“انفد بجلدك”.. مصريون يتنازلون عن جنسيتهم هربًا من حكم العسكر

- ‎فيتقارير

“لو لم أكن مصريا.. لوددت أن أكون مصريا”، كلمة لم يعد لها محل من الإعراب بعد تنازل مواطنين مصريين عن جنسيتهم مقابل ترحيلهم من مصر والخلاص من حكم العسكر.

ورحّلت سلطات الانقلاب امس الجمعة الألماني من أصل مصري محمود عبد العزيز (24 عاما)، الذي قالت برلين إنه كان محتجزا في القاهرة.

وقايض العسكر “عبد العزيز” للخروج من مصر بعد ضغط من السفارة الألمانية بالقاهرة؛ حيث أجُبر على التنازل عن الجنسية المصرية، ثم ترحيله إلى (ألمانيا)، بالتنسيق مع السفارة الألمانية”.

كما تستعد سلطة الانقلاب لترحيل مصري يحمل الجنسية الألمانية ويدعى عيسى الصباغ (19 عاما) بعد ضبطه قادما من ألمانيا عبر مطار الأقصر الجوي، بدعوى العثور بحوزته على خرائط لمحافظة شمال سيناء”.

وزعمت السلطات الانقلاب الأمنية أنه “بفحص موقفه تبين قناعته بمفاهيم تنظيم داعش، وارتباطه إلكترونيا ببعض عناصره هناك، وقدومه إلى مصر بغرض الانضمام إلى صفوف العناصر الإرهابية في شمال سيناء”، وأشارت السلطات إلى أنه تم تقنين إجراءاته تمهيدًا لترحيله مقابل التنازل عن الجنسية المصرية.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال ألمان في المطارات المصرية، فقد نشرت “شبيجل أونلاين” في أغسطس الماضي خبر احتجاز ألماني من أصول مصرية في المطار، كان في طريقه لزيارة والدته، ولم يسمح له بدخول مصر وتمت إعادته إلى فرانكفورت بسبب نشاطه في مجال حقوق الإنسان.

محمد فهمي

وسبق تنازل الألمانيين عن الجنسية المصرية، الصحفي المصري الكندي محمد فاضل فهمي، من أجل أن يسري عليه القانون الصادر مؤخرا بإمكانية ترحيل الأجانب الصادرة ضدهم أحكام في مصر.فيما أوضحت أسرة فهمي فى تصريحات سابقة، أنه “تنازل عن جنسيته”.

واعتقل “فاضل” وزميله محمد باهر في ديسمبر 2013 وتم ضمهما إلى هزلية” الماريوت” وتم بالحكم بالسجن بحقه سبع سنوات ،وبالحبس عشر سنوات لباهر محمد.

مصطفى قاسم

كما تنازل “مصطفى قاسم” المصري الذي يحمل الجنسية الأمريكية عن جنسيته للنجاة من الإدعاءات التي وجهت له في هزلية” “فض اعتصام رابعة”.

ونقلت وكالة الأناضول عن مصدر قانوني أن رئيس محكمة جنايات القاهرة القاضي حسن فريد سمح لقاسم بالحديث خلال إحدى الجلسات، فقال للقاضي: “أطالبكم بتنفيذ طلبي الذي تقدمت به منذ ثمانية أشهر بالتنازل عن جنسيتي المصرية.

محمد صلاح سلطان

كان محمد نجل الداعية الإسلامى صلاح سلطان الذي يحمل الجنسية الأميركية قد تنازل عن جنسيته المصرية بعد إجباره على التنازل عنها، وذلك رغم الحكم عليه بالسجن المؤبد في هزلية “غرفة عمليات رابعة”.

وغادر سلطان إلى الولايات المتحدة بعد أن قضى عامين في السجون المصرية وأضرب عن الطعام 495 يوما، مما تسبب في تدهور حالته الصحية.

كارثة تهدد الوطن

ودفعت الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب المصري، مئات المواطنين إلى التنازل عن الجنسية، وأصبح التنازل عن الجنسية المصرية والدعوة إلى الهجرة الجماعية ظواهر تطل برأسها في زمن الانقلاب العسكري.

أبواق الانقلاب الإعلامية طالعتنا بتصديق اللواء محمود توفيق وزير داخلية الانقلاب على قرارين بسحب الجنسية المصرية من 21 مواطنا بعد أسبوع واحد فقط من تنازل 44 مصرياً عن جنسيتهم، لرغبتهم في التجنس بجنسية دول أخرى.

القرار الذي نشرته جريدة “الوقائع المصرية” في عددها رقم 286، قرار وزارة الداخلية رقم 1779 لسنة 2018، بشأن الأذن لـ21 مواطنًا بالتجنس بالجنسية الأجنبية مع عدم احتفاظهم بالجنسية المصرية، ي فتح المجال للتساؤل عن الأسباب التي تدفع وزارة الداخلية لسحب الجنسية من هؤلاء المواطنين، وهل الدافع وراء ذلك منع قوانين تلك الدول التي حصلوا على جنسياتها تجنسهم بجنسية أخرى، أم أن السبب وراء ذلك دوافع أخرى.

ارتفاع أعداد المتنازلين

اللافت أن إحصاءات المتنازلين عن الجنسية بشكل نهائي ودون الاحتفاظ بالجنسية المصرية آخذة في الصعود، حيث تنازل 1750 مواطنا عن جنسيتهم المصرية خلال تسعة أشهر فقط عام 2016، بمعدل عشرين مواطنا شهريا، وأوضحت مصلحة الجوازات أن هناك ما يقرب من 800 شاب تنازلوا عن جنسيتهم المصرية خلال ‏9‏ أشهر منهم ‏90‏ شابًا من مدينة الأقصر خلال 2017، وفي عام 2018 بلغ عدد المتنازلين عن جنسيتهم قرابة الـ500 مواطن.

ووفقًا لأحدث الإحصاءات هناك على الأقل 30 شابًا يتقدمون بطلب التنازل عن جنسيتهم شهريًا، وأكثرهم من الراغبين في الحصول على جنسية الدول التي تشترط أنه لا ولاء إلا لدولة واحدة، فيبيع جنسيته المصرية من أجل الحصول على غيرها.

حياة آدمية

أحد الشباب يدعى “و. السعيد” تحدث حول إمكانية التنازل عن الجنسية فقال: “آه ممكن أتنازل في سبيل مكان هاعيش فيه حياة آدمية”، مشيرا إلى سوء الأوضاع المعيشية في المجتمع المصري وسيادة عنصر المادة فيه واضاف: “مش هتعرف تخلص أمورك غير بالفلوس”.

وتابع: “في دول كتير بتدي مواطنيها امتيازات كتير أوي كونهم منها، وبيربوا الانتماء جواهم وبيعززوا عندهم فكرة الوطن وإنهم مختلفين”.

وأضافت مواطنة أخرى تدعى” د.الرفاعي: “آه أتنازل دون تردد”، مشيرة إلى سوء أحوال الشباب فى مصر.وأضافت أن الدولة لا تهتم بأحوال الشباب الذين يمثلون ثروتها الحقيقية، مشيرة إلى أن معظم الأشخاص الناجحين يعيشون بالخارج.

غياب الانتماء

وقال الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية إن من حق أي مواطن الهجرة طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكن هناك عوامل جذب وعوامل طرد هي التي تدفع المواطنين للتنازل عن جنسيتهم. لافتا إلى أن هناك أسبابا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تقف وراء التنازل عن الجنسية، وأن أغلب المتنازلين عن الجنسية ينتمون لجنسيات أخرى، ويتلقون معاملة حسنة ويشهدون احتراما لحقوقهم”.

وأضاف أن غياب الانتماء من أبرز عوامل التنازل عن الجنسية، مبررا ذلك بأنه لا يمكن أن أنتمي لكيان لا يحترم حقوقي وحرياتي، قائلا: “المعاملة لا بد أن تكون متبادلة”. واوضح أن الانتماء للوطن لا بد أن يقابله معاملة بقدر هذا الانتماء، وأنه يجب التخلي عن مفاهيم الانتماء التي تم ترسيخها في الخمسينيات وضرورة مواكبة العصر بمفاهيمه.

وتساءل عن كيفية أن ينتمي المواطن لبلد توفي به المئات إثر حوادث خلال السنوات الخمس الأخسرة ومن قبلها كوارث مثل “عبارة السلام وحريق مسرح بني سويف” دون معاقبة الجناة؟

جحيم السجون

من جانبها اعتبرت د. نيرمين عبد السلام -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- أن تنازل المصريين عن جنسيتهم وحصولهم على جنسيات أخرى السنوات الماضية فضلاً عن دعوات الهجرة الجماعية يمثل مؤشرا شديد الخطورة عن حجم ما أصاب المجتمع من إحباط نتيجة الانقلاب العسكري.

وأكدت نرمين –في تصريح لـ”الحرية والعدالة”- أنه بالرغم من سيطرة مشاعر الإحباط على بعض الأفراد داخل المجتمع والتي زادت حدتها بعد الانقلاب العسكري نتيجة تردي الأوضاع المعيشية والصحية والاقتصادية إلا أن هناك في المقابل العديد من الشباب والمواطنين لم يتسلل الإحباط إليهم بالرغم من أنهم يعيشون نفس هذه الظروف، بل نجدهم يواجهون بكل ألوان القمع والتنكيل ورغم ذلك لم يحبطوا أو ييأسوا بل يؤكدون دائما على استكمالهم مسيرتهم في النضال من أجل الوطن دون أن يفقدوا إيمانهم بالثورة ويصرون على استكمال أهدافها رغم التحديات الجسيمة التي تواجههم

واعتبرت أن هؤلاء الأفراد يمثلون بارقة أمل لكل المصريين وحائط صد أمام كل محاولات الانقلابيين لتصدير اليأس.