حصار التصحر والغرق.. دلتا النيل على شفا كارثة والسبب “سد النهضة”

- ‎فيتقارير

جدَّدت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية تحذيرات صحيفة “The Financial Times” البريطانية أيضا، في تقرير لها الأسبوع الجاري، من المخاطر التي تهدد بتصحر أخصب أراضي مصر في دلتا النيل.

وقالت إن المشكلات في دلتا النيل كانت تتفاقم منذ عقود، مشيرة إلى أن زيادة مستوى البحر المتوسط زادت من ملوحة المياه الجوفية والتربة، وزاد الضغط على مصادر المياه الموجودة بالزيادة السكانية، وفي الوقت نفسه أدَّى التخلُّص الجماعي من النفايات الصناعية في قنوات الري إلى تلوُّث المجاري المائية.

تسريبات مفاوض

وكشفت الصحيفة البريطانية عن تحذيرات خبير مصري كان على صلة بمفاوضات “سد النهضة” بين مصر وإثيوبيا في عام 2015، عن ملامح كارثة ستحل بالقطاع الزراعي في مصر قريبا، وربما بدأت تظهر بالفعل اعتبارا من الآن، وذلك بسبب مشروع “سد النهضة” الإثيوبي الذي سيؤدي أيضًا إلى تراجع وفرة المياه في البلاد، بعدما انطلق بشكل متسارع بعد أن وقّع السيسي على اتفاق أولي مع كل من إثيوبيا والسودان”.

وتأتي التحذيرات من أن مصر مقبلة على أزمة مائية خانقة وكارثة بيئية وزراعية غير مسبوقة، كما أن الأراضي الأكثر خصوبة في مصر سوف تتلف وتصبح غير منتجة وتتجه إلى التصحر تدريجيًّا.

ملامح الكارثة المائية والبيئية التي تنتظر مصر، بحسب ديفيد هيرست مدير تحرير الموقع البريطاني “ميدل إيست آي”، تظهر أن تعبئة السد تمت خلال ثلاثة أعوام، كما يرغب الإثيوبيون”، ونقلا عن الخبير المطلع بشكل جيد على تفاصيل المفاوضات التي جرت بين مصر وإثيوبيا، قوله: “إن مستوى المياه في النيل داخل مصر سينخفض لدرجة أن كثيرًا من أنابيب المضخات سوف تنكشف لانحسار المياه عنها. وعندما ينخفض مستوى المياه إلى هذا الحد فإن الدلتا، وهي أكثر مناطق مصر خصوبة، وعلى إثر تراجع مستوى النيل، فإن مياه البحر ستدخل، مما يعني أن تربة الدلتا ستصبح مالحة وغير صالحة لكثير من المحاصيل الزراعية”.

وأضاف “مصر لا تحصل على كثير من الأمطار سنوياً، ولذلك فإن المياه الجوفية تأتي من النيل ذاته، وإذا ما انخفض مستوى مياه النيل فلن تعوض المياه الجوفية، بالإضافة إلى ذلك يخشى المصريون من أن مياه السد لن تستخدم فقط لتوليد الكهرباء.”

وقال الخبير: “يزعم الإثيوبيون في العلن أنهم لن يستخدموا المياه في الزراعة، وأنه بعد مرور ثلاثة أعوام، كما يزعمون، ستعود مستويات المياه في مصر إلى ما كانت عليه، ولكن هذا الكلام غير صحيح، حيث إن الإثيوبيين يمنحون الأراضي لمستثمرين أجانب، وها هم الآن يقسمونها ويوزعونها على مستثمرين محليين وأجانب. وسوف يستخدمون بشكل دائم ما بين عشرين إلى ثلاثين بالمائة من المياه التي عادة ما تذهب إلى مصر، مما سيكون له كبير الأثر على مصر، التي لا يوجد لديها مصدر آخر للمياه”.

والتقت الفايننشال تايمز محمد غانم، الباحث في مركز البحوث الزراعية التابع لحكومة السيسي، الذي أكد أن دلتا مصر ستعاني بالفعل من أزمةٍ مائية بسبب المشكلات البيئية القائمة، وأن السد الإثيوبي سيزيد الأوضاع سوءا.

تقليص ربع المياه 

وحذر بحث نشره عالم أمريكي لدى «معهد سميزرسونين» في واشنطن، وأعادت نشره مجلة “المجتمع الجيولوجي الأمريكي”، من أن سد النهضة سيسهم في تقليص كمية المياه المتدفقة إلى مصر بنسبة 25% للحد الذي يقلص إمدادات المياه النظيفة، ويضعف قدرتها على توليد الطاقة.

وتوصل البحث إلى وجود خطر آخر يهدد مصر جراء بناء السد الإثيوبي، وهو غرق الأجزاء المنخفضة من دلتا النيل تحت مياه البحر المتوسط.

وأوضح البحث أن دور السد في تقليص كمية الطمي المتدفق إلى الدلتا بجانب الضغط الزلزالي، سيؤدي إلى إغراق أجزاء الدلتا المرتفعة حاليًا عن سطح البحر بنهاية القرن الحالي.

مياه البحر

ويسهم الاحتباس الحراري من جانب آخر في رفع حرارة الأرض، وذوبان المزيد من الثلوج، والتي ينجم عنها ارتفاع المياه في البحار والمحيطات، مما يؤثر سلبا على الحدود القارية، ومنها الحدود المصرية الشمالية من السلوم أقصى شمال غرب إلى الشيخ زويد ورفح أقص شمال شرق، وتوقعات بغرق مدن استراتيجية منها الإسكندرية ودمياط وبورسعيد وبلطيم وجمصة ورشيد ورأس البر.

وكان محمد عبد العاطي، وزير الري والموارد المائية بحكومة الانقلاب، قد استعرض موقف مصر الخطير من شح المياه، حيث أظهرت نتائج الدراسات أن معظم مناطق شمال وجنوب إفريقيا ستكون مهددة بمخاطر الشح المائي والتي تزيد التغيرات المناخية من تأثيراته.

وأشار- في تصريحات سابقة- أن دلتا نهر النيل تتعرض للعديد من المخاطر نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر، والذي يؤدي إلى تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية، والتأثيرات السلبية لذلك على الزراعة في شمال الدلتا، مما قد يتسبب في آثار بيئية واجتماعية جسيمة تستلزم اتخاذ إجراءات للتكيف مع التغيرات لمناخية وتنفيذ خطة متكاملة لحماية دلتا النيل.

وأضاف عبد العاطي أن أحدث الدراسات العلمية لمنطقة الدلتا تشير إلى أنه من المتوقع أن يفقد 4 ملايين شخص من سكانها عملهم نتيجة تدهور الأراضي بالدلتا وفقدها، مما قد يؤدي إلى زيادة الهجرة غير الشرعية خارج البلاد، هذا بخلاف التأثيرات الأخرى للتغيرات المناخية والمتمثلة في حدوث حالات من الجفاف وزيادة معدلات السيول.

وفي منتدى شباب العالم، المنعقد أخيرا بمدينة شرم الشيخ، حذر عبد العاطي من أن التغيرات المناخية جراء الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة، تجعل منطقة الدلتا بمصر (والتي تعج بملايين السكان) معرضة لتلك المخاطر.

حجم الكارثة

وتشغل دلتا النيل، مساحة تزيد على 12 ألف كيلو متر مربع على ساحل البحر المتوسط، وسيؤدي نقص المياه المتجددة بــ2% إلى فقدان 200 ألف مزارع مصري لعملهم، وهم من أقل الطبقات دخلاً، مما سيؤدي حتما إلى ارتفاع معدلات البطالة.

وتعتمد مصر في 97% من أعمالها على مواردها المائية التي تأتي من خارج حدودها شاملة المياه السطحية والجوفية، مما يضاعف من أي تأثيرات للتغيرات المناخية على مواردها المائية، وأن العجز المائي للبلاد وصل إلى نحو 90% يتم تعويضه من خلال إعادة تدوير المياه، والذي يمثل 25% من الاستخدام الحالي، كذلك استيراد مياه افتراضية في صورة سلع غذائية لسد باقي العجز.