي شامل، في مناخ صحي يسمح بتحقيق اﻷهداف السابقة، مؤكدة أن هذه المرتكزات ما زالت ثابتة دون فقدان للبوصلة، وما زالت الراية مرفوعة تجمع الأحرار، حتى تعود اللحمة الوطنية أكثر تماسكا، وننطلق جميعا نحو آفاق مستقبل حر عزيز، ونهضة شاملة لوطن واحد وشعب واحد.

وأكدت الجماعة تمسكها بأهداف ثورة يناير، وآلياتها السلمية في التغيير، وأن الشعب المصري هو المصدر الوحيد للشرعية، كما أكدت تمسكها بأهداف مشروع الجماعة الوطنية كمشروع وطني وحضاري وسياسي متكامل، وأن جميع مؤسسات الدولة ملك للشعب، ويجب أن تعمل لصالحه، لا أن تتسلط عليه.

كما أكدت الجماعة أن دماء الشهداء والجرحي هي من أزكى الدماء وأطهرها، فقد ضحى أصحابها بأرواحهم ودمائهم فداء للوطن، وحرصًا على عزته وكرامته، وأن حقوق الشهداء والجرحى في القصاص العادل حق أصيل، لا يسقط بالتقادم.

نص البيان:

بسم الله الرحمن الرحيم

للكون إله وللحق راية وللظلم نهاية

تأتي الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير 2011م هذا العام في ظل موجة من الحراك في عدد من دول العالم؛ لتبعث الأمل من جديد في النضال الشعبي، وتضخ دماءً جديدة في شريان حركات التحرر، وتثبت للكافة أن الشعوب أبقى من الأنظمة، وأطول نفسًا من الحكومات، وأن صوت الحرية المدوي أعلى من صوت الرصاص، وأن نداء الحرية الذي تعشقه الجماهير، وتهتف به الملايين، لن يسكته سوط الاستبداد، وأن سيله الجارف لن توقفه أدوات القمع، بل يمتد رويدا رويدا كما تدب العافية في الجسد المريض؛ فتنتعش به النفوس، وتحيا به الآمال، وتتجدد به العزائم، وتقوى به الهمم، وتستيقظ به الأمم.

وقد عاشت مصر في بداية هذا العقد ثورة رائدة مشهودة، خطَت مسارها في أروع صفحات التاريخ المعاصر، وأظهرت الوجه الحضاري والإنساني للشعب المصري، وكشفت عن حب اﻹنسان المصري للوطن، وعشقه للحرية، وتطلعه للحياة الكريمة، ورفضه للظلم والقمع والتهميش، وكشفت المعدن النبيل لهذا الشعب واستعداده للتضحية من أجل حريته إذا ﻻحت الفرصة المناسبة، وأظهرت أن صبره على الظلم لم يكن قبوﻻ للضيم، وأن سكوته لم يكن انهزاما للواقع، وإنما كان مثل الجمر الملتهب، تخفيه طبقة رقيقة من الرماد، يوشك أن تواتيه ريحٌ؛ فيتأجج لهيبا يقتلع الظلم، ويجفف مستنقع الفساد، وهذا ما حدث باختصار في ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م.

ورغم المؤامرات الضخمة، والتحديات الكثيرة، والعوائق الجمة، التي واجهت مسار الثورة المصرية منذ انطلاقتها اﻷولى، فإنها قطعت شوطا كبيرا في إطلاق الحريات العامة، وبدأت رحلة اقتلاع أنياب الاستبداد، وعاش الوطن أعظم أعراس الديمقراطية في تاريخه كله؛ حيث أجريت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أجواء من الحرية والشفافية والمصداقية، وشهد العالم كله بنزاهتها، واختار فيها الشعب المصري من يمثله في البرلمان، وانتخب رئيسه بحرية كاملة، ومنح نفسه دستورًا مدنيًّا متكاملاً ومعبرًا عن إرادة شعبية حرة ونزيهة، وبدأ الوطن يسلك طريق الإصلاح والبناء وتحرر الإرادة الوطنية، وبدأ المواطن يشعر بقيمته ﻷول مرة داخل وطنه وخارجه على السواء، بعد أن استرد حقوقه الكاملة في اختيار من يحكمه، وبدأت أبواب الأمل في الانفتاح على مصاريعها أمام العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

لكن هذه المسيرة المباركة أقضّت مضاجع مراكز الهيمنة الدولية واﻹقليمية، فعملت مع عملائها المحليين من أعداء الشعب للانقلاب على ثورته السلمية، ووأد تجربته الديمقراطية، فوقع هذا الانقلاب العسكري الدموي الغاشم بتعاون وتنسيق كامل بين هذه الدوائر الثلاث: المحلية والإقليمية والدولية؛ سعيا للحفاظ على مصالح أصحابها على حساب الشعب ومصالحه.

وهنا انطلقت موجة جديدة من موجات ثورة يناير؛ هي موجة مقاومة الانقلاب العسكري، والتي تعد ملحمة من ملاحم التضحية والفداء، يشارك فيها الملايين من أبناء الشعب المصري، ويقدمون من الشهداء أكثر مما قدموا في الموجة الأولى من الثورة؛ إدراكا منهم لخطورة الانقلاب على حاضر الوطن ومستقبله.

ومرة أخرى تكشف الأحداث فطنة الشعب ووعيه، فما كان يخشاه من الانقلاب قد وقع، وها هو يقاسي من اﻻنهيار الاقتصادي، والغلاء الفاحش، وعسكرة الدولة بكل مجالاتها، والتفريط السفيه الخائن في أراضي الوطن مقابل البقاء في السلطة، والاستدانة المجنونة القاتلة للمستقبل، والتهجير القسري للمواطنين في سيناء والوراق ونزلة السمان بجوار الأهرامات، وتزايد سكان القبور بينما يجري بناء القصور والبحيرات الصناعية في عاصمة الأغنياء، مع ارتقاء آلاف الشهداء وامتلاء السجون بآلاف المعتقلين، والإخفاء القسري للأحرار والحرائر والعلماء، وتهجير الكفاءات والعقول النابغة، لتصل مصر في الترتيب الدولي إلى ذيل القائمة في كل المجالات.

ورغم فشل الانقلاب الغاشم في تحقيق أي نجاح علي أي صعيد، وتآكل معسكره المخدوع بشعاراته، ورغم مصادرته للحاضر، فإنه يحاول السيطرة على المستقبل أيضا، ويراهن في ذلك على نسيان البعض وتجاوزهم لما يحدث، فيسعى لتعديل الدستور الذي أخرجه العسكر بقوة الدبابة، وذلك لتمكين قائد الانقلاب من الاستمرار في السلطة، حتي يواصل مهمته في بيع الوطن، وتجويع المواطن، وتركيع الأحرار، والتطبيع مع الصهاينة.

إن هذا الواقع المؤلم يفرض على كل وطني غيور، وثوري حر، وعلى كل مواطن ينشد الخير لوطنه، أن يقف في وجه هذا الانقلاب، وأن يصطف مع المقاومين له؛ إنقاذاً للوطن، واستكماﻻً للثورة، وحفاظا على الهوية، ووفاءً لدماء الشهداء، واستفادة من عبر التاريخ، فهذا هو الحق الذي يجب أن يدافع عنه الجميع، والراية التي يجب أن يلتف حولها الشعب، فلا مجال للمساومة على مبادئ الثورة، وﻻ التنكر لتضحيات الشعب، وﻻ غض الطرف عن جرائم الانقلاب.

واﻹخوان المسلمون يعتقدون أن الكون بقبضة الله، وأن الأمور تجري بالمقادير، وأن تسلط الانقلاب ليس قدرا ﻻزمًا، وأن الحق الذي يدافع عنه المظلومون ﻻ بد أن ينتصر في النهاية؛ ما تمسك به أصحابه واستمروا على دفاعهم عنه بلا كلل أو ملل، فما ضاع حق وراءه مطالب.

وفي هذه المناسبة الحية المتجددة والملهمة، يؤكد اﻹخوان المسلمون ما سبق التقدم به للأمة في وثيقة ذكرى رابعة؛ أن تعالوا إلى كلمة سواء من أجل “وطن واحد لشعب واحد”.

وانطلاقا من عقيدة الإخوان المسلمين أن مقاومة الظلم واجب، والعمل لمصلحة الوطن دين، وأنهم سهمٌ في كنانة الوطن، وجزء أصيل من نسيجه، وقوة فاعلة من قواه الوطنية الحية؛ فإنهم لا يرون أنفسهم بديلا عن الشعب، بل يعتقدون أن الوطن يسع الجميع، ويرون أن المواطنة هي القاعدة الصلبة لبناء الدولة المدنية الحديثة التي تسعى إليها ثورة يناير.

وحرصًا على إخراج الوطن من النفق المظلم الذي أدخله فيه الانقلابيون؛ فإن الإخوان المسلمين يؤكدون التمسك بأهداف ثورة يناير، وآليتها السلمية في التغيير، وأن الشعب المصري هو المصدر الوحيد للشرعية، كما يؤكدون التمسك بأهداف مشروع الجماعة الوطنية كمشروع وطني وحضاري وسياسي متكامل، وأن جميع مؤسسات الدولة ملك للشعب، ويجب أن تعمل لصالحه، لا أن تتسلط عليه، وأن قوة المؤسسة العسكرية وقيامها بواجبها الوطني المنصوص عليه في الدستور، وهو حماية حدود الوطن وأراضيه، يقتضي خروج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية، والتوقف عن التدخل في تفاصيل حياة الشعب، والتحول إلى مؤسسة احترافية، بعيدا عن تجاذبات السياسة ومصالح رأس المال.

ويؤكد الإخوان المسلمون أن دماء الشهداء والجرحي هي من أزكى الدماء وأطهرها، فقد ضحى أصحابها بأرواحهم ودمائهم فداء للوطن، وحرصا على عزته وكرامته، وأن حقوق الشهداء والجرحى في القصاص العادل حق أصيل لا يسقط بالتقادم.

كما يجدد الإخوان المسلمون دعوتهم جميع القوى الفاعلة في المجتمع المصري إلى مراجعة مسيرة المرحلة الماضية بكل تجرد وشفافية، وبكل حياد وموضوعية، بعيدا عن التراشق والتشفي، وتصفية الخلافات، والتنصل من المسئولية، وإلقاء التهم جزافا.

وحرصا منا على أن نحيا جميعا تحت سماء وطن يسع الشعب المصري بكل فئاته، تحت مظلة القانون والدستور، نجدد دعوتنا للجميع إلى حوار وطني مجتمعي شامل، في مناخ صحي يسمح بتحقيق اﻷهداف السابقة، فما زالت هذه المرتكزات ثابتة دون فقدان للبوصلة، وما زالت الراية مرفوعة تجمع الأحرار، حتى تعود اللحمة الوطنية أكثر تماسكا، وننطلق جميعا نحو آفاق مستقبل حر عزيز، ونهضة شاملة لوطن واحد وشعب واحد.

والله أكبر ولله الحمد

الإخوان المسلمون

الخميس 18 جمادى الأولى 1440 هجريا، الموافق 24 يناير 2019 ميلاديًّا