بعد حذف 20 موقعا إخباريا.. نظام العسكر يواصل مصادرة الصحف وطحن الصحفيين

- ‎فيتقارير

يواجه آلاف الصحفيين والإداريين والعمال في الصحف الحكومية خطر التشريد بسبب قرارات الحجب والإغلاق التي يتخذها نظام السيسي منذ انقلاب 3 يوليو 2013 بدون مبرر ودون هدف سوى كبت وقمع حرية الرأي ومنع المواطنين من التعبير عن آرائهم.

واستمرارا للأزمات التي يعاني منها الصحفيون، قرر الانقلاب العسكري، حذفت العديد من المواقع الإخبارية التابعة للمؤسسات الصحفية الحكومية الرئيسية، بزعم تقليل النفقات.

وفي ظل أزمات مالية طاحنة تمر بها المؤسسات الصحفية الحكومية، قررت مجالس إدارات تلك المؤسسات حذف أكثر من 20 موقعا إخباريا لإصداراتها المختلفة، بشكل مفاجئ، ودون إعلان عن الأسباب الداعية لإلغاء تلك المواقع.

يشار إلى أن نظام العسكر يواصل استهداف الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية في البلاد، بالمصادرة ومنع المقالات والحجب، وينعكس هذا النهج بوضوح عبر قرار استمرار إيقاف مقالات الكاتب الصحفي، عبد الله السناوي، في صحيفة “الشروق” على مدى الأسابيع الماضية.

وسبق منع مقالات السناوي منع مقالة للكاتب الصحفي عبد العظيم حماد، في الصحيفة نفسها، وتكرر الأمر ذلك أيضا مع الكاتب الصحفي أيمن الصياد، خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ترسانة قوانين

من ناحية أخرى، عمدت الدولة إلى سنِّ ترسانة من التشريعات تُحكِم من خلالها الرقابة على اﻹعلام بشعبه المختلفة: المرئي والمسموع والمقروء، الورقي منه واﻹلكتروني. من أمثلة تلك القوانين: قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وقانون تنظيم الصحافة واﻹعلام والمجلس اﻷعلى لتنظيم اﻹعلام وقانون الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام.

وقد صادر النظام صحيفة “الأهالي”، الناطقة باسم “حزب التجمع اليساري”؛ إذ تلقت رئيسة تحرير صحيفة “الأهالي”، أمينة النقاش، اتصالاً هاتفيا، في وقت متأخر من مساء يوم 28 مايو الماضي، من أحد أعضاء الأمانة العامة لـ”المجلس الأعلى للإعلام”، أخبرها باعتراض الرقيب على تحقيق صحفي ضمّه عدد الصحيفة التي كانت تحت الطبع حينها .

ما حدث مع “الأهالي” يتكرر يوميا مع الصحف الحكومية والخاصة كافة، سواء تلك التي استُحوذ عليها أو التي أُخضعت وأصبحت تسير في خط تحريري معين.. و”الأهالي” لم تكن الصحيفة الوحيدة التي تعرضت للمصادرة خلال السنوات القليلة الأخيرة، فقد سبقتها صحف أخرى مثل: “المصريون” و”الدستور” و”صوت الأمة” و”الصباح” و”البوابة”. بعض هذه الصحف تم وقف طباعتها أو منع الطباعة أو جُمعت بعد الطبع وقُطعت.

وكشفت مصادر صحفية عن أن الهيئة الوطنية للصحافة، برئاسة كرم جبر، أصدرت تعليمات لمجالس إدارات الصحف القومية بحذف المواقع الإلكترونية الخاصة بإصداراتها الشهرية والأسبوعية، فضلاً عن مواقع الإصدارات اليومية غير الرئيسية على غرار “الأهرام المسائي” و”الأخبار المسائي” و”المساء”.

وقالت المصادر: إن السبب المُعلن لتلك الخطوة هو “ترشيد النفقات”، في إطار خطة إعادة هيكلة المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة، مستدركة بأن السبب الحقيقي وراءها “هو ما شهدته بعض المواقع الإخبارية الحكومية من عمليات قرصنة خلال الأسابيع الأخيرة، لا سيما عقب وفاة الرئيس محمد مرسي”.

الرئيس مرسي

وتعرض موقع صحيفة “الأهرام” الحكومية للاختراق من قبل قراصنة أخيرًا، نشروا صورة كبيرة للرئيس الشهيد محمد مرسي، إثر وفاته جراء الإهمال الطبي خلال إحدى جلسات محاكمته؛ ما دفع إدارة المؤسسة الصحفية إلى غلقه بشكل مؤقت، وهو الأمر الذي سبقه اختراق وكالة “أنباء الشرق الأوسط” الرسمية في سبتمبر 2018.

ونبّهت المصادر إلى وجود حالة من الغضب لدى الصحفيين العاملين في تلك الإصدارات، نتيجة ضياع أرشيفهم الصحفي الممتد عبر سنوات طويلة، مشيرة إلى أن رؤساء مجالس إدارات الصحف الحكومية اتخذوا قرار الحذف منفردين، بعد التشاور مع رؤساء تحرير الإصدارت اليومية، دون العودة إلى مجالس الإدارات بحسب ما تقتضيه اللوائح.

وشملت قائمة الحذف المواقع الإلكترونية لإصدارات: “الأهرام العربي”، و”الأهرام الاقتصادي”، و”الأهرام الرياضي”، و”الأهرام ويكلي”، و”الشباب” و”السياسة الدولية” و”مجلة الديمقراطية”، و”آخر ساعة”، و”أخبار الرياضة”، و”أخبار الأدب”، و”أخبار الحوادث”، و”عقيدتي”، و”حريتي”، و”الرأي”، و”الكورة والملاعب”.

500 موقع

وأكدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير غير الحكومية وصول عدد من مواقع الإنترنت التي تعرّضت للحجب في مصر إلى أكثر من 500 موقع، وفق آخر إحصاء أجرته المؤسسة في أبريل الماضي.

ولفتت المؤسسة الحقوقية المستقلة إلى أن بعض هذه المواقع عاد إلى العمل بشكل طبيعي، وبعضها يُرفع عنه الحجب ثم يعود مرة أخرى، وبعضها ما يزال محجوبا.

وقالت على الرغم من أن الدستور المصري أعطى الصحافة بأنواعها المختلفة حرية مطلقة، إذ “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة”، إلا أن القانون “رقم 180 لسنة 2018″، والمسمى بـ”قانون تنظيم الصحافة واﻹعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”، وضع قيوداً مكبِّلة لحرية الصحافة في مخالفةٍ ﻷحكام الدستور.

وأشارت إلى أن القانون المذكور توسّع في منح “المجلس اﻷعلى للإعلام” صلاحيات الحجب والمنع والمصادرة للصحف والوسائل الإعلامية ، وفقاً لمعايير فضفاضة قابلة للتأويل مثل “اﻵداب العامة” و”النظام العام” و”اﻷمن القومي”. ونصت “المادة الرابعة” من “الباب اﻷول” في القانون على أنه “يُحظر على المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية والموقع الإلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان يتعارض محتواه مع أحكام الدستور، أو تدعو إلى مخالفة القانون، أو تخالف الالتزامات الواردة في ميثاق الشرف المهني، أو تخالف النظام العام والآداب العامة، أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية. وللمجلس الأعلى، للاعتبارات التي يقتضيها الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات، أو صحفًا، أو مواد إعلامية أو إعلانية، صدرت أو جرى بثها من الخارج، من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض”.

واكدت أن “القانون أطاح بالحرية الممنوحة للصحافة وفقاً للدستور، ونصَّب (المجلس اﻷعلى للإعلام) رقيبا على الصحف يتدخل بالقص والحذف والتعديل والمنع والمصادرة إذا تراءى له ذلك، إلا أنه رغم تلك السلطات الواسعة الممنوحة للمجلس فإن الجماعة الصحفية لا يزال لديها هاجس بأن اﻷجهزة اﻷمنية هي صاحبة اليد العليا فيما يتعلق برسم السياسات التحريرية للصحف ووسائل اﻹعلام”.

سلطة المصادرة

وأوضح عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد سعد عبد الحفيظ، أنه على الرغم من أن “قانون المجلس اﻷعلى للإعلام” أعطى سلطة المصادرة للمجلس، إلا أن الطريقة القديمة لا تزال هي المعمول بها.

وأضاف عبد الحفيظ أنه “يوجد شخص خفي يتبع جهة ما تابعة للجهة التنفيذية في المطابع، ويعمل على رسم السياسة التحريرية للصحف. هذا الرقيب الذي يعمل خارج إطار القانون يرسل تعليماته للمسؤولين عن تحرير الصحف عبر مجموعة شهيرة بين الجماعة الصحفية على تطبيق التراسل واتساب”.

وأشار عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، خالد البلشي، إلى أن المشكلة تكمن في معظم الأحيان في أن المسئولين عن تحرير الصحف يفضّلون حل الموضوع وديًّا وعدم تصعيد الأمور.

وقال البلشي: “حين كنت عضوا في المجلس تم وقف طباعة صحيفة (الصباح) بسبب مقالة متعلقة بمحمد بدران. تواصلت وقتها مع وائل لطفي، رئيس التحرير، وفضل عدم تصعيد الموضوع”.

ضربة قاصمة

واتفق معهما الناشر هشام قاسم في أن “الإعلام المصري يتلقى ضربة قاصمة ويتعرض لتخريب غير مسبوق في تاريخ مصر، يأتي هذا في وقت يشهد الإعلام في العالم كله مرحلة تحول كبيرة، فما كان يجب أن يشغل الجماعة الصحافية في هذا الوقت هو كيفية التحول إلى إعلام رقمي مدفوع وإمكانات تطور المهنة، لا الحجب والمصادرة”.