“تهميش الأزهر”.. جزاء سنمار من السيسى للطيب الذى دعمه فى مشهد الانقلاب

- ‎فيتقارير

"أقام قصرًا وهدم مصرًا".. ذلك ما تنطق به مواقف الدكتور أحمد الطيب أحد الأعمدة التي سندت ظهر السفاح عبد الفتاح السيسي، وهو يتلو بيان انقلاب 3 يوليو وتعطيل الدستور، وتكمن مشكلة الطيب فى ثلاث الأول تأثره بنظام مبارك الذى عينه، الثانى الغيرة من علماء الإخوان دون داعٍ، الثالث تلقيه شيكا ضخما من الإمارات قبل الانقلاب بيومين، فهل يمكن مقارنته بالشيخ جاد الحق أو الشيخ عبد الحليم محمود او غيرهم من شيوخ الأزهر الربانيين؟

ولا يمكن فصل ملهاة مشروع قانون نزع الفتوى من الأزهر عن ذلك السياق، عندما قرر برلمان الدم تأجيل الموافقة النهائية على مشروع قانون دار الإفتاء، وهو المشروع الذي رفضه الأزهر بشدة، كما تحفّظ عليه القضاء الإداري واعتبره مخالفا لدستور الانقلاب.

وقبل سبعة أعوام، جلس الطيب إلى يسار وزير الدفاع آنذاك السفاح عبد الفتاح السيسي، يستمع مع غيره من الحاضرين إلى البيان الأول الذي ألقاه السيسي بعد الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الرئيس الشهيد محمد مرسي.

كان الطيب ضمن عدد من الشخصيات التي دفعت بها الإمارات والسعودية في ذلك اليوم، الثالث من يوليو عام 2013، لحضور الإعلان عن الغدر بالرئيس الشهيد محمد مرسي، والقضاء نهائيا على ثورة 25 يناير 2011 وبداية مرحلة سوداء شديدة القتامة من تاريخ مصر.

 

يتمنعنّ وهنّ الراغبات!  

وينهي القانون الجديد الطريقة التي اعتمدت عام 2012 في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي والتي تقضي بانتخاب المفتي من خلال اقتراع سري مباشر، يصوت فيه أعضاء هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر.

ولا يزال المصريون يستذكرون مشهد يوم الانقلاب العسكري، الذي قاده السفاح عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرًا للدفاع، على الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في تاريخ البلاد، وذلك صيف عام 2013.

وتجمع حول السفاح السيسي في تلك الليلة شخصيات مصرية مدنية وعسكرية، لكن بدا بارزًا حضور رأسي الأزهر والكنيسة، وهنا يدور الحديث حول الشيخ أحمد الطيب والبابا تواضروس الثاني.

وأجمع مراقبون في تلك الليلة على أن السفيه السيسي حظي بمباركة الأزهر والكنيسة في وأد التجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد، وهو ما أكدته الوقائع؛ حين غض شيخ الأزهر الطرف بشكل ما عن الدماء التي سالت في شوارع مصر، كان أبرزها مجزرتي فض رابعة العدوية والنهضة، منتصف أغسطس 2013، فضلًا عما تبعها من حملات شرسة لقمع المعارضين وتكميم الأفواه وفرض الرأي الواحد.

وبعد نجاح الانقلاب العسكري واكتماله بوصول السفيه السيسي إلى سدة الحكم، في يونيو 2014، أظهر الرجل العسكري وجهه الحقيقي، وفرض حقيقة أن كل القيادات في مختلف مؤسسات الدولة يجب أن تدور في فلكه بشكل تام، وإلا فإن مصيرها سيكون إما العزل أو تقليم الأظافر، وصولًا إلى الزج بها خلف قضبان السجون.

 

البيضة والحجر

وعلى مدار أعوام الانقلاب العسكري ظهر جليا ملهاة البيضة والحجر بين مؤسسة الأزهر بقيادة الطيب، صاحب المنصب المحصن قانونيا ودستوريا من العزل، وبين السفيه السيسي، والتي بدأت بما عرف بمسرحية "الطلاق الشفوي"، وليس انتهاء بأزمة "قانون الإفتاء".

ورفض الأزهر ممثلا في شيخه الطيب القانون الجديد، مشددا على أن من شأنه أن يخلق كيانا موازيا لهيئات الأزهر ويجتزئ رسالته ويقوّض من اختصاص هيئاته.

ثم صعّد الطيب من الملهاة عبر رسالة إلى رئيس برلمان الدم طالب فيها بحضور الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء، في حال إصرار المجلس على إقرار هذا المشروع رغم ما به من عوار دستوري.

وقال إن الدستور جعل الأزهر -دون غيره- المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، والمسئول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، مضيفا "ومن المسلَّم به أن الفتوى الشرعية من الشئون الإسلامية وعلوم الدين التي يرجع الأمر فيها لرقابة الأزهر الشريف ومراجعته".

في المقابل، قال رئيس اللجنة الدينية بمجلس نواب العسكر أسامة العبد إن القانون لم يتم سحبه نهائيا وإنما سيعرض مجددا على اللجنة للنظر في ملاحظات مجلس الدولة.

ويستهدف قانون "تنظيم دار الإفتاء" إنشاء كيان موازٍ للأزهر، وتهميشه، وتفريغ دوره لصالح كيان دار الإفتاء الخاضع لأمر العسكر، في إطار الصراع (المفتعل) منذ سنوات بين السفيه السيسي ومؤيده أحمد الطيب، والذي انتقل إلى مرحلة جديدة تقوم على تحجيم أجنحة الأزهر بصورة غير مباشرة، من خلال إبراز أدوار وزارة الأوقاف ودار الإفتاء التابعة لوزارة العدل.

وامتنعت غالبية الصحف والمواقع المحلية عن نشر رد مجلس الدولة بشأن مشروع القانون، استجابة لتعليمات صادرة عن أجهزة أمنية، الذي شدد فيه على عدم دستورية المشروع لمخالفته المواد أرقام 2 و7 و8 و15 من الدستور، والمادة (32 مكرر) من القانون 103 لسنة 1961 وتعديلاته، التي تؤكد أن الأزهر هو "المرجع الأساسي" الذي يجب أن تُرد إليه كل فتاوى دار الإفتاء، بوصفها مظهرًا تطبيقيًا للعلوم الدينية، والشئون الإسلامية.

ونصت المادة السابعة من الدستور على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على شئونه كافة، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية، والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة، ونشر علوم الدين، واللغة العربية في مصر والعالم. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".

فرعون مستبد

ويرى الكاتب والمفكر المصري عزت النمر، أن "خطورة هذا القانون أنه يسير وفق الخط الفاشي الذي يعتمده قائد الانقلاب، والذي يقضي بتأميم كل شيء والاستحواذ الكامل على سلطات الدولة وأجهزتها والوصول لحكم الفرد المطلق، وتحويل الجنرال لإله يملك كل شيء، واختصار الدولة وأركانها ومؤسساتها بل وشعبها في يمين السيسي كفرعون مستبد".

النمر، أضاف أنه "وعلى الرغم من أن الوضع الآني يتيح للسيسي، والعسكر وأصحاب القرار السيادي أن يديروا دفة الأمور جميعا من خلال أتباع وعَبَده بكل المؤسسات، إلا أن هذا الوضع ورغم السيطرة الكاملة فإنه لا يرضي شهوة التملك والاستعباد التي اعتاده العسكر وولغ فيها جنرال الانقلاب بأن يحكم كل شيء ويجمع الخيوط بيده بمنتهى الشوفينية والتسلط".

وأكد أن "خطورة هذا القانون كذلك؛ أنه يؤمم القرار الشرعي ودين الناس والفتوى، التي مفترض أن حدها وضابطها النص الشرعي وتعاليم الإسلام، لتصبح هي الأخرى ألعوبة بيد مجموعة فسدة من العسكر أو شلة فاسقة فاجرة من أزلامهم وزبانيتهم".

وقال الباحث والمحلل السياسي، إن "الأمر تجاوز حد الصراع السياسي وحتى المكايدة السياسية بين قائد الانقلاب وشيخ الأزهر، ليصل للاستهانة بالحدود الشرعية والاستهتار بالدين بل والتلاعب به".

وفي نهاية حديثه أكد أنه "كان يمكن للنظام استهداف الإبقاء على المفتي الحالي والتمديد له كمكافأة له على ولائه الكامل للعسكر على حساب الدين والعلم الشرعي، لكن الرسالة الأبعد هي شهوة السيطرة وتعبيد الناس للعسكر بكل جانب حتى ولو كان هذا الباب هو دين رب العالمين والقائمين عليه".

قاوم الطيب خطة السفيه السيسي وأجهزته الأمنية للسيطرة على الأزهر بمساعدة رجاله المخلصين، وعلى رأسهم وكيل الأزهر السابق الدكتور عباس شومان، والمستشار القانوني للمشيخة السابق محمد عبد السلام، لكن مقاومته لم تستمر طويلًا، إذ نجحت الأجهزة الأمنية في إقناع السفيه السيسي بعدم التجديد لشومان في منصبه، كما تم الضغط على الطيب لعدم التجديد لعبد السلام، وبذلك فقد الشيخ قطبين مهمين كان يعتمد عليهما في المشيخة.

الجيل القديم الذي كان يعتمد عليه "الطيب" كان يضم شخصيات ذات قوة ورؤية وحنكة سياسية تمكنها وتمكن الشيخ من إدارة علاقته بعصابة العسكر، عكس الجدد الذين لم يكونوا "يحلمون يومًا بالمناصب التي شغلوها"، ومنهم الشيخ صالح عباس الذي حل محل الدكتور عباس شومان، والدكتور محمد المحرصاوي الذي حل محل الدكتور عبد الحي عزب في رئاسة جامعة الأزهر.