دماء المسلمين.. كيف تحولت إلى دعاية في الانتخابات الأمريكية؟

- ‎فيتقارير

لا تفاصيل محدّدة تُذكر في سياق إعلان دونالد ترامب استئناف المفاوضات مع حركة طالبان، التي صنفتها واشنطن سابقا حركة ارهابية، إعلانٌ جاء في زيارة مفاجئة للعاصمة الأفغانية، سعى من خلالها الرئيس الأكثر صهيونية في التاريخ الأمريكي إلى تسليط الضوء على سجلّ إنجازاته في تدمير وسحق بلاد المسلمين، في خضمّ حملة انتخابية يقودها للفوز بولاية رئاسية ثانية.

وصل ترامب بصورة مفاجئة إلى العاصمة الأفغانية كابول، في رسائل عديدة حمَلتها تلك الزيارة الأولى من نوعها، أولها استئناف المفاوضات المُعلَّقة مع “طالبان”، التي تحولت من خانة الإرهاب إلى خانة المفاوضات بحسب الميكيافيلية الأمريكية.

سحب قوات

وصولاً إلى موافقة الحركة على أحد شروط حكومة أشرف غني، والمتمثِّل في وقف شامل لإطلاق النار، إلى جانب حديث ترامب المتجدِّد عن رغبته في خفض عديد قوات الاحتلال الأمريكية في أفغانستان.

ثم توقيت الزيارة، ويغلب على زيارة “عيد الشكر” لهذا العام، بعد واحدة مشابهة قام بها إلى العراق العام الماضي، جدول أعمال ترامب الانتخابي، وسط مساعٍ حثيثة من قِبَل هذا الأخير لتحقيق إنجاز على حساب دماء المسلمين، ولا يزال غائباً بفعل الضبابية والارتجال اللذين يطبعان استراتيجية الإدارة الأمريكية في هذا السياق.

ولأن بلاد المسلمين صارت كلأً مستباحًا في هذه الحقبة السوداء، أصبحت الزيارات الأمريكية للقواعد العسكرية وجيوش الاحتلال روتين يومي، بل وكأنه اعتراف من الأنظمة العميلة التي عينها الأمريكان في بلاد المسلمين، والأمر لا يختلف من ترامب لأي مسئول أمريكي آخر.

ووصل إن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، هو الآخر إلى العراق في زيارة غير معلنة، لم يلتق رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي واكتفى بإجراء اتصال هاتفي معه!

زيارة بنس كانت لتهنئة جنود الاحتلال الأمريكي بمناسبة عيد الشكر المسيحي، وتوجه مباشرة إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار بغرب البلاد لتفقد قوات الاحتلال الأمريكية المنتشرة هناك.

وتأتي الزيارة في ظل تصاعد حدة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الحكومة واجراء انتخابات مبكرة في العراق، ولا يزال 5200 عنصر من قوات الاحتلال الأمريكي متواجدين في قواعد عسكرية في العراق.

سياسة انتخابية

من جهته، قال مهدي عفيفي المحلل السياسي، وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي: إن إعلان ترامب استئناف المفاوضات مع حركة طالبان بأفغانستان، محاولة منه لإصلاح العلاقة مع القوات الأمريكية وزيادة شعبيته قبيل الانتخابات الأمريكية، وذلك بعد تهكمه على بعض القيادات العسكرية الأمريكية، مشيرًا إلى أن هذا جاء بعد اقتراح المستشارين على ترامب تحسين الصورة للقوات الأمريكية.

وأضاف عفيفي أن ترامب يتبع سياسة سحب القوات الأمريكية من مختلف العالم، وهي أحد وعوده الانتخابية حيث يحاول تذكير مناصريه أنه استطاع تحقيق كل ما وعد به، لكنه لم يستطع سحب القوات من أفغانستان.

وأثر غزو العراق على أفغانستان بطريقتين؛ الأولى: أنَّه حوَّل مسار موارد الحكومة الأمريكية من أفغانستان إلى العراق في وقتٍ كانت حركة طالبان تتكبد فيه هزيمةً مدمَّرة.

وثانيًا: قوَّض الغزو من شرعية الحرب الأمريكية في أفغانستان، إذ عُرِضَت العملية كما لو كانت إحدى خطط غزوٍ عديدة محتملة لدولٍ مسلمة، بدلاً من كونها جهدًا ضروريًا على نحوٍ استثنائي للقضاء على النظام.

سيكون من المبالغة زعم أنَّ إيلاء مزيدٍ من الاهتمام لأفغانستان في منتصف العقد الماضي كان ليؤدي لتدمير حركة طالبان كليًا، ولإنهاء الحرب، إنَّ بقاء ونجاة طالبان أمرٌ له جذورٌ أكثر تعقيدًا، واجتثاثها أصعب، من مجرَّد تحويلٍ للموارد الأمريكية كما هوَ مُقترَح.

وفي الوقت ذاته، يصعب الجزم بأنَّ الانتباه لأفغانستان لم يكن ليجعلها دولةً أكثر أمنًا على الأقل، وتحديدًا كان من شأن التعهُّد بالتزامٍ أمريكي قوي تجاه أفغانستان، وهو أمرٌ صار مستحيلاً بعد حرب العراق.

الأرجح أنَّ التغيُّر الأكبر الذي أحدثته الحرب هو في تأكيدها مجددًا على التحفُّظ التقليدي الذي يحمله العامة الأمريكيين تجاه التدخُّل العسكري في دولٍ أجنبية، وهو تحفظ كان قد خفَّ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لكنَّه عاد الآن ليصبح عاملاً مهمًا في صناعة السياسات الخارجية الأمريكية.