“البساتين هزّتهم”.. أول انسحاب للشرطة أمام شعب قرر أن ينتصر أو يموت

- ‎فيتقارير

"يعني هايعملوا فينا إيه أكتر من اللي عملوه هايموتونا… طب هو احنا عايشين!!"، كانت هذه عبارة على لسان أحد المتظاهرين ضد عصابة الانقلاب ليلة أمس في منطقة البساتين بالقاهرة، وبدا واضحًا أن التحدي والإصرار على تحرير مصر من عصابة الانقلاب الصهيونية بات وشيكًا.
الفقر والحرمان وانتهاك حقوق الإنسان وبيع الأرض والتآمر مع العدو الصهيوني، واقع مرير يعيشه المصريين، دفعهم إلى التنديد بسياسات السفاح عبد الفتاح السيسي الذي هيمن على السلطة بالقمع والقتل وأموال دول الخليج والدعم الأمريكي الصهيوني.

واستدعى قانون "إزالة التعديات" التي بدأت سلطات الانقلاب العمل به ردود أفعال غاضبة بين المصريين، وسط دعوات لعودة المشهد إلى تحركات مفتوحة أشبه بما حدث في 25 يناير 2011، لإسقاط نظام السفاح السيسي.

السيسي يعاقب المصريين
وترتبط قضية "إزالة التعديات" جذريًا بثورة 25 يناير التي اندلعت في عام 2011، وأنهت ثلاثة عقود من حكم المخلوع مبارك، في حين جاء السفاح السيسي بعد انقلاب قام به على الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي.
ومؤخرًا قامت حكومة الانقلاب العسكري بإزالة آلاف المنازل المسكونة، وطرد الأسر منها، بدعوى أنها بُنيت بطريقة مخالفة للقانون منذ إسقاط مبارك من الحكم، حيث شهدت محافظة الدقهلية إزالة 1200 منزل، وإجلاء 3700 أسرة منها.

وعادت الدعوات للتظاهر مجددًا، بعدما كان قد ألهب مشهد التظاهرات الصغيرة التي خرجت في أماكن متفرقة من مصر، ليل 20 سبتمبر 2019، حماسة كثيرين، ليختاروا ذات التاريخ في العام الجاري بدايةً جديدة لتظاهراتهم، في مشهد مرتبك على أصعدة كثيرة في الشارع المصري.

وخلال الأشهر الماضية عدّد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي كوارث السفاح السيسي على الأصعدة كافة، ورصد بعضهم حالة الاحتقان الداخلي للمواطنين التي تفاقمت خلال الأيام الأخيرة بعد قرارات رفع أسعار المواصلات العامة وخفض وزن رغيف الخبز ثم هدم المساجد ومنازل البسطاء بدعوى المخالفة.

ورغم الاستحكامات الأمنية والقمعية والتهديدات الإعلامية، خرج متظاهرون محتجون في حي البساتين وسط العاصمة القاهرة مرددين هتافات تطالب برحيل السفاح السيسي، لكن قطعانا أمنية تصدت لهم مطلقة الغاز المدمع والخرطوش لتفريقهم.

ميلشيات الانقلاب
وفي وقت سابق فضت ميلشيات الانقلاب مظاهرة في قرية الكُدَّاية بمحافظة الجيزة، وقالت مصادر محلية إن ميلشيات الانقلاب هاجمت القرية، وأطلقت الأعيرة النارية والغاز لتفريق المتظاهرين.
وأظهرت مقاطع مصورة إقدام المتظاهرين على تحطيم إحدى سيارات شرطة الانقلاب وسط تشجيع من الأهالي الحاضرين، على الرغم من تصدي شرطة الانقلاب لهم، ورفع المتظاهرون لافتات تدعو السفاح السيسي إلى الرحيل.

من جهته بث الفنان والمقاول محمد علي تغريدة على موقع تويتر قال خلالها :" صباح الخير على أهلى وناسى شعب مصر العظيم، امبارح كان من أجمل أيام حياتي لأنه تم كسر حاجز الخوف داخلنا وهذه هي البداية".
مضيفًا: "وأنا مكمل معاكم إلى أن نُسقط السيسي، بداية الألف ميل تبدأ بخطوة وأمس كانت أول خطوة، إن شاء الله الساعه 2 أنا مع حضراتكم لايف عشان نتفق على حاجات مهمة".

ويرى الكاتب والباحث السياسي ياسر عبد العزيز، أن الشارع المصري جاهز للخروج بتظاهرات، ليس استجابة للمعارض محمد علي، وإنما للغضب الموجود في الشارع نفسه.
ويعتقد أن فكرة التظاهرات بشكل عشوائي، كما حدث سابقًا بعد دعوة محمد علي، "مجرد تنفيس غضب، ولا تستطيع أن تحقق نجاحًا؛ لعدم وجود رأس يقود تلك التظاهرات"، متوقعًا أن تكون مظاهرات الـ20 من سبتمبر الجاري أيضًا "تنفيس غضب، ولن تستطيع تغيير النظام".

ويشير إلى أن السفاح السيسي "غضبان من غضب الشارع من أفعاله التي يقوم بها"، مؤكدًا أن تظاهرات الـ20 من سبتمبر هي أساسًا "استفتاء على شرعية السيسي، وهو ما يغضبه".
وتطرق إلى ما يقوم به السفاح السيسي حاليًا، من خلال تأسيس نظام مبني على "الصدمة وتلقي الصدمات"، مشيرًا إلى أن السفاح السيسي استغل الحالة التي تعيشها مصر بعد الانقلاب الذي حدث عام 2013، وما أتبعها من "هزة اجتماعية وأخلاقية وسياسية وحالة الرخاوة التي عاشتها".

ويؤكد أن سيطرة الجيش "لم تكن بشكل أو بآخر تضفي استقرارًا على الجانب السياسي والاجتماعي في مصر"، موضحًا أن قضية الإزالات التي حدثت مؤخرًا "تعد القشة الأخيرة التي قصمت ظهر مصر والمصريين، بعد رفع الأسعار والدعم والغلاء الذي يعيشه الشعب المصري".

يذكر أن السفاح السيسي استولى على زمام الحكم في مصر بعد انقلابه على الرئيس الشهيد محمد مرسي، في يوليو عام 2013، الذي سُجن وعُزل عن العالم، ووُجّهت له اتهامات عدّة أبرزها التخابر مع قطر، قبل أن تُعلن عصابة الانقلاب في 17 يونيو 2019، نبأ اغتياله بالسم خلال جلسة المحاكمة، وكان الشهيد مرسي أول رئيس مُنتخب بطريقة ديمقراطية، بعد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بنظام المخلوع حسني مبارك.

تلاعب بالمصريين
وفي نهاية شهر أغسطس الماضي، قال السفاح السيسي إنّه يمكن إجراء استفتاء شعبي على استمراره في اغتصاب الحكم في حال عدم رضا المصريين عن الإجراءات التي يتخذها، وزعم أنه "لو أراد المصريون رحيله عن السلطة فلن تكون لديه مشكلة، مهدّدا بتدخل الجيش المصري"!

وكان شهر سبتمبر 2019، قد شهد خروج مظاهرات شعبية واسعة في عدد مِن المدن المصرية الرئيسية تطالب برحيل السفاح السيسي وإسقاط نظامه، وذلك في حدث هو الأول مِن نوعه حينئذ، قبل أن تُقمع المظاهرات مِن قبل الميلشيات الأمنية، إلّا أن المظاهرات تجدّدت، في سبتمبر الجاري.

وقبل ساعات مِن المظاهرات تصدّرت على موقع "تويتر" في مصر، أمس الأحد، هاشتاجات بعنوان "#نازلين_بعد_صلاة_الظهر" و"#تحت_بيوتنا_نازلين"، في حين ردّ اعلام المخابرات عليها بهشتاجات تدعو السفاح السيسي للبقاء في السلطة.

ومن أهم المناطق التي شهدتها هذه المظاهرات القاهرة وأحياء بالإسكندرية والجيزة والقليوبية وأسوان، وشهدت المعمورة في محافظة الاسكندرية مظاهرات تطالب برحيل السفاح السيسي رغم الإجراءات الأمنية والاستنفار من قبل ميلشيات الأمن.
وردد المتظاهرون هتافات تطالب بإسقاط السفاح السيسي، منها: "قول ما تخافشِ… السيسي لازم يمشي"، و"ارحل يا بلحة"، و"ارحل يا سيسي… أنت مش رئيسي"، و"لا إله إلا الله… السيسي عدو الله"، و"يسقط يسقط حكم العسكر"، و"يا أهالينا انضموا لينا"، و"واحد اثنين الشعب المصري فين"، و"يالي ساكت ساكت ليه… بكرة يهدوا البيت عليه"، و"بالطول بالعرض إحنا أصحاب الأرض".

وتناقلت وسائل إعلام عربية تصريحات لمصادر في شرطة الانقلاب تفيد بأن "تعليمات وزير الداخلية اللواء محمود توفيق كانت واضحة بخصوص منع إجازات الضباط والأفراد، وخروج جميع القوات إلى الشارع بمن فيهم ضباط المرور".
ونفذت شرطة الانقلاب حملة اعتقالات الأحد في القاهرة والسويس، طالت عددًا من المواطنين، الأمر الذي دفع المفوضية المصرية للحقوق والحريات إلى نشر إرشادات للمواطنين يجب اتباعها في حال تم القبض على أحد معارفهم.

وأوضحت المفوضية أنه في حالة تعرض أي شخص للاعتقال، يجب على أسرته اتباع التوجه لأقرب سنترال أو الاتصال على رقم 124، وإرسال 3 برقيات للنائب العام، وللمحامي العام لنيابات أمن الدولة أو المحامي العام لمكان ضبطه، ولوزير الداخلية.

وشملت رقعة التظاهرات الليلية، بحسب ما وثقته مقاطع الفيديو المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مناطق البساتين في قلب القاهرة، وجزيرة الوراق والعياط وأطفيح وقرى الديسمي وصول ونزلة الأشطر في الجيزة، والقناطر الخيرية في القليوبية، وكفر الدوار في البحيرة، وطريق الإصلاح بالمعمورة في الإسكندرية؛ فضلًا عن أربع محافظات في الصعيد، وسط حالة من الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن.

ورصدت "الحرية والعدالة" في الساعات الأولى من اليوم الاثنين هدوءًا في شوارع القاهرة، إذ شهدت الحركة المرورية سيولة نظرًا لقلة عدد السيارات والمواطنين، مع ظهور لافت لسيارات شرطة الانقلاب بأنواعها ما بين مدرعات وحاملات جند وغيرها.

وشهدت منطقة وسط القاهرة تواجدًا مكثفًا لأفراد الشرطة المدنية ورجال المباحث، مع دوريات سيارة تجوب الشوارع، وعلى أطراف القاهرة وتحديدًا بمنطقة التجمع الخامس والطريق الدائري والـ"أوتوستراد" ورصدت "الحرية والعدالة" حركة لافتة لسيارات تابعة للجيش تحمل جنودًا من الشرطة العسكرية تتحرك في التجاهات مختلفة.