بشهادة مؤسسات دولية.. “العدالة” ماتت فى عهد العسكر

- ‎فيتقارير

مع هيمنة الانقلاب العسكري الدموي، بقيادة عبد الفتاح السيسي، على شئون البلاد منذ 3 يوليو، ماتت العدالة فى مصر وتم تسييس القضاء، وانتُهكت الحقوق والحريات، ولم يعد للمصريين ملجأ إلا الله- سبحانه وتعالى- الحاكم العادل الذى تجتمع عنده الخصوم .

القضاء لم يعد يتمتع بالاستقلالية، والعسكر يتدخّلون فى شئونه ويفرضون عليه الأحكام التى يصدرها فى مختلف القضايا، خاصة القضايا السياسية، والاتهامات التى تلفق لرافضي الانقلاب الدموي وكل معارضي السيسي .

وبشهادة الكثير من المنظمات الدولية أصبحت العدالة فى عهد العسكر انتقامية، فكل من يعارض السيسي تلفق له الاتهامات وتُكال له الإدانات، وتصدر ضده الأحكام بالسجن عشرات السنين أو بالإعدام، رغم أنه لم يرتكب أي جريمة، وإنما حاول ممارسة حقه فى التعبير عن الرأى أو خدمة الوطن وتوعية الرأي العام .

من جانبها قالت منظمة “العفو الدولية”، إنَّ النظام القضائي بات أحد وسائل قمع المعارضين السياسيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، مشيرة إلى أنه يرخص آليًّا بالاعتقال التعسفي، وييسر الإخفاءات القسرية وأعمال التعذيب، ويحمي الذين يخرقون الحقوق الإنسانية، ويحول دون خضوعهم للمساءلة القانونية.

وأشارت المنظمة، فى تقرير لها عن “حالة الطوارئ” في مصر، إلى أن النظام القضائي يهدف إلى إسكات أي صوت ينتقد النظام الحاكم، موضحة أن مكتب النائب العام متورط في خرق الحقوق الإنسانية بشكل خطير مثل الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي لمدد متتالية، إلى جانب التعذيب والمعاملة السيئة، وبالتالي أصبح وسيلة لممارسة القمع بشكل واسع، لتغييب كل الأصوات الناقدة باسم “الحرب على الإرهاب”.

نظام موازٍ

وحثّت “العفو الدولية” المجتمع الدولي على مطالبة نظام العسكر بـ”الإفراج الفوري عن الآلاف من المحتجين السلميين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان”، والذين جرى اعتقال أغلبهم بشكل عشوائي، على خلفية التظاهرات المطالبة برحيل عبد الفتاح السيسي من الحكم يومي 20 و27 سبتمبر الماضي.

ودعت إلى “فتح تحقيق في الاستخدام المتفشي للتعذيب، وغيره من أصناف المعاملة السيئة على أيدي قوات أمن الانقلاب، فضلاً عن ظروف الاحتجاز المزرية”، وكذلك إنهاء استخدامها القمعي لحظر السفر التعسفي، والمضايقة القضائية لمعاقبة نشطاء حقوق الإنسان.

وحذرت العفو الدولية من أن حكومة عبد الفتاح السيسي أقامت “نظاما موازيا للعدالة” لقمع المنتقدين وإسكات المعارضة، عبر أربعة أجهزة أمنية وقضائية تتولى احتجاز آلاف الأشخاص لسنوات بناء على تهم مبهمة تتعلق بالإرهاب.

وقالت المنظمة الحقوقية- ومقرها لندن- إن الأدوات الرئيسية للقمع هي نيابة أمن الدولة العليا، وجهاز الأمن القومي، وقوات الشرطة الخاصة، ومحاكم مكافحة الإرهاب، مشيرة إلى أن هذه الأجهزة ظهرت كنظام قضائي مواز لتوقيف المعارضين السلميين واستجوابهم ومحاكمتهم.

وأشارت إلى أن نيابة أمن الدولة العليا تستمر في إساءة استخدام قانون مكافحة الإرهاب بشكل روتيني، لملاحقة منتقدي حكومة العسكر السلميين، وتعطيل ضمانات المحاكمة العادلة، موضحة أن النيابة- وهي الجهة المنوط بها التعامل مع الأنشطة التي يعتبرها النظام تهديدا لأمن الدولة- تقوم بالتحقيق بصورة متكررة مع المعارضين السياسيين والإسلاميين، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.

وأكدت أن العديد من المعتقلين يُجبرون على البقاء في السجن فترات طويلة تحت مسمى “الحبس الاحتياطي”، دون أي أمل في إرجاء قانوني أو فتح القضية أمام المحكمة، وأنه تم توقيف الكثيرين لشهور وسنوات من دون دليل، استنادا إلى تحقيقات الشرطة السرية ودون اللجوء إلى علاج فعال .

قمع المعارضين

وكشفت صحيفة ليبراسيون الفرنسية عن خضوع العدالة فى مصر لتعليمات نظام السيسي، الذي يفرض قمعًا ندّدت به منظمة العفو الدولية.

وقالت الصحيفة، في تقرير لها، إن منظمة العفو الدولية ندّدت بنظام يسمح بشكل منهجي بالاعتقالات التعسفية، ويسهل حالات الاختفاء القسري وأعمال التعذيب، وغيرها من أنواع سوء المعاملة .

وأشارت إلى أن عبارة “موجة غير مسبوقة” تردّدت بصورة منتظمة في تقارير المدافعين عن حقوق الإنسان لوصف القمع الوحشي وغياب العدالة، الذي لم ينفك عن التفاقم في عهد العسكر، والذي يستهدف المجتمع المدني. مؤكدة أن النظام الأمني المشدد لعبد الفتاح السيسي يجنّد جميع خدماته ومؤسساته لإسكات كل الأصوات المنتقدة له بواسطة اعتقالات وأعمال ترهيب وتتبعات قانونية وأحكام مسيسة.

وذكرت الصحيفة أن النظام القضائي المعتمد في السنوات الأخيرة أصبح أحد الأدوات الرئيسية لقمع المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويسمح بشكل منهجي بالاعتقالات التعسفية، ويسهل حالات الاختفاء القسري وأعمال التعذيب وغيرها من أنواع سوء المعاملة، كما يحمي مرتكبي انتهاكات الحقوق من المساءلة .

من جانبه قال الناشط السياسي “محمد صلاح”: إن مصر لم تعرف العدالة فى عهد العسكر، موضحًا أن العدالة تطبق حينما تنجح عملية التغيير وتنتقل السلطة من نظام إلى نظام آخر، وهو ما لم يحدث في مصر بعد ثورة 25 يناير والانقلاب العسكري عام 2013.

وأكد أن نظام مبارك لا يزال حاكمًا حتى الآن بأفراده وسياساته، لم يتغير سوى رأس النظام، حيث استبدلته المؤسسة الحاكمة بشخص آخر أكثر جاهزية للمنصب وأكثر ولاءً للنظام”.

وأضاف صلاح، فى تصريحات صحفية، “في هذا السياق وبالقضاء المسيس تمت تبرئة رجال المخلوع مبارك بصفقات مشبوهة “من تحت الترابيزة”، ولم يكن في سياق برنامج للعدالة الانتقالية يتضمن رد الحقوق والقصاص ودمج غير الفاسدين في الحياة السياسية الجديدة.

وأشار إلى أن “التوريث” محور رئيسي في القضاء، فإما أن القاضي يقع فى خطايا إرضاءً للسلطة الحاكمة وحفاظًا على منصبه المنقول إليه بالوراثة، أو أن خطاياه ِتَتَمَ حتى تأتى الموافقة على إدراج أبنائه في السلك القضائي، وما سوى ذلك قد يكون لأسباب أخرى مثل الرشوة وغيرها.

وأكد صلاح أن القضاء لن يزول فساده إلا بزوال الانقلاب العسكري، وتطهيره من أذرع الفساد الإداري والسياسي، عندها يمكن إصلاح  المنظومة القضائية وانتشالها من كونها عدالة انتقائية، وانتقامية أيضًا، إلى كونها عدالة حقيقية، بل وإصلاح كل فساد الجوانب الوظيفية في مصر.

مخالفة للدستور

وقال علاء عبد المنصف، مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان: إن إشارة العفو الدولية لنيابة أمن الدولة جزء مهم لتفسير البنية القانونية والتشريعية والقضائية التي تقوم عليها الانتهاكات في عهد السيسي.

وأضاف عبد المنصف، فى تصريحات صحفية، أن هذه النيابة أو المحكمة المنبثقة من محكمة أمن الدولة هي جهات استثنائية مخالفة للدستور الذي ينص على قواعد محددة لفرض مثل تلك الأجهزة، كما أنها توسعت من الناحية التشريعية في الاختصاصات التي تقع في نطاق وضمن اختصاصات نيابة أمن الدولة العليا ومحكمة أمن الدولة العليا.

وأوضح أنه من الناحية التطبيقية أصبحت هناك توسعات فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي والتعنت في النيابة والإجراءات والإحالة إلى المحاكمة دون سند قانوني سليم، وأصبحت هذه الحالة الاستثنائية هي السائدة في عهد العسكر، بالمخالفة للدستور والمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر.

وأشار عبد المنصف إلى أن السيسي زعم حين شكل هذه الأجهزة أنها لإنجاز العدالة، مؤكدا أن ما يتم ليس له علاقة بمفهوم تسريع إجراءات التقاضي، وشدد على أن الاستثناء في المحاكمات لا يجوز، وخصوصا أننا أمام أحكام بالإعدام وهذه تحتاج إلى محاكمات عادلة تلتزم بأحكام الدستور والقانون.

إهانات السيسي

ويقول الكاتب الصحفي وائل قنديل: لا أحد يهين القضاء في مصر مثل عبد الفتاح السيسي، في سياق مشروعه الوحيد لإهانة وابتذال كل شيء محترم وحقيقي في مصر.

وأشار إلى أنَّه ليس هناك تجسيد للمعنى الكامل لإهانة القضاء من القبض على وزيرٍ للعدل مثل المستشار أحمد سليمان، كل تهمته أنه يعبر عن آرائه السياسية والقانونية بشكل سلمي محترم على مواقع التواصل الاجتماعي، لينضم إلى قائمةٍ طويلةٍ من رجال القضاء المستقل النزيه داخل السجون، وفي مقدمتهم المستشار محمود الخضيري النائب السابق لرئيس محكمة النقض، والمستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، وثلاثتهم على مشارف الثمانين من العمر، وينتمون إلى تيار الاستقلال الذي خاض معارك باسلةٍ انتصارًا للعدالة والديمقراطية في زمن حسني مبارك، وأسهموا في حرث التربة، ووضع بذور ثورة يناير 2011.

وأوضح “قنديل” أن إهانة عبد الفتاح السيسي للقضاء لا تنفصل عن نزوعه نحو إهانة كل شيء في مصر، ابتداءً من العسكرية التي دهس معانيها الحقيقية بدراجته التي يلعب بها في الكلية الحربية، بينما رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق يعاني داخل زنزانته من البطش والتنكيل، مرورًا بالعلم الذي تحول في زمن الجهل المطبق إلى تهمةٍ تقود صاحبها إلى السجن، أو المنفى، أو القبر، وليس انتهاء بالدستور، الذي فصله على مقاسه، ويلهو به كما يلهو بدراجاته.