القصة الكاملة..المصالحة بين الانقلاب والثورة هذا مصيرها

- ‎فيتقارير

ترحب جماعة الإخوان المسلمين بمصر بأي مبادرة تدعم الخيار الثوري وتؤسس لاستعادة الشرعية والقصاص للشهداء، ومحاسبة كل من تورط في الانقلاب أو في الدماء، وتؤكد الجماعة في بياناتها أن معايير قبول أو رفض أي مبادرة قائمة على مدى اتفاقها مع الثورة وأهدافها، وهذا ما ينطبق على جميع مبادرات حل الأزمة التي أوجدها انقلاب السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في 30 يونيو 2013.

وتطلُّ بعض الرموز الأكاديمية والسياسية المصرية، بين الحين والآخر، للحديث عن مبادرات أو خارطة طريق يجب على المعارضة والعسكر تبنِّيها للخروج من المأزق السياسي الذي تمر به البلاد حالياً، إلا أن تمسُّك سلطات الانقلاب بموقفها من الصراع الحالي واستمرارها في اعتقال المحسوبين على الإخوان والمعارضين لتوجهاتها السياسية، يراه مراقبون مؤشرا على رغبة السلطة في نسف أي محاولات لتهيئة الأجواء لمصالحة شاملة.

وفي الثالث من يوليو ،2013 انقلب وزير الدفاع في ذلك الوقت السفيه عبد الفتاح السيسي على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر محمد مرسي، واحتجزه في مكان غير معلوم، وعطّل العمل بالدستور، وصدرت أوامر باعتقال المئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أحيلوا لاحقا إلى المحاكمة، وصدرت أحكام بإعدام العديد منهم.

مبادرات حل الأزمة

أكثر من خمسة أعوام مرت على الانقلاب، شهدت خلالها الحياة السياسية استئصالاً غير مسبوق، وتوارت تدريجيا الأحزاب المعارضة من جراء الضربات الأمنية المتلاحقة، والاعتقالات الجماعية، إلى أن اقتصر دورها أخيرا على إصدار بيانات الشجب والتنديد، خوفا من المصادرة والغلق في حال دعوتها للنزول إلى الشارع مجددا.

“أنا مش بتاع سياسة”، هكذا يوصّد السفيه السيسي الباب أمام مبادرات حل الأزمة، وقد انتهى من انتخابات رئاسية أجمعت المنظمات الحقوقية الدولية على أنها كانت أقرب إلى المسرحية في ظل إقصاء جميع منافسيه من الترشح، ملوحا بأنه لن يسمح بتكرار سيناريو الثورة مرة أخرى، وإمكانية طلب تفويض ثانٍ من أنصاره لاتخاذ إجراءات أخرى ضد معارضيه، في إشارة إلى فرض مزيد من الإجراءات القمعية.

ويرى مراقبون أنه لا خيار لدى جماعة الإخوان المسلمين إلا إسقاط الانقلاب والتمكين للثورة الكاملة، وأن أي رؤية تنتجها الجماعة ستطرح بالمشاركة مع القوى الثورية الفاعلة في التحالف الوطني لدعم الشرعية ومن خلال منافذها الرسمية، وترى الجماعة أن الثورة لا تواجه السفيه السيسي فقط كشخص، بل تواجه انقلابا عسكريا له عدة جهات، وقوامه الأساسي الثورة المضادة التي قامت لتهدم ثورة 25 يناير، وثورة 25 يناير لا تعرف المصالحة، ولكنها تعرف الانتصار، فستنتصر الثورة على السفيه السيسي وأعوانه وكل من مهد لانقلابه العسكري.

ويؤكد مراقبون سياسيون أن الثورة المصرية لا تقف عند جماعة الإخوان المسلمين لكونهم في قلب التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يقود العمل الثوري في مصر في الوقت الراهن، وأن هناك العديد من الفصائل والشرائح الاجتماعية تشارك في هذه الثورة، بعدما أصبح لكل عائلة في مصر شهيد أو معتقل أو مختف قسريا، أو شخص غارق بالديون بسبب سياسات الانقلاب الاقتصادية التي أفقرت هذا الشعب.

ويرى نشطاء وسياسيون أن الحديث عن المصالحة غير واقعي، متسائلين: من هي الأطراف التي ستتصالح؟ أتتصالح أسر الشهداء مع من قتل أبناءهم؟ أيتصالح الشعب الفقير الجائع مع من أفقره وسرق قوت يومه وهدم مشاريعه؟ مؤكدين أن مصر بها ثروة قوية وصلبة، لن تتراجع قبل أن تحقق كافة أهدافها بإسقاط الانقلاب وتطهير الوطن من الخونة والفاسدين والدولة العميقة.

ويرى مراقبون أن الإخوان ليسوا قوة المعارضة الوحيدة، بل هم والثوار على الأرض من يمثلون الشرعية بكونهم الداعمين للرئيس الشرعي المنتخب، بعد أن اغتصب الانقلاب حق هذا الشعب في أن يكون له رئيس منتخب وحياة ديمقراطية حقيقية.

الثورة والفوضى

وقام الانقلاب بحملة ممنهجة لتشويه ثورة 25 يناير، باستخدام آلة إعلامية جبارة يقوم عليها محترفون في الكذب والبروباجندا، ما دفع قطاعات شعبية لاستمراء وقبول ما يحدث من قمع لشباب الثورة، وقاموا بشيطنة وتشويه أحد أهم الفصائل والقوى السياسية في مصر، وهي جماعة الإخوان المسلمين، بنشر الأكاذيب وتهيئة الأجواء للتخلص من قياداتها، ووصل الأمر إلى حد قبول المجتمع بقتل مئات من المنتمين لهذه الجماعة، واعتقال الآلاف وتشريدهم، وذلك لكي يضمن عدم وجود تهديد حقيقي لسلطته.

كما فرض الانقلاب حصارا قانونيا على كل من يفكر بالتظاهر أو الاحتجاج على الأوضاع القائمة، فأصدر قانون التظاهر الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب الجميع، وأصدر عشرات القوانين والمراسيم التي تضمن له السيطرة على كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بحيث أصبح متحكما في كل شيء تقريبا، وقام بعملية اختطاف منظمة لعشرات من الشباب وإخفائهم قسريا، من دون أن يعلم عنهم أحد، ومع بداية اغتصابه السلطة في 2014 أعلن السفيه السيسي بشكل قاطع رفضه للمصالحة مع جماعة الإخوان، إلا أنه بعد فترة من بداية حكمه حدث تحول في رأيه، فشهدت لقاءاته على مدار فترة اغتصاب الحكم الأولى تغيرا نسبيا في موقفه، حيث لم يُبد أي اعتراض على الأمر وإن سعى في كل مرة لإلقاء الكرة في ملعب “الشعب” بالحديث عن أن “قرار المصالحة في يد الشعب”.

بيد أن موقفه الحقيقي الذي كان يعقب قوله ذلك، كان يؤكد أنه يحذر من تداعيات قبول الشعب ذلك، فضلا عن أنه يعلم أنه لا رأي للشعب في ظل انقلابه، وإنما مواقف للأجهزة الحاكمة، والملفت أن أغلب أحاديثه عن الإخوان كانت مع صحف أجنبية، ما يشير إلى تصديره فكرة المصالحة لتجميل نظامه وعدم قناعته بالفكرة.