تصاعد التصفية الجسدية بدعاوى “العمليات الاستباقية”.. جرائم ضد الإنسانية والقوانين

- ‎فيتقارير

بلا صور ولا أسماء وكعادة داخلية الانقلاب، في القتل خارج القانون وبعد ساعات من حادث انفجار جسم غريب في حافلة سياحية بالقرب من المحف المصري الكبير بميدان الرماية بالجيزة، أعلنت السلطات الانقلابية تصفية 12 شابا، اليوم، بدعوى استعدادهم لعملية استباقية!!

وكأنها كشفت عن نواياهم وحاكمتهم بلا قانون سوى قانون السيسي للقل خارج إطار القانون بزعم “ورود معلومات إلى قطاع الأمن الوطني بالوزارة تفيد بصدور تكليفات من قيادات الجناح المسلح لتنظيم الجماعة في الخارج، إلى عناصر حركة “حسم” المسلحة التابعة لها، بهدف تنفيذ سلسلة من العمليات العدائية خلال الفترة المقبلة، وإحداث حالة من الفوضى في البلاد”.

بهذه الكلمات المكررة، جاء الإعلان عن عملية التصفية الجسدية عقب ساعات قليلة من انفجار عبوة ناسفة أمام المتحف المصري الكبير بالقرب من منطقة الأهرامات بمحافظة الجيزة، أمس الأحد، أثناء مرور حافلة يستقلها 25 سائحا من دولة جنوب إفريقيا في اتجاه ميدان الرماية؛ ما أسفر عن إصابة 19 شخصا بخدوش وإصابات سطحية نتيجة تهشم زجاج الحافلة، وسيارتين “ملاكي” صادف مرورهما بالمنطقة.

وزعم بيان صادر عن وزارة الداخلية، اليوم الإثنين، أن الضحايا قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع قوات الشرطة، إثر مداهمة الأخيرة أحد أوكار جماعة الإخوان في مدينة السادس من أكتوبر، وذلك بعد أن “رصدت عمليات المتابعة في الوزارة اتخاذ مجموعة من عناصر حركة حسم “الإرهابية” إحدى الشقق السكنية بمحافظة الجيزة، وكرا لتصنيع العبوات المتفجرة المستخدمة في تنفيذ الأعمال المسلحة”.

وأفاد البيان بمقتل 7 من العناصر في عملية الاقتحام، والعثور بحوزتها على 4 قطع سلاح آلي عيار “7.62 * 1.39″، وبندقية خرطوش، وكمية من مادة “R. Salt” والنترات والدوائر الكهربائية، والأدوات المستخدمة في عمليات التصنيع.

وتابع البيان أن معلومات “الأمن الوطني” قادت إلى مجموعة أخرى من عناصر جماعة الإخوان بإحدى الشقق السكنية في مدينة الشروق بمحافظة القاهرة، بحجة استعدادها لتنفيذ عمليات عدائية، لافتا إلى مقتل 5 مسلحين خلال مداهمة قوات الشرطة للوكر “بعد تبادل لإطلاق النار”، والعثور بحوزة الضحايا على 5 بنادق آلية عيار “7.62 * 3.39″، وخزينة بندقية آلية، وعبوتين معدتين للتفجير، وعبوتين متفجرتين.

سيناريو التصفية الجسدية بات متكررا بعد كل اعتداء إرهابي، في إطار توصيف الشرطة عمليات التصفية الجسدية للمعارضين بأنها “تتم في إطار تبادل إطلاق النار”.

يشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين اعلنت أمس إدانتها حادث استهداف السياح عند المتحف المصري الكبير..

المختفون قسريا الضحية الأسهل

وتكررت في الاونة الاخيرة جرائم تصفية المختفين قسريا، وكان أقارب المعتقل إبراهيم أبو سليمان قد أعلنوا العثور على جثمانه في مشرحة “زينهم” في القاهرة ضمن قائمة الضحايا الذين صفّتهم قوات الشرطة في أعقاب حادث مقتل السائحين الفيتناميين، في ديسمبر الماضي بالرغم من حصوله على قرار بإخلاء السبيل على ذمة القضية رقم 831، وعدم الإفراج عنه، هو والمعتقل السياسي أحمد يسري، الحاصل على قرار بإخلاء السبيل، ووجدت جثته كذلك ضمن جثامين المشرحة.

وتوقف المركز الإعلامي لوزارة الداخلية المصرية عن إرفاق صور الضحايا مع بيانات التصفية الجسدية، كما اعتادت الوزارة طيلة السنوات الخمس الأخيرة، بعد أن كشف خبراء في الطب الشرعي أن أغلبية الصور المتعلقة بوقائع التصفية “تظهر بوضوح قتل الضحايا من مسافات قريبة”، وهو ما يؤكد زيف الرواية الأمنية بشأن حدوث تبادل لإطلاق النار، وأنها عمليات “قتل جماعي”.

وسبق أن اتهمت منظمات حقوقية مصرية وزارة الداخلية، بالتورط في وقائع قتل المئات من المعارضين، والمختفين قسريا ممن تحتجزهم داخل مقارها بشكل غير قانوني، تحت ذريعة تصفيتهم في عمليات “تبادل إطلاق النيران”، علماً بأنه لم يصب أي فرد من الشرطة خلال عشرات المداهمات “المزعومة”.

الصمت الحكومي

فيما التزمت الحكومة الانقلابية الصمت إزاء تقرير نشرته وكالة “رويترز”، في 5 أبريل الماضي، يكشف تورط قوات الأمن في قتل المئات من المشتبه بهم منذ منتصف عام 2015، في اشتباكات مشكوك في صحتها ، مستندة إلى شهادات العديد من الأطباء الشرعيين الذين حللوا صور الجثامين، وآثار الأعيرة النارية.

واستقبلت مشرحة “زينهم” بوسط القاهرة، قبل أيام، جثامين 45 مصريا قتلوا أخيرا برصاص قوات الأمن في مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة، ومحافظة شمال سيناء، وهو ما دفع رابطة أسر المختفين قسريا إلى مطالبة أعضائها بالتأكد من وجود أسماء ذويهم المختفين في كشوف المشرحة، خصوصا أنّ إجمالي الذين جرت تصفيتهم بلغ 167 شخصا منذ يونيو 2018، من بينهم 62 مواطناً قتلوا في ديسمبر الماضي، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية.

واستفحلت هذه الظاهرة مع تولي وزير الداخلية السابق، مجدي عبد الغفار، منصبه في مارس 2015..
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تداول حقوقيون وسياسيون مصريون نداءً، جاء فيه: “السادة أهالي المختفين قسرياً… رجاءً كل من لديه شخص مختف، ولم يستدل على مكانه حتى اللحظة، يتجه – كل في محافظته – إلى المستشفى الجامعي، حتى يتأكّد إن كان ذووه من ضمن جثامين الضحايا أم لا… وفي حالة عدم وجوده، يتجه إلى مشرحة زينهم حتى يتأكد هناك….!!!

وتصل عشرات الشكاوى يوميا إلى المنظمات الحقوقية، ومنها “المجلس القومي لحقوق الإنسان” ، بشأن تعرّض مواطنين للإخفاء القسري من قبل الأمن، وعدم توصّل ذويهم إلى أماكن احتجازهم رغم مرور سنوات على الإخفاء في بعض الحالات. وهي الظاهرة التي استفحلت مع تولي وزير الداخلية السابق، مجدي عبد الغفار منصبه في مارس 2015، ومن بعده الوزير الحالي محمود توفيق، وكلاهما كان مسؤولاً عن قطاع الأمن الوطني، المتهم الرئيس في ارتكاب جرائم الإخفاء القسري.

السيسي المسئول الأول

وتقول مصادر أمنية إنّ التصفية الجسدية تحظى برضا عبد الفتاح السيسي، الذي يطلب بشكل مباشر من الوزير سرعة “القصاص” عقب وقوع أي حادث إرهابي، وهو ما يفسّر إعلان وزارة الداخلية تصفية أعداد كبيرة من المواطنين عقب ساعات قليلة من حدوث أي عمل إرهابي أو اعتداء على الكنائس.

ووثّقت “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” نحو 157 حالة تصفية جسدية لمواطنين خارج إطار القانون، خلال الفترة من يوليو 2013 وحتى يوليو 2017. ويجمع بين تلك الحالات اختلاق روايات وهمية حول مقتلهم تحت دعوى تورطهم في مواجهات مع قوات الأمن.

من جهته، كشف فريق منظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية الدولية، نحو 1989 حالة إخفاء قسري في مصر، في الفترة الزمنية بين أغسطس 2017 وأغسطس 2018، فيما وثّق “مركز الشهاب لحقوق الإنسان” نحو 5500 حالة إخفاء قسري في مصر، خلال الفترة من يوليو 2013 وحتى أغسطس2017، منها 44 مختفيا قسريا تم قتلهم خارج نطاق القانون.

ولا يستثني الاختفاء القسري في مصر أحداً. فقد تعرّضت 259 سيدة لهذه الجريمة في 2018، حسبما أعلنت حملة “نساء ضد الانقلاب”، وتعدّ البيانات الإعلامية التي تصدرها وزارتا الدفاع والداخلية، سواء المكتوبة أو المصورة، مصدرا مهما لعائلات ضحايا الإخفاء القسري لمعرفة مصير ذويهم، إذ يظهر فيها بعض المختفين في مقاطع تبثها تلك البيانات الأمنية، على غرار ما كشفه أخيرا عضو”المجلس القومي لحقوق الإنسان” السابق، أسامة رشدي، بشأن بيان وزارة الداخلية عن تصفية 8 معارضين شباب، والصادر في 20 ديسمبر الماضي.

ونشر رشدي عبر حسابه على موقع “تويتر” أنّ منظمة “نجدة لحقوق الإنسان” وثّقت اختفاء اثنين من أربعة أشخاص قالت الداخلية إنها اعتقلتهما أثناء المداهمات، الأول يدعى محمد جمال محمد علي، موظف بوزارة الصحة، ومختف قسريا من محافظة الشرقية منذ 11 أكتوبر الماضي، والثاني هو عمرو أيمن محمد علي الدين، الذي قبض عليه تعسفيا في 1 نوفمبر 2018، أثناء عودته من عمله في القاهرة إلى منزله بمدينة المحلة الكبرى.

ولعل حادثة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي اختفى في الذكرى الخامسة للثورة المصرية، وعثر عليه ميتا على قارعة الطريق، وعلى جسده آثار تعذيب، في فبراير 2016، مثال جلي على انتشار ظاهرة القتل خارج القانون، خصوصاً أنّ “منظمة العفو الدولية” خلصت إلى وجود “تطابق واضح” بين إصاباته، وإصابات مصريين ماتوا داخل أماكن الاحتجاز، برغم استمرار نفي السلطات المصرية ضلوعها في قتله.

وسارع الأمن حينها إلى تصفية خمسة مواطنين، بدعوى أنهم أعضاء في تشكيل عصابي تخصص في انتحال صفة ضباط شرطة، واختطاف الأجانب، ولهم علاقة بمقتل ريجيني. غير أنّ تضارب الروايات الحكومية، وفشل الوفد المصري، الذي كان قد سافر إلى روما، في إقناع الجانب الإيطالي بصحة الرواية، وضع الحكومة المصرية في حرج بالغ، خصوصا أنه تبيّن لاحقا أنهم عمال بسطاء، كانوا في طريقهم للاتفاق على تشطيب إحدى البنايات السكنية بحي التجمع الخامس شرق القاهرة.
وهكذا تستمر الجريمتين المتلازمتان ، اخفاء قسري وتصفية جسدية خارج إطار القانون.