الذكرى الـ102.. ميلاد “النكسجي” عبد الناصر مؤسس الانقلابات العسكرية بمصر

- ‎فيتقارير
ذكرى عبدالناصر

الكتابة عن طاغية بحجم جمال عبد الناصر، ربما يكون الآن أكثر موضوعية بحكم أنه مؤسس انقلاب العسكر بمصر، ولأنه بعد مرور هذه السنوات تحول الطاغية إلى تاريخ، ومن ثمَّ يأتي تناول شخصيته بعيدا عن الآراء الذاتية، وأقرب إلى سرد وقائع تاريخية تم التدقيق فيها، وقد يتناول الباحث أو المؤرخ أحداثًا مستلهمة من واقعه الحاضر، لكن هذه الأحداث تمتد بجذورها إلى فترة الانحدار والانكسار المسماة بـ”الناصرية”.

عاش الطاغية عبد الناصر حياةً كلها خداع وزيف ومؤامرات، خدع جماعة الإخوان التي كان عضوا فيها وفي تنظيمها الخاص، والتي التحق بتنظيمها السري الضباط الأحرار الذي أنشأه الصاغ محمود لبيب.

خدع محمد نجيب أكثر من مرة بعد حرب فلسطين، وأبعد الإخوان عن تنظيم الجيش لظرفهم الطارئ واضطهادهم من قبل الملك، صاحب حركة اغتيالات 1951، منها المحاولة الفاشلة لاغتيال قائد الجيش، ثم حدث الانقلاب واستمرت مؤامراته وخداعه إلى أن أنشأ دولة عميلة بامتياز، مستقبلها ما نعيشه اليوم من خراب.

الكل يتجسّس

وانتشر الضباط والعساكر في القرى والمحافظات وكل مفاصل الدولة، دون أن يدروا أي شيء، إلا أن يخلقوا مجتمعًا الكل يتجسس على الكل، الكل خائف، الكل مستهان ومهدر دمه، كما هو الوضع اليوم في زمن جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي.

وكانت دولة الطاغية كئيبة إلا على الملاحدة، حتى إنه في أيامه ندر الحجاب وانتشرب الدعارة، حتى صارت المخابرات هي من تعمل على نشر الدعارة لجلب المعلومات من الناس، بالإضافة إلى السجون والتعذيب وحرق المصاحف أمام المساجين وهتك الأعراض، ولو انتصر الطاغية على إسرائيل لهدم الأزهر وجعله معبدًا لتمثال له، وأمر المصريين أن يسجدوا فيسجدوا!.

تعمَّد الطاغية أن يمسخ الشعب ويجعله شعبًا لا يشعر ولا يحس، وخرجت أجيال  معتوهة  تنعق بقاتليها وتسب أشرافها، وانضم إلى الهند في خصومتها المُرة ضد باكستان المسلمة، وانضم إلى الحبشة في عدوانها الصارخ على إريتريا، وانضم إلى تنجانيقا وأغضى بصره عن المذبحة الشنعاء التي أوقعها الحاكم بشعب زنجبار المسلم، ورحب أحرّ ترحيب بـ”نيريري” الذي يتظاهر بالاشتراكية، وهو قسيس كاثوليكي!.

وانضم إلى القبارصة اليونان في نزاعهم مع القبارصة المسلمين، وجعل الأزهر يستقبل “مكاريوس” عدو الكيان الإسلامي للأتراك، وكان أسدا في قتال اليمن، وحملًا وديعًا في قتال الصهاينة، حتى جعل الصهاينة وهم أحقر مقاتلين في العالم، يزعمون أنهم لا يُقهرون في حرب.

وساند أحزاب البعث القومية في سوريا والعراق الحاقدة على الإسلام، ورفض مساندة أي تجمع إسلامي، واخترع حكاية القومية العربية لتكون بديلا عن العقيدة الإسلامية، وكان فخورا بصحته  متباهيًا بدولته ومجده، وهو السبب الأكبر الذي جعل كيان العدو الصهيوني بعبعًا على العرب، بسبب الضربات التي أعطتها إسرائيل على قفا الزعيم.

قبل وفاته بسنتين، سأله صحفي عن صحته فقال: “أنا صحتي بمب مش خرع زي إيدن بتاعكم”، وبعدها بسنتين مات الطاغية بينما عاش إيدن عشرات السنين، وكانت وفاته صدمة لمن لا يؤمنون بموت الطغاة كباقي البشر، لم يصدق عبدة الطاغية وفاة ربهم.. هل يموت رب الطغاة؟.

مات!

كان قطاع كبير من المصريين لا يستطيعون إخفاء فرحتهم بموته، تماما كما سيحدث مع مبارك قريبا ومع السفيه السيسي، خاصة الإسلاميين وبعض الشيوعيين المغضوب عليهم.

وقبل هلاكه سرب الدكتور “أنور المفتي”، وهو طبيب مشهور تحدث مع عائلته عن مرض الطاغية عبد الناصر، وأكد أن الأمراض تهاجم الزعيم “النكسجي” بلا رحمة، بينما يأبي إلا أن يظهر أمام الناس أنه لا يمرض، وأن صحته من أسرار الدولة العليا!.

تم قُتل الدكتور “أنور المفتي” لمجرد هذا الحديث الخافت بالسم، والسم كان طريقة دولة الزعيم حيث قتل به الجميع، ومنهم صديقه عبد الحكيم عامر وطبيبه أيضا، حتى إن هدى عبد الناصر ابنته تخلت عن صمتها، وأقرت بأن أباها الطاغية مات مسموما، لقد بنى عصابة ولا مجال لموته إلا مقتولا، هكذا سنة الله في خلقه، تتهم السادات بذلك وتستشهد بفنجان القهوة المسموم، ويؤمّن على كلامها هيكل، ولكن المخلوع مبارك وقتها أصر أن يواري رأس العصابة وينهي الكلام .

وثمة رواية أخرى أنه مات فريسة للمرض، الزعيم الملهم القائد كان مريضا بتصلب في شرايين ساقه، لا يستطيع أن يقف ربع ساعة كاملة إلا بأدوية معينة لا يأخذها إلا عند الضرورة، هذا الذي يشرد ويقتل ويهتك ويدمر ويخرب لا يستطيع حتى الوقوف بشكل طبيعي!.

وهناك وثيقة أخرى أن طبيبه الشخصي الأخير كان عميلا للموساد، وهذه رواية غير مؤكدة، وعصابة الناصريين كانت هشة لهذه الدرجة بعد النكسة، كان من يدير الدولة الروس كما يجري الآن مع بشار الأسد طاغية سوريا، وحفتر طاغية ليبيا، آلاف الإداريين والخبراء وضباط المخابرات الروس كانوا يأمرون وينهون في الجيش المصري، أتي بهم الطاغية ليحتمي بظلهم بعد النكسة مباشرة.

مصير السيسي

مات الطاغية ومات باطله وماتت الناصرية وماتت الشيوعية، وانقرض الملحدون فجأة، وخرج المستضعفون والعلماء والأخيار من السجون، وعاد الناس يمارسون دينهم بكامل حريتهم، ولا سيما بعد انقلاب السادات على الناصريين ووضعهم في السجون، والتنكيل بهم بعد أن كانوا يملكون مصر وشعبها، فهل ذات المصير ينتظر السفيه السيسي؟.

مات مستسلمًا لـ”إسرائيل” بكل خزي، وسلم رقاب الفلسطينيين والمصريين في معاهدة “روجرز”، لقد ظلم الباحثون السادات عندما قالوا إنه صاحب معاهدة كامب ديفيد المخزية، بينما معاهدة “روجرز” التي قبلها ناصر هي طليعة معاهدات تختم بمعاهدة كامب ديفيد.

بنود المعاهدة “الأمريكية” مخزية تقضي بوقف حرب الاستنزاف والمقاومة الفلسطينية، وغيرها من البنود السرية كطبيعة المعاهدات التي تكون من جهة أمريكا، وكان مبرره الوحيد في أن يضع جبهته تحت الحذاء الأمريكي هكذا، أنه صار مسخًا مثل فرعون، حين غرق بلا جيش وبلا جنود، لدرجة أن الطيران الإسرائيلي ضرب قناطر نجع حمادي وضرب بعض المصانع في العمق المصري.

وهكذا تتكشف بعض من الخيوط المظلمة لعصر عبد الناصر، خيوط كانت تُحاك في ظلام الغرف، بعيدا عن الشاشات ووسائل الإعلام وهتافات الجماهير، وقد تجلّت مأساوية وكارثية بعضها في العلن، والتي لا يمكن أن تخفى أو أن تُطمس، مثل هزائم الزعيم التي نالها في كل حروبه 56 في السويس، و62 في اليمن، و67 في يونيو.

وقد خسر فيها مساحات شاسعة ظلت تابعة لمصر لعشرات السنين مثل غزة وسيناء والسودان، فالرجل الذي كان قد تسلم السلطة في مصر وملكها يُطلق عليه “صاحب مصر والسودان”، مات وهو لا يملك من أمره إلا الخسارة والفشل والخيبة، وتلك بعض من حكايات الغرف المغلقة في زمن الزعيم.