بعد رسالة بن راشد.. هل تتفكك الإمارات على يد بن زايد؟

- ‎فيتقارير

حالة من الجدل العميقة ثارت مؤخرا في الإمارات، عقب الرسالة الكاشفة التي أرسلها حاكم إمارة دبي محمد بن راشد، بمناسبة العام الهجري الجديد.

الرسالة كانت واضحة وموجهة للمهاترات التي يقودها حاكم أبوظبي محمد بن زايد، الذي يسيطر على السياسة الإماراتية بوضع اليد، وتسببت في كثير من الأزمات والمشكلات للإمارات ككل، سواء في اليمن أو مصر أو ليبيا وتونس وغيرها من دول المنطقة، بما جعل الإمارات والإماراتيين في أسوأ صورة ذهنية عنهم، وفق تقارير استخباراتية إماراتية.

يشار إلى أنه ومنذ سنوات تتحدث تقارير صحفية غربية عن خلافات إماراتية داخلية خاصة بين حكام العاصمة السياسية أبوظبي وقادة الإمارة الاقتصادية دبي وغيرها من الإمارات، حتى وإن حاول الطرفان إظهار عكس ذلك في الفعاليات الوطنية والمناسبات العامة والمؤتمرات الخارجية.

وكثيراً ما تحدثت وسائل الإعلام عن هيمنة أبوظبي، وخاصة ولي عهدها محمد بن زايد، على القرار السياسي بعيداً عن الإمارات الست، وسط امتعاض شديد من حاكم دبي ورفاقه من "المغامرات غير المحسوبة" لـ"حاكم الإمارات الفعلي".

رسالة الهجرة

محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يشغل جملة من المناصب السياسية، من بينها نائب رئيس الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم دبي، شن هجومًا ضاريًا على المغردين الإماراتيين "مثيري الجدل"، والمحسوبين في الوقت ذاته على بن زايد، وفق ما تُظهر تغريداتهم.

وقال "بن راشد" في رسالة بمناسبة العام الهجري الجديد: "العبث والفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي تأكل من منجزات تعبت آلاف فرق العمل من أجل بنائها".

وأكد حاكم دبي، في رسالته التي نشرها على حسابه الرسمي بموقع التغريدات القصيرة "تويتر"، أن "سمعة دولة الإمارات ليست مشاعًا لكل من يريد زيادة عدد المتابعين".

وفي إشارة منه إلى "العبث الحالي في منصات التواصل الاجتماعي" أكد حاكم دبي أن "لدينا وزارة للخارجية معنية بإدارة ملفاتنا الخارجية، والتحدث باسمنا، والتعبير عن مواقفنا في السياسة الخارجية للدولة، وإحدى مهامها الأساسية أيضًا الحفاظ على 48 عامًا من رصيد المصداقية والسمعة الطيبة".

وشدد على أنه "لن نسمح أن يعبث مجموعة من المغردين بإرث زايد الذي بناه لنا من المصداقية وحب واحترام الشعوب"، مشيرًا إلى أن "صورة الإمارات والإماراتي لا بد أن تبقى ناصعة كما بناها وأرادها زايد".

ولم يكتفِ "بن راشد" برسالته هذه؛ بل أعلن عقب اجتماع مجلس الوزراء بقصر الرئاسة في الأول من سبتمبر الجاري،  توجيه المجلس الوطني للإعلام بـ"ضبط وسائل التواصل الاجتماعي ووضع معايير عالية لمن يدافع عن الوطن، تخاطب العقول وتكسب العقول، وتعزز من رصيد دولة الإمارات عربيًا ودوليًا".

رسائل "ثاني أرفع مسؤول في الإمارات" اعتبرها مراقبون موجهة إلى المغردين المقربين من ولي عهد أبوظبي، على غرار حمد المزروعي ورجل الأعمال خلف الحبتور، فضلاً عن المسؤول الأمني البارز ضاحي خلفان، حيث ينشط هؤلاء على الشبكات الاجتماعية لتلميع صورة "بن زايد" ومهاجمة من ينتقده من دول وأحزاب وحركات ونشطاء.

هذه الرسائل "بن راشد" لم تمر مرور الكرام لدى الطرف الآخر؛ إذ سرعان ما غرد أصحابه عبر تويتر  بلهجة ساخرة وتهكمية على مطالب حاكم دبي، ما أظهر بوضوح حجم الخلافات الداخلية بين حكام الإمارات وعدم القدرة على السيطرة عليها واحتوائها، خاصة في ظل التطورات المتلاحقة في الدول العربية، التي تعرف تدخلاً إماراتيًا واضحًا على غرار مصر وليبيا واليمن وغيرها.

وزير الخارجية الإماراتية عبد الله بن زايد، قال عبر حسابه في "تويتر": إن "التغريد من أجل الوطن يزيده ولا ينقصه"، واصفًا إياه بـ"المهمة النبيلة"، قبل أن يختتم تغريدته بـ"شكراً محمد بن راشد".

أما ضاحي خلفان، المثير للجدل دائمًا فبدا وكأنه يعارض علنًا حاكم الإمارة التي يعمل فيها نائبًا لرئيس الشرطة والأمن العام، ولم يكتفِ بذلك؛ بل نشر تغريدة تهكمية حملت هجومًا مبطنًا وأنهاها بالقول: "نحن في أمر حكومتنا".

وقال "خلفان" في التغريدة، التي حذفها لاحقًا: "لو كان هذا المطلوب.. أنا شخصيًا أعتذر لتنظيم الإخوان ولعزمي بشارة وفيصل القاسم وجمال ريان وللحمدين.. ولكل التنظيمات الإرهابية التي شنت حملات تشويه مسمومة ضد الإمارات.. أعتذر للحوثيين ولكل من أساء إلى الإمارات عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

أما "المزروعي" فقد رفض بشكل عملي توجيهات حاكم دبي، عندما شتم الرئيس اليمني في تغريدة بعد ساعات فقط، بأبذأ الألفاظ؛ ما أثار استغراب متابعين حول سبب عدم امتثال هؤلاء الموظفين لتعليمات نائب رئيس الدولة، والتمرد عليها بشكل سافر.

كما تُطرح تساؤلات حول من يقف خلف هذه الشخصيات التي تجرأت وتحدت علنًا رئيس الوزراء الإماراتي، فضلاً عمن هو صاحب المصلحة في إظهار عدم الاستجابة لـ"ثاني أرفع مسؤول إماراتي"، وسط اتهامات موجهة لـ"بن زايد".

وتسببت الحروب والتدخلات الإماراتية بالشرق الأوسط في وقوع الإمارات، وهي البلد الاتحادي، بأزمة اقتصادية واجتماعية داخل الدولة الواحدة، خاصةً أن معظم حكامها "لا يتفقون مع سياسات ولي عهد أبوظبي".

وانتهج بن زايد سياسة التدخل في شئون الدول العربية، وسعى من خلال أموال بلاده إلى فرض واقع سياسي معين، كلف تلك البلدان كثيرًا من الدماء، وتسبب في أزمات سياسية خانقة، وتدهور الوضع الاقتصادي على نحو غير مسبوق، وهو ما انعكس سلبًا على بلاده أيضًا.

وخلافًا لما عُرفت به الإمارات بالحياد والاكتفاء بالدور الإنساني منذ تأسيسها في 2 ديسمبر 1971، تخلت عن ذلك بعد تدهور الحالة الصحية لرئيس البلاد، خليفة بن زايد، في الأعوام الثمانية الأخيرة، وسلكت نهجًا مختلفًا يرتكز على التدخل في شئون الدول العربية، حتى وصل الأمر إلى تهديد وحدة البيت الخليجي، من خلال افتعال الأزمة الخليجية، وما تبعها من حصار قطر في 5 يونيو 2017.

وتقضي المادة (45) من دستور الإمارات بأن محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، هو نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء؛ أي أنه الحاكم الفعلي في حال عدم قدرة رئيس الدولة على ممارسة الحكم، لكن ولي عهد أبوظبي هو من يظهر للعالم استحواذه فعليًا على القرار السياسي الإماراتي.

وتؤكد تقارير غربية أن حكام معظم الإمارات السبع يرون أن سياسات بن زايد تدمر بلادهم، لكنهم يخشون من التحدث ومواجهة تلك الحقائق؛ خشية أن يستخدم ولي عهد أبوظبي سلطاته للإطاحة بهم.