الهجرة.. حلم المصريين للهروب من همجية العسكر

- ‎فيتقارير

لا يرغب الناس عادةً بالهجرة من أوطانهم إلى الخارج؛ ذلك أنّ الوطن عزيزٌ على قلب الإنسان، ولا يُستغنى عنه بحالٍ، ولكن ما يُرغم الإنسان على الهجرة بلا شك هي أسبابٌ قاهرةٌ وتحدياتٌ، وعقبات تواجه فئة الشباب في مجتمع يغلب عليه البطش والقمع والاعتقال والبطالة، ويحاصره الغلاء وتقوم السلطة التي يمثلها الانقلاب بنشر الجهل عبر الإعلام والمرض عبر استيراد الأغذية والبذور الفاسدة، وحرمان الشعب من العلاج وإخفاء الدواء من الصيدليات.

وأفاد استطلاع رأي عالمي لمؤسسة غالوب بأن 17 دولة في العالم يريد قرابة نصف البالغين فيها الهجرة، ومن بينها سوريا ومصر، وتوجد أغلب هذه الدول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية والكاريبي، ولكن المفاجئ أن هناك دولتين أوروبيتين ضمن القائمة، وهما ألبانيا وكوسوفو.

مصر تعيش القمع

ويلاحظ معدو الاستطلاع في مؤسسة غالوب الأمريكية أن أغلب الدول المذكورة تعيش اضطرابات مثل سوريا، كما أن مصر تعيش أجواء قمعية وغياب للعدالة القانونية وحقوق الإنسان، وليبيريا وسيراليون عانتا في السنوات الأخيرة من انتشار مرض إيبولا.

ولم تكن الهجرة قبل انقلاب الفاشي جمال عبد الناصر عام 1954، حلمًا من أحلام المصريين خاصة البسطاء منهم، وكان الفلاح المصري لا يغادر قريته، وكان كل ما يحلم به بيت صغير وقطعة ارض تكفيه وقبر يحتويه، حين تأتى ساعة الرحيل.

وكان العامل المصري نموذجا للعبقرية في الأداء والتميز واكتسب خبرات كثيرة كان العالم يحسدنا عليها، ومنذ باع السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي أراضي المصريين لوكلاء الانقلاب، وتنازل عن ثرواتهم من الغاز والبترول للصهاينة واليونان وقبرص، اختلفت المشاعر وبدأت حشود المصريين تشق طريقها في متاهات الغربة.

تقول ليزا فيكر القنصل العام الأمريكي بالقاهرة إن أعداد المتقدمين للهجرة إلى أمريكا هذا العام تخطت المليون مصري، كما أن أعداد المقبولين في كل عام يكون بمتوسط 3500 مصري وأن هذا العام تمت الموافقة على 3400 مصري للهجرة العشوائية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وجاء أكبر عدد تقدم للهجرة عام 2016 أي قبل عامين حيث تقدم من مصر 800 ألف مصري للهجرة العشوائية إلى الولايات المتحدة أو ما يعرف بالجرين كارد، وقد تمت الموافقة على 3400 فقط، وصنفت مصر في المركز الثاني لأكبر عدد متقدم بعد الكاميرون، و أرجعت السبب إلى الظروف القمعية والانهيار الاقتصادي الذي تمر به البلاد منذ انقلاب 3 يوليو 2013.

همجية العسكر

وجاءت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المرتبة الثالثة من بين مناطق العالم الأعلى نسبة من حيث البالغين الراغبين في الهجرة، وذلك بعد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الجنوبية والكاريبي، وقال ربع البالغين في المنطقة العربية إنهم يريدوا الهجرة، وتشمل النسبة الفترة بين عامي 2015 و2017، وكانت النسبة 22% في الفترة بين الاستطلاع الذي شمل بين عامي 2013 و2016، و19% في الفترة بين عامي 2010 و2012.

وتزامن إجراء الاستطلاع مع فترة طغت فيها أزمة اللجوء في القارة الأوروبية في العام 2015، إذ تدفق عشرات آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء إلى البحر المتوسط أملا ببلوغ الأراضي الأوروبية، ويتزامن إصدار نتائج الاستطلاع اليوم مع استضافة المغرب المؤتمر الحكومي الدولي لاعتماد الاتفاق العالمي للهجرة الذي تنظمه الأمم المتحدة.

وتعد أول أسباب هجرة المصريين بعد القمع والاعتقال والقتل، ازدياد معدلات البطالة بين الشباب حيث لا أمل ولا عمل في ظل انقلاب السفيه السيسي، خاصة أبناء الطبقات الفقيرة الذين حصلوا على اعلي الشهادات الجامعية وتفوقوا فى دراستهم، ومطلوب منهم ان يكونوا عمال بناء او باعة متجولين، فى حين سطى أبناء طبقة الجيش والشرطة والقضاء على كل الفرص.

ويروج إعلام العسكر أن على الشاب مهما كان ترتيبه الأول على دفعته، أن يعمل بوابا فى إحدى العمارات، بينما زميله الجاهل الفاشل نجل الباشا فلان يركب سيارته، بعد أن انضم إلى فريق حكومة الانقلاب المترهلة والمتوحشة، وكان اكبر نموذج قدم صرخة دامية امام الجميع، هو الشاب الذى القى نفسه فى نهر النيل، بعد ان تم استبعاده من مسابقة فى السلك الدبلوماسى كان الأول عليها، واستبعدوه لأنه غير لائق اجتماعيا.

كما أن نهب الفرص أخطر وأسوأ من نهب الأموال في زمن الانقلاب، وهنا بدأ الشباب يفكر في الهجرة، رغم أن الفرص فى الدول العربية قد تراجعت ولم يعد أمام ملايين المصريين وهم بلا عمل غير أن يفكروا في الرحيل إلى بلاد مثل اليونان او ايطاليا وبقية الدول الأوروبية.

وفي ظل عصابة السيسي يرى مراقبون أن لا احد يلوم شبابا يبحث عن مستقبله وأحلامه، إذا فكر في الهجرة حتى لو وقع فريسة عصابات الهجرة غير الشرعية، الذين استغلوا حالة الإحباط بين الشباب، لتبدأ رحلة الموت في سفن متهالكة لا تصلح للاستخدام الآدمي.

ومن أخطر أسباب الهجرة بين المصريين بعد انقلاب 30 يونيو 2013، هو الانقسام الطبقي شديد الشراسة الذي قام به العسكر، وقسم أبناء الوطن الواحد على أساس من يملك ومن لا يملك، وغابت أسس الكفاءة والعدالة والتميز على يد حكومات انقلاب فاسدة، أعطت كل شئ لمن لا يستحقون، وأنشأت بقرارات فاسدة كيانات اجتماعية وسياسية غريبة ومشبوهة، وفى سنوات الانقلاب الستة الماضية وجد المصريون أنفسهم أمام عصابات يديرها العسكر استباحت ثروة الشعب ومقدراته.

ويفيد استطلاع غالوب بأن 18 دولة استقطبت اهتمام ثلثي المهاجرين المحتملين في العالم كأفضل وجهات للهجرة، وتصدرت القائمة الولايات المتحدة بخمس المشاركين (21%) في الاستطلاع، تليها كندا وألمانيا (6%) ففرنسا والنمسا (5%)، وضمن اللائحة نجد إسبانيا واليابان وإيطاليا وسويسرا وسنغافورة والسويد والصين ونيوزيلندا وروسيا وهولندا وجنوب أفريقيا والبرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا.