بسبب هيمنة العسكر.. ركود وكساد الأسواق المصرية في 2019

- ‎فيتقارير

شهدت الأسواق المصرية في العام 2019 حالة غير مسبوقة من الركود والكساد وتراجعا كبيرا في حركة المبيعات لعدد من القطاعات الحيوية والمهمة بالاقتصاد المصري، وعلى رأسها قطاع السيارات والملابس الجاهزة والعقارات واللحوم.

جاءت هذه الحالة بسبب سياسات دولة العسكر وتدهور الاقتصاد المصري وارتفاع الأسعار وتزايد معدلات الفقر؛ حيث وصل معدل المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 60% من السكان، بحسب مؤشرات ‏حديثة للبنك الدولي.

كما تسببت موجات الغلاء وارتفاعات الأسعار وضعف القوة الشرائية في تراجع معدلات الإقبال على شراء السلع، وإحجام الكثير من المستهلكين عن التسوق وأسهم غلاء الأسعار في لجوء المستهلك إلى إعادة ترتيب أولوياته ومحاولة تسيير أحواله وأموره بما يتفق مع دخله المحدود

حالة الركود، التي تخيم على الأسواق دفعت التجار في العديد من القطاعات، إلى حرق الأسعار في محاولة لجذب المشترين وإنقاذ أنشطتهم، التي باتت مهددة بالإغلاق مع انحدار القدرة الشرائية لأغلب المصريين الذين أنهكتهم قرارات نظام العسكر برفع أسعار مختلف السلع والخدمات.

تراجع الطلب

 

وأظهرت مؤشرات اقتصادية تراجع الطلب على عشرات ‏السلع خلال 2019 بنسب تخطت 50 في المائة، مقارنة بالعام ‏‏2018، وهو ما ‏اضطر الشركات إلى النزول ‏بالأسعار، رغم ارتفاع تكاليف التشغيل لتوفير سيولة نقدية ‏لتسديد ‏فوائد القروض البنكية‏، أو لإعادة توجيهها في مشروعات أخرى تعوض خسائرها.‏

تداعيات الركود لم تقتصر على القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، وتراكم مخزون بعض السلع الغذائية بل امتدت إلى البورصة المصرية، التي تكبدت الأسهم فيها خسائر كبيرة، في الفترة الأخيرة، وسط شح شديد في السيولة.

وطبقًا لتقرير مؤشر الجوع العالمي، الذي يصدر سنويًا عن ‏المعهد الدولي لبحوث السياسات‎ ‎الغذائية، جاءت‎ ‎مصر‎ ‎في ‏المرتبة 61 بين 119 دولة، وتشير المؤشرات إلى أن الركود طال مختلف القطاعات سواء الزراعية أو الصناعية والتجارية والعقارية وحتى أسواق المال ففي القطاع الزراعي تراجعت أسعار الأسمدة بنسبة ‏‏22% خلال 2019 مقارنة بالعام الماضي ويعاني مزارعو القطن من أزمة تسويق  رغم ‏تقليص ‏المساحة المنزرعة، وتراجع ‏الإنتاج من 2.4 مليون قنطار إلى 1.5 مليون هذا العام وهبوط سعر القنطار إلى 1700 جنيه، مقابل ‏‏2500 جنيه العام الماضي، نتيجة وجود مخزون لدى ‏التجار‏ يقدر بنحو مليون قنطار.‏

ووصل الركود إلى سلعة السكر الاستراتيجية؛ حيث تكدس مليون طن سكر بنجر في مخازن الشركات الحكومية في ‏منتصف الموسم، نتيجة انخفاض أسعار السكر المستورد وتراجع حجم الاستهلاك.

كما تراجعت مبيعات اللحوم الحية في الأسواق بنسبة 25 % ‏مقارنة بالعام الماضي، وفي قطاع السيارات، أظهرت إحصاءات مجلس معلومات سوق السيارات ‏‏”أميك” تراجع مبيعات السيارات بنسبة 4.3 في المائة، ‏خلال الشهور العشرة الأولى من 2019، مقارنة بنفس الفترة من ‏‏2018.‏

وتقدر نسبة تراجع الطلب فى قطاع العقارات بـ‏‏20 % في 2019 عن العام الماضي وانعكس الركود العقاري على أسواق مواد البناء؛ حيث كشفت غرفة صناعة الحديد باتحاد الصناعات عن وجود ‏‏900 ألف طن راكد ‏في مخازن الشركات، كما تضررت مبيعات الإسمنت، وتتوقع تقارير متخصصة توقف طاقات إنتاجية بنحو 6 ملايين طن ‏بنهاية 2019.

الملابس الجاهزة

من جانبهم حذر خبراء اقتصاد من أن دخول السوق في مرحلة الكساد الكبير تهدد بحدوث شلل تام في الاقتصاد المصرى، وما يتبع ذلك من تكبد القطاعات الاقتصادية المختلفة خسائر فادحة، بجانب ارتفاع معدلات البطالة وإغلاق وتصفية الشركات الخاسرة وتعثر شركات أخرى.

وقال يحيى شفيق زنانيرى، رئيس شعبة الملابس الجاهزة بالغرف التجارية إن السوق المصرية تمر بحالة من الكساد والركود الشديد، موضحًا أن عام 2019 وحتى موسم “الأوكازيون” يعد من أسوأ المواسم فى حركة البيع.

وأضاف “زنانيرى” في تصريحات صحفية أن حالة الركود في عملية بيع الملابس الجاهزة جعلت التجار لا يستطيعون بيع 10% من حجم البضائع الموجودة في الأسواق، لافتًا إلى أن جميع التجار كانوا يأملون أن ينجح الأوكازيون سواء الشتوي أو الصيفي في تحريك السوق ويحدث رواجًا بعض الشيء حتى تحدث حركة في عملية بيع الـ90% حجم البضائع الراكدة في الأسواق لكن شيئا لم يحدث.

السوق العقاري

وأكد المهندس محمد البستاني، عضو جمعية رجال الأعمال المصريين، أن السوق العقارية تمر بمرحلة صعبة وفي غاية التعقيد، مشيرًا إلى أن القطاع يشهد حالة من التذبذب والضبابية بسبب الظروف الصعبة التي يشهدها الاقتصاد المصري بشكل عام.

وقال البستاني في تصريحات صحفية: إن القطاع العقاري حافظ على قوته وصموده الفترة الماضية، لكن مع توسع وزارة الإسكان بحكومة الانقلاب في طرح عدد كبير من المشروعات السكنية، علاوة على طروحات الشركات العقارية من القطاع الخاص زاد حجم المعروض في قطاعات سكنية معينة، وهي الإسكان الفاخر وفوق المتوسط، وهو القطاع الذي يشهد حالة ركود واضحة نظرًا لوصوله لمعدلات تشبع ملموسة.

وأكد أن السوق العقارية رغم ذلك لا تزال تشهد طلبًا على الإسكان الاقتصادي والأقل من متوسط، والذي لا تتجه إليه الشركات العقارية برغم أنه يمثل قاعدة طلب عريضة بالسوق، لافتا إلى ضرورة طرح وزارة الإسكان بحكومة العسكر أراض بأسعار مخفضة لإنتاج هذه النوعية من الوحدات السكنية، لإنقاذ السوق من حالة الركود، وفي الوقت نفسه تلبية احتياجات المواطنين من هذه الشريحة العريضة الموجودة بالسوق.

وشدد البستاني على أن مواجهة خطر الركود والحياد يتطلب اتخاذ حزمة من الإجراءات، وفي مقدمتها العمل على تخفيض تكلفة الإنتاج، والحد من أي ارتفاعات جديدة محتملة في الأسعار، والبحث عن أسواق جديدة للمنتجات العقارية سواء بالداخل أو الخارج من خلال تفعيل تصدير العقار وتنشيط التمويل العقارى ومنح المزيد من التسهيلات والتيسيرات لتوفير التمويل اللازم للنشاط العقاري.

الأدوات المنزلية

ويرى فتحى الطحاوي، نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية بغرفة القاهرة التجارية أن الأسواق تتدهور أوضاعها يوما بعد الآخر، بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية، وثبات الأجور وتدنيها.

وحذر الطحاوي في تصريحات صحفية من خطورة الركود والكساد على الاقتصاد في المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن الحكومات في كل الدول تعمل على تلافي أي مؤشرات تؤدي إلى زيادة الكساد وزيادة معدلات الركود حتى لا تتعرض التجارة لخطر من جراء هذا الإقفال التجاري لكن حكومة الانقلاب لا تفعل شيئا.

وقال: تصل هذه المخاطر من معدلات الركود المرتفعة إلى عدم قدرة العاملين في التجارة على سداد التزاماتهم، وبالتالي ضعف الموارد التي تدخل إلى الدولة وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات من جانب الدولة نفسها، مشيرًا إلى أن مصر ليست في حالة حرب أو تعاني من كوارث طبيعية تجعلها تصل إلى هذا النوع من الكساد “العظيم”، واصفا الوضع بـ”المخيف” بسبب تراجع الحركة في السوق.

الثروة الداجنة

وكشفت عبد العزيز السيد رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية عن ارتفاع معدلات الركود في القطاع بشكل كبير منذ فترة طويلة، مؤكدا أن معدلات الركود في المبيعات وصلت إلى 30% على أقل تقدير.

وأرجع هذه المعدلات المرتفعة إلى ضعف القوى الشرائية وارتفاع الأسعار؛ ما أدى إلى إحجام المستهلكين عن الشراء بكميات كبيرة والاقتصار على الضروريات وعلى كميات محددة.

وقال السيد، في تصريحات صحفية: إن الالتزامات الملقاة على كاهل المواطنين من المصاريف اليومية والمعيشية الكبيرة في ظل ارتفاع الأسعار هي السبب في ضعف الإقبال.

وحول إمكانية تراجع أسعار الدواجن في السوق أكد أن الأسعار تتراجع في حالة عمل تطوير وتحديث وهيكلة القطاع الداجنى، والعمل على تقليل معدلات النافق من الدواجن والتي تتسبب في ارتفاع الأسعار في أوقات كثيرة، وهذا لا يحدث الآن.

أزمة حادة

وقال مصطفى عبد السلام، خبير اقتصادي: يجب أن تعترف حكومة العسكر أن الاقتصاد المصري يعاني من أزمة حادة وأرقام مخيفة قد تدفع به إلى التهاوي إذا ظلت الأوضاع القائمة على ما هي عليه، دون إيجاد حل حقيقي وناجع للأزمات التي يعاني منها الاقتصاد، وفي مقدمتها الارتفاع الصاروخي للدين العام.

وحذر دولة العسكر من عدم الاعتراف بالأزمة وخداع النفس والادعاء بأن الاقتصاد على الطريق الصحيح، وأن ثمار الإصلاح الاقتصادي آتية في القريب العاجل.

وقال عبد السلام في تصريحات صحفية إن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة سيئة قد تكون الأعنف في تاريخه على الإطلاق، مدللاً على وجود أزمة عميقة من خلال 3 مؤشرات خطيرة:

الأول: تفاقم الدين العام ووصوله إلى معدلات خطرة لا يمكن السكوت عنها، فالدين المحلي زاد عن 5 تريليونات جنيه كما تضاعف الدين الخارجي ليصل إلى 103 مليار دولار.

الثاني: أن حكومة العسكر توجه نحو 80% من إيرادات الدولة لسداد أعباء القروض وأقساط الديون والفوائد المستحقة عليها، وهو ما يعني أن المتبقي للأغراض الأخرى، خاصة المتعلقة بتمويل المشروعات الاستثمارية والخدمية ليس بالكثير، ومع تزايد حجم الدين العام وعجز الموازنة يمكن أن تصل البلاد إلى هذه المعادلة الخطرة، وهي أن 100% من إيرادات المصريين ستوجه لسداد أموال الدائنين والبنوك فقط، وأن على العسكر الحصول على مزيد من القروض لسداد رواتب العاملين في الدولة، وتمويل ما تبقى من دعم السلع الرئيسية كرغيف الخبز والتعليم والصحة وغيرها.

الثالث: الضرائب تشكل نحو 77% من إيرادات الدولة، وهذا يمثل خطورة، ليس فقط على دافع الضرائب، ولكن على النظام الاقتصادي بالكامل، فزيادة الضرائب بلا تقديم خدمات يساعد في زيادة التهرب الضريبي، والركود والانكماش الاقتصادي والتعثر

وطالب بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد الاقتصادي، وتركه للقطاعين العام والخاص، فهما أقدر على إدارته، موضحًا أن هذا الخروج سيحقق عدة مزايا، منها إعادة النشاط للقطاع الخاص الذي سيقع عليه العبء الأكبر في توفير فرص العمل، وتغذية الموازنة العامة بالضرائب والجمارك والرسوم، وزيادة الصادرات، وبالتالي تقليل العجز في الميزان التجاري وتخفيف الضغط على النقد الأجنبي.

وشدد على ضرورة التوقف فورًا عن الاقتراض الخارجي، إلا للمشروعات التي تدرّ عائدًا بالنقد الأجنبي يتم من خلاله سداد القروض، وإعادة النظر في المشروعات الفنكوشية الكبرى التي تمثل عبئًا شديدًا على الاقتصاد والموازنة العامة وإعطاء أولوية قصوى لزيادة الإنتاج، خاصة الزراعي والصناعي.