“الإخوان” في ذكرى تأسيسها الـ91: صامدون أمام الطغيان والنصر صبر ساعة

- ‎فيبيانات وتصريحات

بمناسبة إتمام جماعة الإخوان المسلمين عامها الحادي والتسعين من مسيرتها المباركة، بعزم أكيد على مواصلة رسالتها، مع أمل متجدد بتوفيق الله وعونه ونصره، وجه أ.د. محمود عزت، القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، رسالة إلى شباب الجماعة، وإلى الصادقين الثابتين في المعتقلات والمنافي، وإلى الأسر الصابرة وإلى محبي الدعوة وهذا نصها:

نص الرسالة:

رسالة القائم بأعمال فضيلة المرشد: في ذكرى مولد الدعوة.. عزم أكيد وأمل يتجدد

بسم الله الرحمن الرحيم: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108).

تبدأ جماعة الإخوان المسلمين عامها الحادي والتسعين من مسيرتها المباركة، بعزم أكيد على مواصلة رسالتها، مع أمل متجدد بتوفيق الله وعونه ونصره.

عام جديد في أجواء ليست بعيدة عن أجواء تأسيسها على يد الإمام الشهيد حسن البنا وستة من إخوانه في رمضان 1346 هجرية، مارس 1928 ميلادية.

كان المحتلُّ وقتها مسيطرًا على الأرض، واليوم هو موجود بوكلائه، وكان الإخوان المسلمون في الحالَين – وما زالوا – حجر عثرة أمام أطماعه ومشاريعه، وضد من خانوا أمانة الأمة، من ذيوله وأتباعه.

وعبر تضحيات عظيمة لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً، نجح الإخوان ومعهم كل المخلصين لهذا الدين في إعادة الأمة إلى جذورها في كثير من البلدان، بفهم صحيح للدين، وبثبات مذهل في وجه الطغاة المستبدين الذين يصرّون – حتى اليوم – على تذويب هويّة الأمة وطمس وجهها الإسلامي المشرق، إرضاءً لأعدائها.

لقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين مؤسسةً تربويةً إصلاحيةً شاملةً، تأخذ الإسلام من نبعه الصافي: الكتاب والسنة، أخذًا عمليًا واقعيًا؛ حيث أدرك مؤسسها بوعي كبير ما يدور على مسرح السياسة في مصر وخارجها، وعرف خصوم الإسلام وأحجامهم وأدوارهم، وامتزج بشعب مصر؛ من فلاحين وعمال وطلاب وموظفين ومهنيين و…، فمد جذور دعوته في أعماق الشعب المصري، وفي البلاد العربية والإسلامية، وكانت وسيلته المثلى لبلوغ ذلك هي التربية الإسلامية الشاملة التي تصوغ الفرد صياغة إيمانية، عقيدةً وسلوكًا وإرادة، وتحوله إلى رجل عقيدة ومبدأ، وتسلكه في جماعة من أمثاله، يدعون إلى الله على بصيرة، وأمرهم شورى بينهم، ويعملون معًا متآخين في الله.

وحملت جماعة الإخوان المسلمين أمانة الإسلام، مع شقيقاتها من الجماعات والجمعيات الإسلامية التي نشأت في العالم الإسلامي في بدايات القرن العشرين، وطرحت مشروعًا إسلاميًا متكاملاً، أحيا موات الأمة بعد إلغاء الخلافة في عام 1924م، فكان أن نشر “البنا” وإخوانه مفاهيم الإسلام ومبادئه وعقيدته وأحكامه، بشمول وجلاء، وسلكوا مضمار الإصلاح الاجتماعي، وأحيَوا الوطنية الصحيحة التي كافحت الاحتلال بكل قوة وإخلاص، وحاربت الصهاينة في فلسطين؛ انطلاقًا من عقيدة راسخة تقدّس أي شبر من الوطن الإسلامي وتعد تحريره فريضةً على كل مسلم، وقد سجّل تاريخ الجماعة فدائية المجاهدين من أبنائها في معارك البطولة والاستشهاد في أكثر من موقع، إلى أن أصبحت الجماعة، بتيارها الإسلامي ووعيها السياسي ومواقفها العملية المشرفة – خلال فترة وجيزة – أكبر قوة إسلامية وسياسية في مصر، هددت وجود الاحتلال ومصالحه في المنطقة، وعجزت الحكومات عن احتوائها أو إضعافها، فلم يجدوا من طريقٍ للخلاص من هذا المدّ الإسلامي الواعد إلا باغتيال المؤسس حسن البنا، وقد فارق الدنيا – يرحمه الله – شابًّا في الثانية والأربعين من عمره، لكنّ دعوته لم تمت، بل ما زالت شجرةً مورقةً مثمرةً، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

جاءت دعوة الإخوان المسلمين ومفهوم الإسلام قد أصابه الضمور، وجذوته قد خبَت في الوعي والضمير، واعتلته موجات التغريب، وتناوشته الاتجاهات العلمانية، حتى صار المتدينون غرباء في أوطانهم، لكنّ البنا وإخوانه حفروا على جدران التاريخ المعاصر وفي مجراه أن الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف وحضارة وحياة، فتوارَت مظاهر الجاهلية رويدًا رويدًا، وانزوت دعوات التغريب، وانطفأت شعلة الإلحاد، وأصبح انتماء الشباب للإسلام لا لغيره، انتماءً بعقيدة صادقة وسلوك قويم وتضحية عزيزة، وصار هتافهم الخالد “الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”.

وعلى هذا مضت الدعوة المباركة – إلى يومنا هذا – ثابتةً في وجه العواصف، صامدة أمام الطغيان، مستعصية على محاولات التفكيك والاستئصال، وستظل بإذن الله تعالى ماضية في طريقها بنفس الثبات والقوة، إلى أن يرى العالم أجمع رأي العين أن كلمة الله هي العليا، وأن عدالة الإسلام ورحمته للإنسانية جمعاء.

إلى شباب الجماعة..

فلَكُم يا شباب الإخوان أن تفخروا بدعوتكم، وأن تحرصوا دائمًا على إشاعة الودّ فيما بينكم، وتقوية ركائز الأخوّة في الله، وتتعاملوا مع المجتمع بروح المحب الحاني، ولا تيأسوا أبدًا، فليس اليأس من صفات المؤمنين والمصلحين.. “إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (يوسف: 87).

إن الدعاة المخلصين إلى الله موعودون بنصره سبحانه، فلا بد أن تكونوا على يقين بهذا النصر (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: 51)، ولا بد أن تواصلوا السير مهما ناصبكم خصومُكم العداء، فالإخوان – منذ نشأتهم – لم يعلنوا الحرب على المجتمع، أو يوسّعوا الهُوّة التي تفصلهم عن الناس، بل نصحوا وسدّدوا وقاربوا وادّخروا قُواهم لأعداء الله المصارحين بالكفر والطغيان، الطامعين في احتلال البلاد والسيطرة على العباد.

إلى الصادقين الثابتين في المعتقلات والمنافي..

وأما أنتم يا شيوخ الجماعة وكهولها وشبيبتها، من رجال ونساء، في المعتقلات وفي المنافي، فلله درُّكم!!، أنتم من برهنتم – بصمودكم وتضحياتكم – أن لهذه الدعوة رجالاً صادقين لا يقبلون الهزيمة في النزال، ولا يبيعون دينهم بعرَض زائل من الدنيا، نسأل الله تعالى أن يزيدكم ثباتًا ويرفع درجاتكم ويفك أسر المأسورين منكم، ويثبتنا معكم على الطريق إلى أن ننال إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وأن يتقبل شهداءنا ويُسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة، ونسأل الله أن نكون جميعًا ممن قال المولى بحقهم: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).

للأسر الصابرة وإلى محبي الدعوة..

وللأسر والعائلات الصابرة المحتسبة المتحدّية للباطل في عقر داره.. أنتم أحفاد سمية والخنساء وآل ياسر، وأنتم مشعل النور على هذه الأرض، لن يُضيع الله تضحياتكم العزيرة، وسيكتب لكم – إن شاء الله – أجر المجاهدين؛ بما تبذلون من أوقاتكم وأعماركم وأموالكم، وسيُقرّ أعينكم بلُقيا أحبابكم عما قريب (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)) (الروم).. (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا (51)) (الإسراء).

وإلى محبي الدعوة ممن يلتفُّون حولها ويأملون نصرها، أقول لهم: كونوا على ثقة من أن بعد العسر يسرًا، وبعد الليل فجرًا، وأنّ دوام الحال من المحال، وإنما النصر صبر ساعة، فلا تهابوا المستبدّ، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا خشية العنَت والمشقة، وإنما تمثّلوا قول الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: 173 و174).

والله تعالى أسأل أن يكون من وراء القصد، وأن يجمع شملنا جميعًا على محبته، وأن يعمَّنا بمغفرة ورضوان من عنده.. إنه سميع قريب مجيب.

والله أكبر ولله الحمد

أ.د. محمود عزت

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام

الأحد: 17 رجب 1440 هـ، الموافق 24 مارس 2019م