“بئر الخيانة”.. ماذا حصل السيسي مقابل توصيل نهر النيل للكيان الصهيونى

- ‎فيتقارير

كثيرًا ما يُضيء التاريخ ظُلمة الأيام الحالية، ويفك الماضى طلاسم الحاضر، وتَفتح الكتب نوافذ المعرفة على ظلام أزماتنا ونكساتنا الحالية، وفى قصة النيل هناك فصول لم تروَ، وحكايات لم تنشرْ، ونصوص لم تُقرأ، لهذا فإن التفتيش حول الأصابع الإسرائيلية فى أزمة سد النهضة الإثيوبى ضروري.

إنَّ نصف أزمة سد النهضة الإثيوبى إسرائيلى تمامًا، فما تريده إسرائيل أن تتشارك مع دول حوض النيل فى هذا الخير، وهى قادرة بنفوذها وقوتها أن تؤجل أو تستبدل سد النهضة بغيره، إن وصلتها مياه النيل.

ورغم إعلان جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي عن دخول مصر مرحلة الفقر المائي، ووجود خطة لمنع مياه النيل عن أجزاء من البلاد، بينها المحافظات الساحلية، أعلنت محافظة شمال سيناء عن وصول مياه النيل لأول مرة إليها.

 

بيان خداع

وأكَّدت حكومة الانقلاب، في بيان لها، وصول مياه النيل عبر ترعة السلام، المعروفة بترعة الشيخ جابر الصباح، إلى المحطة الرئيسية في مدينة بئر العبد، وأشارت إلى أن ذلك يأتي في إطار خطة الدولة لتحقيق التنمية المستدامة والمشروع القومي لتنمية سيناء.

وأوضح بيان خداع صادر عن حكومة الانقلاب، أن "خطة الدولة تهدف إلى زراعة 400 ألف فدان من مياه ترعة السلام، التي وصلت إلى الكيلو 3505 لتشغيل مأخذي الري الثالث والرابع، لتغذية 10 آلاف فدان في قريتي بالوظة ورمانة في بئر العبد".

ووفق البيان فإن "الدولة انتهت من تنفيذ سحارة ترعة السلام أسفل قناة السويس لتوصيل مياه النيل إلى سيناء بتكلفة مالية قدرها 221 مليون جنيه، فضلًا عن الانتهاء من إنشاء ترعة الشيخ جابر الصباح بطول 8605 كم بتكلفة مالية قدرها 560 مليون جنيه".

من جهته وصف السياسي المصري ومنسق التجمع الحر للديمقراطية والسلام، محمد سعد خير الله، مخطط تزويد إسرائيل بمياه نهر النيل عبر سيناء بـ"الغامض"، قائلا: "هل يوجد مخطط أو لا يوجد.. لا توجد شفافية بشأن هذا الموضوع، رغم ما يثار من مؤشرات على ذلك".

وأضاف: "ما يجري هو صفقة سياسية قديمة، تقضي بمباركة اليمين الصهيوني لحكم الجنرالات لمصر، مقابل التزامهم بأمن وسلام إسرائيل، والتعاون معهم في كافة المجالات التي من شأنها خدمة مصالح إسرائيل".

واعتبر أن "توريد مياه النيل سيكون خيانة كبرى لمقدرات الشعب المصري، فما هو المقابل الذي ستحصل عليه مصر لتزويد إسرائيل بالمياه غير التفريط في أحد أهم ما لديها".

الأطماع الإسرائيلية

وما كتبه الكاتب المخضرم الراحل كامل زهيرى فى كتابه "النيل فى خطر"، والذى أصدره كحركة مقاومة لأفكار طُرحت عقب كامب ديفيد بتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل، كشف عن الأطماع الإسرائيلية فى مياه النيل، وانفرد بنشر وثائق قديمة حول مشروعات تحويل مياه النيل إلى اليهود منذ عهد هيرتزل.

فى عام 1903، تقدم تيودور هرتزل بمقترح إلى الحكومة البريطانية بمشروع امتياز لعرضه على بطرس باشا غالى، رئيس وزراء مصر، يقضى بتوطين اليهود فى شبه جزيرة سيناء، ونص البند الأول على منح الحكومة المصرية الدكتور هرتزل الحق فى احتلال الأرض واستعمارها، ونص البند الثانى على حق امتياز لمدة 99 سنة ونظمت البنود التالية حقوق الانتفاع ومقابلها، بينما نص البند الرابع عشر على توفير مياه النيل لشبه جزيرة سيناء فى اتفاق لاحق.

وفى مارس من نفس العام، زار هيرتزل مصر وكتب عنها "مصر تقع بين حلمين الأول هو الذهاب إليها والثانى هو العودة منها"، والتقى هيرتزل " اللورد كرومر" وتحدثا عن المشروع، وقال هيرتزل: نحن نطلب فقط من النيل مياه الشتاء الزائدة التى تجرى عادة إلى البحر ولا يستفاد منها.

وسأل هيرتزل، كرومر إن كان عليه أن يزور رئيس الوزراء فأجابه بالموافقة وذهب إليه بالفعل وعرض عليه مشروع التوطين فى سيناء، فسأله غالى: من أين تجيئون بالماء؟ فشرح له الفكرة.

وفى 5 مايو 1903، قدم ويليام جارستن وكيل نظارة الأشغال العمومية فى مصر، تقريرًا حول المشروع الصهيونى، مؤكدًا أنه سيؤثر على رى الأراضى داخل مصر.

وذكر أن رى 60 ألف فدان فى سيناء، وهو ما اقترحه هيرتزل فى البداية، يحتاج إلى 51 متر مكعب من المياه فى الثانية، و4 ملايين و340 ألف متر مكعب يوميًّا، وهو ما لا تستطيع ترعة الإسماعيلية توفيره.

كما أن الخزانات المطلوبة ستزيد من ملوحة الأرض، وقد سبق لشركة رى البحيرة أن قامت بتجربة مماثلة فى البرابرى واضطرت للتخلى عن المشروع.

الصين وهونج كونج

وذكر التقرير أيضًا أن الأنفاق المقترحة تحت قناة السويس ستثير مصاعب فنية؛ لأن تمرير 51 متر مكعب من المياه فى الثانية يتطلب مد ثمانية أنابيب، قطر كل واحدة منها متران، مما قد يؤدى إلى تعطيل الملاحة.

وأرسل بطرس غالى، رئيس وزراء مصر وقتها، بعد أسبوع واحد من تقرير جارستين، أنها ترفض المشروع، وهو ما جعل هيرتزل يكتب فى مذكراته "يبدو أننا أخطأنا بإعطاء مسودة المشروع لمكلويت بوزارة الحقانية المصرية، لأن فيها كثيرا من التفاصيل، بينما مذكرتى تبدو أقل تفاصيل، وتبدو خالية من الأذى".

وغابت فكرة المشروع فى النسيان حتى حرب أكتوبر وما تبعها من مبادرة للسلام، وفى 27 سبتمبر 1978 نشرت جريدة «معاريف» الإسرائيلية مقالا لمهندس إسرائيلي، يدعى اليشع كلى، يعمل فى شركة تاحال بعنوان «مياه السلام»، قال فيه إن إسرائيل ستواجه مشكلة مياه خلال بضع سنوات.

وأوضح أن حل المشكلة سيكون فى جلب مياه من دول مجاورة، وقال نصا: «إحضار مياه النيل إلى النقب الشمالى هو الحل». وأضاف «إن هذا شيء منطقى ليس فقط على خريطة وهمية لا توجد فيها حدود سياسية، بل أيضا على خريطة واقعية بها حدود سلام».

وفى ظنه فإن هناك دولاً عديدة تتاجر مع دول معادية ما دامت هناك فائدة اقتصادية، وأبسط مثال قيام الصين ببيع المياه الى عدوتها هونج كونج، واقترح «كلى» أن تبيع مصر المياه لإسرائيل بنفس ثمن بيع القطن، مشيرا إلى أن ذلك له فائدة لإسرائيل لأن المزارع الإسرائيلى يمكنه أن ينتج بواسطة متر مكعب من المياه ستة أضعاف ما ينتجه الفلاح المصرى بنفس الكمية من المياه.

وأضافت صحيفة  معاريف أن 1% من مياه النيل كفيلة بحل مشاكل إسرائيل المائية، ويرصد كامل زهيرى فى كتابه تفاصيل مشكلة المياه فى إسرائيل، مشيرا إلى أن شركة تاحال وضعت ثلاث خطط لزيادة كميات المياه فى إسرائيل الأولى من عام 1953 إلى 1960 لزيادة كمية المياه من 810 ملايين متر مكعب إلى مليار و730 مليون متر مكعب.

وكانت الخطة الثانية من 1956 إلى 1965 لزيادة المساحات المروية من 880 ألف دونم إلى 3 ملايين دونم، أما الخطة الثالثة من عام 1966 إلى 1974 فكانت تستهدف تحقيق زيادة قدرها 200 مليون متر مكعب.