بعد فصل 1070 مُدرسًا.. “تصفية” موظفي الدولة فتّش عن الأسباب والنتائج الكارثية للقرار

- ‎فيتقارير

لا يكف قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي عن التفنن في قتل المعارضين وتدميرهم نفسيًّا ومعنويًّا، فالجرائم والمجازر التى أودت بحياة المئات والآلاف الذين تم اعتقالهم، والتشريد الذى قضى على تفكك المجتمع، لم يشبع رغبته الإجرامية.

آخر ما جاء فى قاموس الانتقام من المصريين، ما أعلنته وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب في مصر عن فصل 1070 معلما؛ بدعوى أن لهم انتماءات سياسية لـ”جماعات محظورة”، أو سبق وصدرت ضدهم أحكام جنائية، ولا يصلحون للعمل بالتدريس.

جاء ذلك تأكيدًا لبدء الحكومة المصرية خطوة جديدة للتنكيل بجماعة “الإخوان المسلمين” وامتداداتها في المجتمع المصري، بإصدار قرارات بفصل عشرات الموظفين من الوزارات الخدمية، وكذلك في الجهات الحساسة في الدولة، ونقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية، بحجة انتمائهم أو انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة إلى جماعة “الإخوان”، واستحالة إسناد مهام عالية المستوى لهم بسبب “حظرهم أمنيًّا”.

ووفقًا لاستراتيجية التنمية المستدامة (2030) التي أعلنها المنقلب السيسي، العام الماضي، تعوّل الحكومة على اتّباع آلية التقاعد المبكر المذكورة في قانون الخدمة المدنية الجديد، مع حظر التعيينات الجديدة نهائيًّا، إلا في صورة تعاقدات مؤقتة كالتي ترغب وزارة التعليم في تطبيقها، أو عقود استشارية مؤقتة، أو في الجهات ذات الطابع الاستثنائي التابعة لرئاسة الجمهورية، للتخلص من 50 في المائة على الأقل من الرقم المراد تخفيضه، وهو مليونا موظف، حتى يصل الجهاز الحكومي إلى حوالي 3.9 ملايين موظف فقط بعد عامين. علماً أن العدد الحالي للموظفين هو 5.8 ملايين موظف تقريبا، منهم 5 ملايين في الجهاز الإداري الأساسي، و800 ألف يتبعون لقطاع الأعمال العام المكوّن من الشركات القابضة والتابعة التي تديرها الحكومة وتساهم فيها مع مستثمرين آخرين.

ارتفاع معدلات البطالة

تكشف الأرقام الصادرة عن مؤسسات الانقلاب والمؤسسات الدولية مدى الانحدار الحاصل لملايين المصريين منذ الانقلاب العسكري على يد الديكتاتور الدموي عبد الفتاح السيسي، وأكدت تقارير رسمية أن المواطن المصري يعيش تحت خط الفقر والبطالة والجريمة والتفكك بنسب كارثية.

وبحسب هذه الأرقام، فإن 40% من المصريين لا يستطيعون الوفاء بحاجتهم الأساسية، بينما وصل معدل البطالة إلى 13.9 بالمئة في عهد المنقلب السيسي.

فيما تؤكد تقارير أخرى أنّ نسبة البطالة أعلى من ذلك بكثير، وتحتل مصر المرتبة الخامسة في مؤشر البؤس العالمي، وهو ما ينذر بكارثة محققة.

تمزيق المجتمع

يأتي هذا فى الوقت الذى طالعتنا أذرع الانقلاب الإعلامية عن تحركات إجرامية كشف عنها موقع “الأهرام ويكلي”، التابع لمؤسسة الأهرام، عن أنه يجري حاليا صياغة مشروع قانون في برلمان “البصمجية”، يهدف إلى فصل ممن وصفهم الانقلاب بالخلايا الإخوانية النائمة فى الوزارات الحكومية والمحليات والمراكز الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.

وذكر الموقع أن وكيل لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب “أحمد حلمى الشريف”، أعلن في وقت سابق هذا الشهر عن أنه يجري حاليًا صياغة قانون لتخليص الوزارات الحكومية والمؤسسات التابعة للدولة من العناصر التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين”.

ونقل الموقع عن “الشريف” قوله: “قررت أن أتخذ خطوة صياغة هذا القانون بنفسي، وحشد أكبر قدر ممكن من الدعم له من قبل أعضاء البرلمان، بعد أن أفادت التقارير الأخيرة بأن الوزارات الحكومية ومؤسسات الدولة لا يزال فيها عناصر من جماعة الإخوان والمتعاطفين معها، وهو الأمر الذي قد يسبب اضطرابات ومشاكل”. مدعيًا أن خلايا الإخوان النائمة تشكل خطرا كبيرا على الاستقرار الداخلي”. مضيفًا: “يجب أن نتخذ إجراءات وقائية ضدهم”.

وأوضح “الشريف” أن مشروعه المقترح هو تعديل لقانون الخدمة المدنية، ويهدف إلى السماح لمديريات متخصصة بإبعاد العناصر الإخوانية بسبب خطورتهم.

وذكر أن مشروع القانون يتماشى أيضا مع المادة 237 في الدستور الحالي، والتي تلزم الدولة بمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله المختلفة وتتبع مصادر تمويله؛ لأنه يمثل تهديدا للوطن والمواطنين مع ضمان احترام الحقوق والحريات.

وبين أن التعديل يهدف أيضا إلى أنه “حال إدانة المشتبه به يجب تجريد العنصر الإخواني أيضا من حقوقه السياسية”..

المعاش المبكر وسيناريوهات فصل الموظفين

وتم فصل هؤلاء المعلمين تنفيذاً لبرنامج سري وضعه الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، يهدف إلى خفض أعداد الموظفين الحكوميين إلى نحو 4 ملايين موظف في نهاية عام 2021، وذلك بإجراء تحريات أمنية غير اعتيادية على الموظفين الحاليين، فضلا عن آلاف الموظفين المحبوسين احتياطيا، الذين سافروا في إعارات أو انتدابات خارج مصر بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، بهدف إجبارهم على تقديم استقالاتهم وإخلاء عدد كبير من الدرجات المالية والوظيفية في مختلف الجهات الحكومية.

وبدأت العديد من المؤسسات التابعة للحكومة المصرية، الإعلان عن فتح باب المعاش المبكر (التقاعد) للعاملين، في خطوة اعتبرها نقابيون بمثابة “تسريح طوعي”، قبل البدء في عمليات تسريح إلزامية واسعة النطاق تحت ذرائع عدة، بهدف تقليص أعداد العاملين في القطاع العام، خصوصاً مع إحياء نظام السيسي برنامج الخصخصة، عبر طرح العشرات من الشركات في البورصة، وبيع الأراضي والأصول التابعة لها. ووفقاً لمصدر مسؤول في “الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة”، فإن هناك 4.2 ملايين موظف في 722 جهة ومصلحة حكومية مُهددون بالفصل من الخدمة، بسبب “عدم إتقانهم استخدام الكمبيوتر، ووسائل التواصل الحديثة”.

حرمان المحرومين

يأتي المخطط الفاشي استكمالا لمخطط انقلابي بتمزيق المجتمع المصري ونسيجه الواحد، فقبل أشهر خرج علينا مستشار وزير تموين الانقلاب قائلا: “لو عندي قائمة فيها إخوان ينالون دعم التموين، ما أتركهم كي أحذفهم”.

في الوقت نفسه نجد آلاف الأسر من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وعائلات المعتقلين يعانون من فقد عائلهم، وحرمان العاملين منهم بالدولة من راتبهم الحكومي، وفصلهم من وظائفهم بالقطاع الخاص، ومصادرة أموال بعضهم وأسرهم، وغلق منشآتهم واعتبارها كيانات إرهابية، وتواصل سلطات الانقلاب التضييق على فقراء المعتقلين وأسرهم بحرمانهم من المواد التموينية.

وكشفت مصادر عن أن وزارة التموين بصدد إلغاء البطاقات التموينية لمن يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين وللمعتقلين بالسجون والمهاجرين منهم خارج البلاد، ما يؤثر على الأقل على حياة أكثر من 60 ألف أسرة معتقل في سجون الانقلاب.

لم يكتف عسكر مصر بذلك، بل واصلوا إجرامهم إلى التفنن بإعداد قانون «الشقق المفروشة» بدعوى إحكام السيطرة على هذه الشقق، بعدما تأكد مسئوليتها عن 85٪ من العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، وتحول البعض منها لأماكن لتخزين وتصنيع المتفجرات لأعضاء جماعة الإخوان، بحسب زعمهم.

تنكيل مع سبق الإصرار

يذكر أن جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية قد أرسل إلى النيابتين العامة والعسكرية قوائم كاملة بجميع الموظفين الحكوميين المحبوسين احتياطيا والمدانين في قضايا عنف أو تظاهر أو الانضمام لجماعة “الإخوان المسلمين” وأي جماعات أخرى، وتم توزيعها بصورة مقسمة جغرافيا على فروع النيابة الإدارية في المحافظات المختلفة، لتفتح الأخيرة (وهي الهيئة القضائية المنوطة دستوريا بالتحقيق مع الموظفين) تحقيقات صورية في مدى انتظام عمل هؤلاء الموظفين المحبوسين، ومدى حاجة أعمالهم إليهم. وفي مرحلة لاحقة، أجريت تحريات أمنية تمتد إلى درجة القرابة الرابعة لاستبعاد الموظفين الأقارب للمتهمين أو المحكومين في قضايا “الإخوان”.

وواصل الانقلاب الحرب الشرسة على نسيج مصر، بعد أن أقر مجلس النواب فى 16 إبريل من العام 2018، مشروع القانون المقدم من الحكومة بتنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف فى أموال جماعة الإخوان.

وخلال الأعوام الماضية من عمر الانقلاب، تم التحفظ على مئات الشركات والمؤسسات والمنشآت التى لها صلة من قريب أو بعيد بأعضاء جماعة الإخوان .

يُذكر أن لجنة نهب أموال الإخوان قد قررت مؤخرًا التحفظ ومصادرة أموال 1589 عنصرًا من المنتمين والداعمين لتنظيم الإخوان، و1133 جمعية أهلية، و104 مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية.