التصديق على قانون “وأد الصحافة”.. هل تكون “كلمة العسكر” هي العليا؟

- ‎فيتقارير

صدَّق الجنرال عبدالفتاح السيسي أمس الجمعة 31 أغسطس 2018م، على قانون “وأد الصحافة” المسمى بقانون الهيئة الوطنية للصحافة رقم (179) لسنة 2018، والذي أقره مجلس نواب العسكر في 16 يوليو الماضي.

ويعتبر القانون ضمن ترسانة القوانين المشبوهة سيئة السمعة التي تم تمريرها في ظل نظام انقلاب 30 يونيو 2013م، وتستهدف تشديد القبضة الأمنية وتأميم الفضاء العام وفرض هيمنة السلطة على جميع وسائل الإعلام بأدوات وآليات مختلفة تجمع بين الترهيب والترغيب.

وقد احتج كثير من الصحفيين المخلصين على تمرير هذا القانون المشبوه؛ ، لما يحتويه من مواد مقيدة للحريات، وتمهيده لغلق ودمج الصحف القومية (الحكومية). حيث وصفه أبو المعاطي السندوبي “عضو مجلس النقابة”، في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بأنه قانون القضاء على ما تبقى من صحافة في مصر.

 

كان ستة من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، قد أصدروا، بيانا مشتركا، أعلنوا فيه رفضهم لقانون الصحافة، مؤكدين أنه “يعد استمراراً لمحاولات تقييد استقلال الصحافة، وحصار حرية الرأي والتعبير، وتقييد حرية الصحافة بالمخالفة لنصوص الدستور، وتهديد استقلال وبقاء المؤسسات الصحافية القومية”.

أبرز التحفظات

القانون المشبوه نص أولا على استمرار “الهيئة الوطنية للصحافة” بتشكيلها الحالي، في مباشرة مهامها واختصاصاتها، إلى أن يصدر قرار بالتشكيل الجديد لها، وفقا لأحكام القانون، وإصدار اللائحة التنفيذية للقانون بقرار من رئيس مجلس الوزراء خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به، بعد أخذ رأي الهيئة، التي يرأسها الكاتب الموالي للسلطة، كرم جبر.

وثانيا توسع القانون في فرض القيود على عمل الصحفيين، بالمخالفة لنصوص الدستور التي كفلت حرية الرأي والتعبير، علاوة على تقنين الحبس الاحتياطي للصحفيين في جرائم النشر من خلال مصطلحات فضفاضة، مثل “التحريض على العنف”، أو “الطعن في أعراض الأفراد”، أو “التمييز بين المواطنين”، أو “في الجرائم التي تمسّ الأمن القومي”.

وهو ما يذكِّر بعهد الرئيس محمد مرسي، الذي أصدر قرارا بقانون يحظر حبس الصحفيين احتياطيا على ذمة قضايا النشر، غير أن التشريع الجديد أجاز حبس الصحفيين احتياطيا في بعض الجرائم، وهو ما أقره قسم التشريع بمجلس الدولة من دون اعتراض، بما يمثل ردة عن المكاسب التي تحققت للجماعة الصحفية بعد ثورة 25 يناير 2011.

التحفظ الثالث هو تجاهل برلمان الأجهزة الأمنية، أغلب الملاحظات التي تقدمت بها نقابة الصحفيين حول القانون، مبقياً على العديد من نصوصه الجدلية، التي تُثير غضباً مكتوماً في أوساط العاملين بالمؤسسات الصحفية، في ضوء منح الهيئة سلطة منع الصحفيين من ممارسة عملهم في الشارع، أو الالتقاء بالمواطنين، والمسؤولين، دون أخذ تصريح من “الجهات المختصة”، وهو ما يفرض وصاية الأجهزة الأمنية على العمل الصحفي ويئد المهنة ويجعلها تابعة لإرادة السلطة ورضاها.

التحفظ الرابع أن القانون أعطى الهيئة الوطنية للصحافة، الحق في “إلغاء ودمج المؤسسات والإصدارات الصحافية”، ما يفتح الباب أمام خصخصة المؤسسات القومية، وتشريد المئات من العاملين فيها، فضلاً عن وضع رئيس الهيئة رئيساً للجمعيات العمومية لكل المؤسسات القومية، والتوسع في تعيين أعضاء هذه الجمعيات من خارج المؤسسات الصحافية. ومنح القانون كذلك للهيئة “الحق في مد السن للصحفيين بقرار منها”، وهو ما يفتح الباب للمحاباة، ويُهدر كفاءات حقيقية بهذه المؤسسات، بحسب بيان أعضاء مجلس نقابة الصحافيين.

فلسفة الوصاية الأمنية

الأكثر خطورة أن الفلسفة التي يقوم عليها القانون تتسق تماما مع السياق العام فيما يتعلق بأوضاع الصحافة والإعلام عموما حيث تفرض السلطة وصايتها على جميع وسائل الإعلام بفرض قيود تجعل المهنة تابعة لرضا السلطة لا بكشف الحقيقة. ولتحقيق هذه الهيمنة وفرض تلك الوصاية السلطوية على الإعلام دخل النظام عبر أجهزته الأمنية” المخابرات العامة والحربية والأمن الوطني” في صفقات ضخمة لشراء جميع الفضائيات والصحف والمواقع. والعمل على دمج بعضها وتأسيس وسائل أخرى جديدة، مع التركيز على إعلام الترفيه وتقليص البرامج والمساحات للبرامج السياسية.

 

 

 

 

 

يضاف إلى ذلك استبعاد وجود إعلامية خدمت النظام بإخلاص لسنوات طويلة، وروجت أكاذيبه وأوهامه ومارست التضليل الممنهج خدمة للسلطة التي لم تحفظ هذا الجميل وطردتهم من حظيرتها شر طردة.

ثم التضييق على الصحف التي تمارس قدرًا ضئيلاً من الاستقلالية كما حدث مع المصري اليوم بإقالة رئيس تحريرها محمد السيد صالح وتعيين رجل الأمن حمدي رزق مكانه بسبب مانشيت حشود السلطة لمسرحية الانتخابات.

ثم حجب أكثر من 500 موقع إخباري، واعتقال عشرات الصحفيين والزج بهم في سجون النظام على ذمة قضايا مفتعلة، وصولا إلى سيطرة النظام على النقابة بدعم مرشح موالي للسلطة نقيبا، ثم تمرير قانون “الجرائم الإلكترونية” في استمرار لسياسات النظام نحو غلق المجال العام تماما وإغلاق مساحة الحرية الأخيرة المتمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي التي قيد قانون “وأد الصحافة” حريتها بمنح الهيئة الوطنية للصحافة حق غلق الصفحات التي يتجاوز متابعوها 5 آلاف عضو.

بالطبع القانون تلاعب بمواد الدستور، بدءًا من حرية تأسيس وإصدار وسائل صحفية وإعلامية جرى تقييدها بتحديد مبالغ مالية مرتفعة للغاية لأغلب تلك الوسائل، ثم باستعادة الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر مجددا من باب خلفى عبر استخدام صيغة «التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد» فى المادة 29، وحتى تقييد حرية الصحفى فى ممارسة عمله من خلال إضافة شرط «الحصول على التصاريح اللازمة» فى المادة 12 ليتمكن من أداء دوره فى حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة واللقاءات مع المواطنين والتصوير فى الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، وهو المنطق الذى بدا واضحا فى القانون فى العديد من مواده التى تقيد باليسرى ما تعطيه باليمنى من حقوق، مثلما جرى كذلك فى المادة 10 التى تحظر فرض قيود تعوق توفير وإتاحة المعلومات ثم تشترط أن يكون ذلك «دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومى والدفاع عن الوطن» ودون تعريفات واضحة لتلك المصطلحات ومفاهيمها بدقة، وهو ما تكرر في عدد كبير من مواد القانون المقيدة التي تتناول مصطلحات مطاطة مثل حظر نشر أو بث ما يخالف النظام العام والآداب العامة، وكذلك حظر نشر أو بث أخبار كاذبة وهي التي أصبحت تهمة رئيسية تواجه كل من يكتب أو ينشر رأيا مخالفًا أو تحليلاً معارضًا فيتم اعتبارها أخبارًا كاذبة، فضلاً عما جاء في المادة الخامسة من اشتراطات للتصريح أو استمرار الوسيلة الصحفية أو الإعلامية بأن لا “تمارس نشاطا معاديا لمبادئ الديمقراطية» دون توضيح محدد لمعنى ذلك، وهو ما إن جرى تطبيقه بشكل صحيح لتم وقف كثير من وسائل الإعلام بأدائها الحالى الخاضع للتعليمات والتوجيهات والذى بالتأكيد لا علاقة له بأدنى قيم الديمقراطية!.