الفكر السياسي عند الإخوان رؤية ومضامين.. دراسة للدكتور حكمت وليد

- ‎فيأخبار

ناقش الدكتور حكمت وليد المراقب العام للإخوان بسوريا ورقة بحثية حول أسباب وفلسفة تبني جماعة الإخوان للعمل السياسي منذ نشأتها.

وتناول وليد خلال كلمته في المؤتمر الذي نظمته جماعة الإخوان المسلمين صباح اليوم السبت 14 سبتمبر 2019م، تحت شعار "الإخوان المسلمون.. أصالة الفكرة واستمرارية المشروع" أسباب وفلسفة تبني جماعة الإخوان للعمل السياسي منذ نشأتها، بعدما انتقلت فكرة فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة إلى عالم الضعفاء ومنها عالمنا الإسلامي الذي صحا مذعورًا على موجات من الغزو الأوربي وتراكمات من الهزائم على أكثر من صعيد.

ملخص البحث

كان من سنة الله في هذه الأمة أن يكون مناط القوة في الاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . هذا الموقف الذي مثله جيل من علماء الإسلام وقادتهم الفكريين وكان في مقدمة هؤلاء الإمام الشهيد حسن البنا ومن حف به من جيل المؤسسين في "جماعة الإخوان المسلمين".

حين يؤرخ البعض لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 يربطها مباشرة بإلغاء الخلافة الإسلامية على يد أتاتورك سنة 1924، وهو ربط حقيق لا يخلو من وجاهة تلقائية مباشرة في التحليل والتفسير.

وقد عمل الإمام البنا على سد ثغرات الواقع الإسلامي المترنح تحت متراكمات من الإفراط والتفريط في حياة المجتمع الذي هو مهما قلنا فيه الوراث الأخير لعنوان الإسلام وعقائده وشعائره وشرائعه. كما عمل من جهة أخرى على التصدي للعاصفة الخارجية التي كان من أهدافها أن تقتلع من حياة المسلمين العقيدة والشريعة والثقافة وكل ما يمثل هويتهم العامة كما نصطلح عليه في هذه الأيام.

من هنا فإن الفكر السياسي لجماعة الإخوان المسلمين كما جاء به الإمام الشهيد حسن البنا أو كما مارسه في حياته الدعوية القصيرة هو نفسه الفكر الإسلامي الأول المتداول بين ثقاة المسلمين منذ العصر الأول.

وطرح الإمام البنا رحمه الله انطلاقا من واقع اجتماعي كان هو أدرى به مقاربات عملية للتقدم بحياة المسلمين نحو إسلامهم على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.

الثابت والمتغير

يبقى الإسلام بعقائده ومبادئه وشعائره وشرائعه هو الثابت المطلق في فقه جماعة الإخوان المسلمين. وحين نتحدث عن ثابت مطلق أول في فضاء العقل والقلب فإن هذا لا يلغي مقاربات فقه الواقع في عالم تتزاحم وتتدافع فيه الأضداد. ويتكاثر فيه الحلفاء على الإسلام والمسلمين.

ولعل من أهم هذه المنطلقات إعادة الاعتبار للفقه الإسلامي وللممارسة التاريخية الإسلامية وإعادة الاعتبار لنهج الفهم.

ومن المعروف أن العالم العربي والإسلامي يعاني من أزمة حقيقية على صعيد اختيار نوعية النظام السياسي الذي يلبي احتياجات المسلم المعاصر على صعيد الحرية والكرامة والعدالة والاستقرار مع الانسجام مع عقيدته والمبادئ الكبرى التي يؤمن بها، لذلك كان لا بد من تطوير نموذج إسلامي يتناسب مع الحياة الحديثة يتجاوز إعادة توليد النموذج السياسي التاريخي ويرمي إلى فهم حركة تطور الفقه السياسي الإسلامي ودراسته دراسة نقدية ترمي إلى تمييز الخاص من العام والكلي من الجزئي والبناء على الكلي والعام في تلك التجربة مع الاستفادة من التجارب الإنسانية السياسية المعاصرة.

تفعيل أنواع الفقه

ومن المهم في هذا السياق من تفعيل مختلف ضروب الفقه الضرورية، ومنها فقه الواقع، فمن المهم جدا معرفة الواقع على ما هو عليه بعيدًا عن التهوين أو التهويل تجنبا للنظرات الجزئية والتبريرية ولا بد من معرفة القوى المؤثرة المحلية والإقليمية والدولية من خلال الدراسات والبحوث الميدانية التي تعطي تصورا حقيقيا للصديق والعدو، وعندما يجتمع فهم النص مع فهم الواقع يمكن للمجتهد تنزيل الحكم الشرعي الصحيح لكل حالة بحسبها.

كما لا بد من تفعيل فقه الموازنات القائم على مجموعة الأسس والمعايير التي تضبط اختيار الأولويات والموازنة في تقدير الموقف السياسي بين المصالح والمفاسد، ففي المصالح المتعارضة نحصل الأصلح فالأصلح وفي المفاسد المتعارضة ندرأ الأفسد فالأفسد بينما في اجتماع المصالح والمفاسد نطبق قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح، ونراعي تقديم الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات ونراعي كذلك المصلحة الأساسية على الشكلية ودرء أكبر المفسدتين مع الأخذ بعين الاعتبار صعوبة الترجيح أحيانا عند تزاحم المصالح والمفاسد، ففي المشاركة السياسية مثلا في دولة لا تدين بأحكام الله تعالى مصلحة للجاليات المسلمة ودفاع عن حقوقها في هذه البلاد وإن كان الزج بأبناء المسلمين في معترك كهذا دون قاعدة إيمانية واسعة قد يؤدي لفتنتهم وانحرافهم، والاجتهاد الصحيح هنا يتطلب دراسة عميقة حسب ظروف كل بلد وظروف الجاليات الاسلامية فيها ولابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذه ألأمور ليست ثابتة بل تتغير من واقع إلى واقع فما يصلح في بلد معين قد لا يكون بالضرورة صالحا في بلد آخر وما يصلح اليوم ليس بالضرورة أن يكون صالحا بعد سنوات.

والنوع الثالث من الفقه اللازم هنا هو فقه المقاصد وهو الفقه الذي يسعى لفهم جزئيات الشريعة ومفرداتها من خلال كلياتها وأهدافها في كل جوانب الحياة إذ من حسن الفقه في دين الله أن ندرك مقصود الشرع من التكليف حتى نعمل على تحقيقه وحتى لا نشدد على أنفسنا، وعلى الناس فيما لا يتصل بمقاصد الشرع وأهدافه.

والنوع الرابع من أنواع الفقه اللازم هو فقه المآلات وهو فقه ما تؤول إليه نتائج الحكم وعواقبه من خلال حسن النظر إلى الواقع استشرافا للمستقبل وعدم الوقوع في الإفراط و التفريط، ومثاله فداء أسرى المسلمين من العدو ببذل المال له (المفسدة هنا تقوية العدو بالمال والمصلحة المقدمة هنا استنقاذ الأسرى من القتل)، والمثال الآخر هو اعتبار رفع شعار تطبيق الإسلام أمرا غير ذي أولوية ولا ينبغي اتخاذه منهجا؛ لأنه باعتبار المآلات سيؤدي إلى إجهاض مساعي الإصلاح من بدايتها، ويتبين لنا في هذا الخصوص أنه لا يسلم من الوسائل إلا ما رجحت مصلحته على مفسدته وأي وسيلة ولو كانت مباحة أدت إلى نتائج غير محمودة في الحال أو المآل يجب العمل على سدها.

والمثال الأوضح في هذا السبيل يتمثل في السؤال المهم هل يفرض الحكم الإسلامي قوانينه على جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن ديانتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية؟ والجواب أنه لا يجوز ذلك للتوجيه القرآني بعدم الإكراه في الدين أولا وكذلك باعتبار المآلات وموازنات القوى الدولية ثانيا؛ ولأن ذلك سيؤدي إلى إثارة المجتمع الدولي كما سيؤدي إلى إثارة حفيظة هؤلاء اللذين يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ويجعلهم ينادون بإلغاء النظام كلية أو بالتدخل الأجنبي، وهذا أيضا مفسدة كبيرة.

والنوع الخامس اللازم في هذا السبيل هو فقه التنزيل وهو حسن تطبيق النصوص على الواقع المعاش لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة وفيه يتجلى حسن فهم النصوص والحكمة في تطبيقها على واقع البشر، ولا بد هنا من فقه الأولويات الذي يقدر الوقت المناسب لتقديم ما يحسن تقديمه من الأعمال وما يحسن تأخيره منها بناء على أهميتها والواقع الذي يضبطها.