خمس فضائح في 60 دقيقة

- ‎فيمقالات

إذا أردت أن تعرف كيف تُدار الدولة المصرية الآن، فإن كواليس اللقاء الكارثي الذي أجرته شبكة CBS الأميركية مع الجنرال عبد الفتاح السيسي تكفيك لتقف على أبعاد الانهيار التام لمفهوم الدولة ومؤسساتها وإداراتها.

تفاصيل ما جرى مرعبة، إذ تؤشر بوضوح على تآكلٍ مخيفٍ في الدبلوماسية والإعلام والسياسة والمعلومات، ما سمح باصطياد عبد الفتاح السيسي بهذه السهولة، وحشره في زاويةٍ ضيقةٍ جعلته يتصبّب عرقًا، فيما راح معاونه الوحيد، وظله الذي لا يفارقه، عباس كامل، مدير المخابرات العامة، يتخبّط يمينًا ويسارًا، في محاولة لمنع الفضيحة، من دون جدوى.

ليس صحيحًا أن فكرة إجراء اللقاء ولدت فجأة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، على هامش وجود السيسي في أميركا، لمناسبة الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، بل تعود القصة إلى بداية العام 2018 وربما أواخر 2017 حيث كانت أطراف صهيونية حاضرة في الترتيب والتنسيق، الأمر الذي أوجد حماسًا لدي السيسي للموافقة على اللقاء.

مبكرًا جدًا، فهم السيسي أن الحوار فرصةٌ هائلةٌ لترويج لنفسه، شخصًا، يقوم بمهام إقليمية ترضي واشنطن وتل أبيب، وطرح نفسه أمام العالم على أنه الاختيار النموذجي لتنفيذ المطلوب من أجل إنجاز التسوية الشاملة في الشرق الأوسط، كما يريدها دونالد ترامب واللاعبون الأساسيون في الإقليم، فضلًا عن مداعبة مشاعر الأوروبيين بأنه الحارس الأمين، جنوب المتوسط، الذي يمنع عن أوروبا موجات الهجرة غير الشرعية والتطرّف والإرهاب.

وبحسب المعلومات المتاحة، من مصادر على صلةٍ بما جرى، فإنه كان مقررًا أن يجرى اللقاء مع السيسي في قصر الاتحادية، قبل أن يتوجه إلى نيويورك، سبتمبر/ أيلول الماضي، على أن تشمل الحلقة ذهاب فريق العمل إلى سيناء لتصوير أوجه التعاون العسكري والاستخباراتي بين السيسي وإسرائيل، من خلال إجراء مقابلاتٍ سريعة مع مسؤولين ميدانيين، من الطرفين، غير أن الجانب المصري تباطأ في الموافقة، لاعتباراتٍ تتعلق بأمن فريق التصوير وسلامته، مع تفضيل أن توفر القاهرة المادة المطلوبة، بدلًا من المخاطرة بالتصوير في سيناء.

ظل الأمر معلقًا، فيما بقيت اتصالاتٌ مع الاتحادية تدور لإتمام اللقاء، حتى اقترب موعد سفر السيسي إلى نيويورك، فقيل للمحطة الأميركية إنه سيتم تخصيص وقتٍ على هامش الرحلة للتسجيل هناك، وهو ما جرى بالفعل، وخصوصًا حين لم يجد السيسي وفريقه إقبالًا من وسائل الإعلام الدولية على التصوير معه.

في كل ما سبق، لم يكن هناك وجودٌ للخارجية المصرية، وهيئة الاستعلامات، في الترتيبات التي تمت بين مكتب السيسي والمحطة الأميركية والطرف الإسرائيلي، بشأن إجراء الحوار والتصوير في سيناء، وكان الحضور لهيئة الاستعلامات التي من المفترض أنها المنوط بها ترتيب اللقاءات مع الإعلام الأجنبي، حين طلبت أسئلة الحوار قبل اللقاء بنحو شهرين، وهو ما رفضه فريق البرنامج.

أما عن المهازل، أو الفضائح، التي جرت في أثناء إجراء اللقاء وبعده، فحدّث ولا حرج، حيث كان السيسي يتفصد عرقًا بين يدي المذيع داخل الاستوديو، فيما كان مدير المخابرات، عباس كامل، الذي لا يجيد الانجليزية، مع مترجمةٍ مصرية، في الكونترول.

ومع ارتباك الجنرال وتلعثمه تحت حصار الأسئلة، حاول عباس إيقاف التسجيل، من دون جدوى، فيما كانت المترجمة تحاول قدر الإمكان تحسين الردود الكارثية للسيسي على الأسئلة، من خلال الترجمة.

فيما بعد، وبالإضافة إلى ما أعلنته المحطة عن طلب السفارة المصرية عدم إذاعة الحوار، فقد حاول الجانب المصري، عن طريق عباس كامل، الحصول على نسخةٍ من المقابلة، وهو ما رفضته إدارة البرنامج بشكل قاطع، وأغلب الظن أنها كانت محاولة يائسةٌ وبائسةٌ من الجانب المصري للذهاب إلى لعبة المونتاج، لتقديم السيسي للمشاهد المصري بالصورة التي يصنعها مدير مخابراته، وليس كما ظهر في الحقيقة.

من كل ما سبق تخرج بالآتي:

أولًا: دولة كبيرة، هي الأعرق في التاريخ، لديها وزارة خارجية وهيئة استعلامات وجهاز إعلامي ضخم ومخابرات عامة ومخابرات حربية، لم تستطع الوقوف على طبيعة برنامج يحاور الرجل الأول فيها، ولم تتمكّن من إجراء دراسة جدوى، أو تقدير موقف، لأهمية ونتائج واحتمالات المكسب والخسارة، قبل إجراء هذا اللقاء.

ثانيًا: يبدو من السياق كله أن الاعتبار الأول والأساسي في خطاب السيسي الإعلامي هو رضا الكيان الصهيوني عما يقول ويفعل، فمن حيث أرادها مناسبةً لكسب مزيد من مساحات الود والقبول لدي الصهاينة، وقع في فخٍّ جعله يتعرق، ويصيب مصر كلها بالخجل.

ثالثًا: مصر الآن هي دولة الرجل الواحد، وظله، ولا أراكم الله مكروهًا في مؤسسات لديكم.

رابعًا: كان الهدف الأول من اللقاء، كما فهمه السيسي، هو الانتقال بتفاصيل تحالفه مع الكيان الصهيوني من السرية إلى العلنية، وهنا: هل بقي هناك شكٌّ في أن مشروع “30 يونيو” في 2013 لإنتاج حاكم بمواصفات عبد الفتاح السيسي هو صناعة إسرائيلية من المنبع حتى المصب؟.

خامسًا: مفهوم السيسي، وظله، للإعلام لا يتجاوز توفيق عكاشة وساندرا نشأت ومنظومة كاملة تمارس الدجل والخرافة أربعٍ وعشرين ساعة، فإذ تعرّض لاختبارٍ خارج هذه المنظومة كانت النتيجة عرقًا غزيرًا، أو سقوطًا عريقًا.
نقلا عن العربي الجديد

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها