البشري يرصد تاريخ المصريين تحت وطأة طوارئ الأنظمة المستبدة

- ‎فيأخبار

كتب- رانيا قناوي:

 

رصد المستشار طارق البشري كيف اعتمدت الدولة المصرية وخاصة في ظل النظام العسكري على حالة الطوارئ لحكم المصريين، من أجل تأمين حالة الاستبداد السياسي، التي حكم بها رئيس مثل جمال عبد الناصر وحسني مبارك، موضحا كيف بدأت مصر في الحكم بحالة الطوارئ، حتى أنه يمكن القول بأن مصر لم تعرف نظاما دستوريا ديمقراطيا قبل دستور ١٩٢٣ أو بعده.

 

وقال البشري خلال كتابه«دراسات فى الديمقراطية المصرية» وعرضه الكاتب الصحفي فهمي هويدي بمقاله المنشور صباح اليوم السبت، إن واضعي دستور ١٩٢٣ قد استصدروا قبل العمل به عدة قوانين استبدادية ومنها قانون الأحكام العرفية (الطوارئ لاحقا) لاستخدامها عند اللزوم، إلا أن أحكام الدسور خولفت بعد عامين من العمل به، ثم أوقفت بعض أحكامه الخاصة بالانتخابات بقرار صادر من الملك فى سنتى ١٩٢٨ و١٩٢٩، ثم ألغى تماما سنة ١٩٣٠، وصدر دستور غير ديمقراطى بديلا عنه. ثم عاد سنة ١٩٣٥ ورغم أنه لم تنشأ حالة تستدعى فرض الأحكام العرفية، إلا أن ذلك العبث بالدستور استمر بعدما تبين أن بالإمكان السياسى مخالفته صراحة ووقف العمل به ثم إلغاؤه واستبدال غيره به.

 

وأشار البشري إلى أنه لما عاد دستور ١٩٢٣ وأعيد العمل به فى انتخابات ١٩٣٦، ما لبثت أن استغلت حالة الحرب العالمية الثانية التى بدأت فى خريف سنة ١٩٣٩ لفرض الأحكام العرفية، التى تمكن السلطة التنفيذية وحدها بواسطة من يعين «حاكما عسكريا» أن يصدر أوامر لها قوة القوانين، وتمكنه من إصدار القرارات باعتقال من يرى اعتقاله من المواطنين والتحفظ على أموالهم وحرمانهم من حقوقهم المشروعة. كما أن هذه الحالة تمكن من إنشاء محاكم خاصة تشكل حسبما يرى منشؤها للنظر فيما يرون من أمور فهى بديل متكامل عن النظام الدستورى وإن قامت فى ظل وجوده الصورى.

 

ورصد البشري حالة الطوارئ التي فرضت سنة ١٩٣٩ واستمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ فألغيت، ثم عاد فرضها مع حرب فلسطين سنة ١٩٤٨ حتى تولى حزب الوفد الحكم فى ١٩٥٠ فألغيت، ثم عاد فرضها مع حريق القاهرة فى يناير ١٩٥٢ واستمرت مع ثورة ٢٣ يوليو حتى ألغيت بوضع دستور مؤقت صدر بقرار من الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر فى سنة ١٩٦٤.

 

وأضاف أنه بمناسبة إلغائها صدر «قانون تدابير أمن الدولة» ليحل محلها فى ذات تاريخ إلغائها. ثم فرضت من جديد مع حرب سنة ١٩٦٧ حتى سنة ١٩٨٠ حيث ألغيت وحل محلها قانون لحماية الجبهة الداخلية، ثم فرضت مع اغتيال أنور السادات فى أكتوبر سنة ١٩٨١ واستمرت حتى بعد نهاية حكم حسنى مبارك وثورة ٢٥ يناير سنة ٢٠١١. ثم ألغيت وحل محلها الآن قانون التظاهر ثم قانون مكافحة الإرهاب. (إلى أن أعلنت رسميا فى العاشر من شهر إبريل الحالى).

 

وأكد البشري أن معنى ذلك أنه خلال المدة من سنة ١٩٣٩ حتى الآن، وعلى مدى ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن كانت حالة الطوارئ مفروضة رسميا، ولم ترفع إلا سنوات قليلة متقطعة حلت محلها خلالها قوانين بديلة تقوم بذات المهام وتتيح ذات السلطات.

 

وقال إن النتيجة أن جهاز إدارة الدولة المصرية اعتاد على الحكم بواسطة حالة الطوارئ. إذ تشكلت فى إطارها تجارب رجاله ومهاراتهم وأساليب إدارتهم للشئون العامة والتعامل مع المواطنين ومع أنشطتهم المختلفة، بمعنى أن الثقافة الإدارية لهذا الجهاز ورجاله التى تراكمت بالتجارب والخبرات والممارسات، صارت وليدة تلك السلطة الاستثنائية بحيث أنه لم يعد يستطيع الحكم ولا الممارسة لمهام عمله فى التعامل مع المواطنين إلا من خلال حالة الطوارئ وما تتيحه من سلطات وقرارات غير مقيدة.