د.محمود عزت يستعرض علاقته بالرئيس الشهيد خلال 30 عامًا

- ‎فيبيانات وتصريحات

كتب الدكتور محمود عزت، القائم بعمل المرشد العام للإخوان المسلمين، رسالة رصد فيها بعض ما تعلمه من الرئيس الشهيد محمد مرسي، حتى يستفيد مما استفاد منه من الرئيس الشهيد وإخوانه.

وأسهب الدكتور محمود عزت في استعراض مشوار تعاونه مع الدكتور محمد مرسي، زميله في هيئة التدريس بجامعة الزقازيق، ومرافقه في دعوة الإخوان، وزميله في الإعداد للثورة والحفاظ عليها. مشيرا إلى أن الرئيس كان “قدوة في إدراكه للأهداف العامة لدعوة الإخوان المسلمين، من تحرير الأوطان وحماية المقدسات وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية ونشر دعوة الخير في العالمين حتى تنعم البشرية بالإسلام الذي هو رحمة للعالمين، فقد كان أخي الرئيس الشهيد خبيرًا بدوائر أو مراتب العمل التي تحقق هذه الأهداف”.

ويشير إلى أن علاقته بالرئيس امتدت على مدار أكثر من ثلاثين عاما، منذ عودته من الولايات المتحدة بعد حصوله على الدكتوراه، ولم تنقطع هذه الصحبة إلا حين ابتلاه ربه برئاسة الجمهورية، وساعة أن زاره مع من زاره من مُهنئين، وكانت تهنئة هي أقرب للوداع.

ولخَّص شهادته عن الرئيس في عدة نقاط هي:

1- بعض ما تعلمته من أخي الشهيد في سيرتنا الدعوية والمهنية التي صحبته فيها أكثر من ثلاثين عامًا كأعضاء هيئة تدريس في جامعة الزقازيق.

2-إشارات إلى ما تعلمته منه في الإعداد للثورة ثم المشاركة في إشعالها ثم الحفاظ عليها حتى نال الشهادة مدافعًا عنها.

3- إشارة لأدواره في وقائع الصراع مع المجلس العسكري للحفاظ على استمرار الثورة.

4- سنن حسنة في الممارسة الديمقراطية: (تفرغه الكامل للعمل الحزبي – مشاركته في وثيقة برنامج الحزب – وثيقة العلاقة بين الحزب والجماعة وما ترتب عليها من قرارات في داخل الحزب والجماعة).

5- نظرته للسلطة التنفيذية وأثر قرار حل مجلس الشعب.

6- ابتلاؤه بالترشح للرئاسة على سبيل الاحتياط حفاظًا على الثورة وقيامًا بالواجب وتطلعًا للشهادة.

7- الرئيس الشهيد في مواجهة الانقلاب.. عام في قصر الاتحادية وستة أعوام داخل السجون.

8- الرئيس الشهيد.. قدوة وطنية –  قدوة ثورية – إسلامية – عالمية.

9- السجن ثم الاستشهاد.. إرادة قوية – تضحية عزيزة – وفاء نادر – معرفة بالمبدأ.

10-  ماذا بعد أيها الإخوان؟

ويوضح أن “هذه رسالة أسجل فيها بعض ما تعلمت من أخي الرئيس الشهيد، فقد دأبت في حديثي عن أساتذتي وكذلك عن إخواني الذين سبقونا بالإيمان، أولئك الذين أحببتهم في الله وأعجبت بهم من شيوخ الدعوة أو شبابها، أعجبت بما آتاهم الله من فضله، فدعوت لهم أن يثبتهم على الحق، وأن يزيدهم من فضله، ثم اقتديت بهم، وتعاونت معهم على الخير، حتى إذا لحق أحدهم بربه وجدت أن من الواجب عليَّ نشر بعض ما تعلمت منه؛ عسى أن ينتفع غيري بما انتفعت به منهم، فأحسبهم ممن “سنوا سننًا حسنة”، لهم بها عند الله عظيم الأجر لا ينقص ذلك من أجر من اتبعهم”.

وأضاف: “هذه الرسالة موجهة إلى أهلي وأولادي وأحفادي استجابة لأمر الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم: 6).. ثم هي موجهة إلى إخواني وأخواتي من أجيال هذه الدعوة المباركة، رجالاً ونساء، شيوخا وشبابا، في داخل مصر وخارجها، ومن خلال هؤلاء جميعًا أخاطب أجيال أمتنا الإسلامية على اختلاف أقطارهم وألسنتهم وألوانهم”.

قدوة وطنية

ويبدأ القائم بأعمال مرشد الإخوان رسالته قائلا: “لقد تميز أخي الرئيس الشهيد بما سَنّهُ من سُنن حسنة في مجالات متعددة، أصبح بها قدوة وطنية مصرية وقدوة عربية إسلامية وقدوة عالمية إنسانية في آن واحد، وقد ظهر ذلك جليًّا عندما منع الطغاة صلاة الجنازة عليه في قريته، صلّى عليه الملايين صلاة الغائب في عموم قرى مصر، كما وثقت وسائل الإعلام الإلكترونية والفضائية الصلوات عليه في المسجد الأقصى وعواصم ومدن العالم العربي والإسلامي والأقليّات المسلمة في القارات الخمس، كما استنكرت جمعيات حقوق الإنسان العالمية وليس مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وحدها جريمة القتل وطالبت بالتحقيق المستقل ومحاسبة الجناة”.

أشهد أن الرجل كما عرف ما منّ الله عليه به من مواهب وقدرات (فقد كان يردد قول الشاعر: قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل)، كان قدوة في إصلاحه لنفسه مجاهدًا لها ليكون متين الخلق قوي الجسم، قادرًا على الكسب سليم العقيدة صحيح العبادة مثقف الفكر منظمًا في شئونه حريصًا على وقته نافعًا لغيره.

ذلك أن الرجل كان سليم الفطرة ودائم التذكر للآخرة، سمعته في مواطن كثيرة يردد قول الله عز وجل بينه وبين نفسه: (واتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله ثم توفّى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون) (البقرة: 281) تلك الآية التي حكى عنها ابنه (د. أحمد) أنها كانت أمامه في قصر الاتحادية، ولم يكن حاله مع أهله بأقل من حاله مع نفسه؛ فهو أصيل المعدن، بار بأمه وإخوته وأهل بيته، خصّهم بحسن رعايته، فحملوا معه رسالته، وبلغوا معه دعوته، وكذلك أحب أهل قريته، واقتطع من وقته الثمين لأجلهم، واتسع قلبه ليسمع طلابه وزملاءه، وكل من حوله، ومكّنته ملكاته العلمية والتدريسية من نجاحه في عمله الدعوي والتربوي مع العامة والبسطاء في القرية ومع الطلاب والمثقفين في الجامعة، فأصبح قدوة لطلائع جيل واعٍ مثقف، مُصلح لنفسه، نافع لغيره، مستعد للتضحية، وتدرب على الخدمة العامة وفعل الخير في الجامعات والمدن والقُرى والنجوع على حد سواء.

نضال برلماني

ويشير د. ومحمود عزت إلى أنه “كان للنضال البرلماني لأخي الشهيد أعظم الأثر في تعميم تجربته على الدوائر الانتخابية على مستوى القطر، بعد أن ترأس الكتلة البرلمانية في دورة 2000-2005 حتى أشير إليه أنه كان من أنجح البرلمانيين على المستوى العالم، فاختصه الظالمون المفسدون في انتخابات 2005 بأصناف عديدة من الضغوط عليه وعلى أسرته، ثم ممارسة التزوير ضده بما حال دون عودته إلى البرلمان، لكنه لم يغب عن ساحة المناضلين من أجل الحريات، وكان رائدًا من رواد العمل الاحتجاجي الجماهيري بريادته مظاهرات استقلال القضاء في 2005 م، والتي اعتقل خلالها، ثم يشاء الله أن يسقط شهيدًا أمام قضاة دافع عنهم بالأمس، لكنهم اشتدوا في إيذائه وتعذيبه وهم يحاكمونه عن أشرف ما يتّهم به رئيس مصري، وهو مناصرة المقاومة الفلسطينية”.

وعن دور الرئيس الشهيد في الإعداد لثورة يناير، فقد كان لتصاعد أعمال الاحتجاج فيما بين 2005 إلى 2010 بشأن القضايا المعيشية والوطنية والقومية والمطالبة بالحريات العامة والدفاع عن المقدسات، كان لذلك دور في كسر حاجز الخوف وتنمية الاستعداد للتضحية لدى جماهير عريضة من الشعب على اختلاف أيدلوجياتهم وحصول إجماع وطني على مواجهة النظام”..

في المقابل لم يدرك النظام هذه الحقيقة فأمعن في إغلاق كل منافذ الحريات وعزل كل القوى السياسية والحزبية على اختلاف انتماءاتها الوطنية والإسلامية وحرمهم من مجرد الترشح لانتخابات 2010، ومع إصرار الإخوان على فضح التزوير الفجّ وغير المسبوق في الجولة الأولى ثم مقاطعة الجولة الثانية كان هذا إعلانًا عن دخول مرحلة (الخلع والإبعاد بعد كل ما بذل من نصح وإرشاد.

شرارة الثورة

وعن دور الرئيس الشهيد في إشعال شرارة الثورة، قال د.عزت: “مع تصاعد الغضب الشعبي في يناير 2011 كان مكتب الإرشاد في حالة انعقاد مستمر، وفي يومي 22 و23 يناير طلب أخي الرئيس الشهيد بصفته المسئول عن القاهرة الكبرى، وآخرون من أعضاء المكتب، أن تعقد جلسة بشأن قواعد وضوابط المشاركة في الاحتجاجات المتوقعة في يوم عيد الشرطة في 25 يناير، وكانت الجلسة في بيته رحمه الله في التجمع الخامس، وكان القرار هو الإذن لشباب الإخوان في القاهرة والمحافظات القريبة بالحشد والمشاركة في المظاهرات الاحتجاجية يوم عيد الشرطة، مع الالتزام بآداب الإخوان في مثل هذه المظاهرات، من تجنب السبّ والإسفاف، فضلا عن الانزلاق للعنف أو التخريب، وأضيف إليها هذه المرة ضابط جديد، هو عدم رفع لافتات الإخوان أو ترديد هتافهم؛ لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية من غير الإخوان، والحد من ردود فعل النظام، وبفضل الله تعالى كان النجاح غير المسبوق، ثم كان قرار مكتب الإرشاد بتوجيه جميع الإخوان وأهليهم وكل الدوائر المحيطة بهم للحشد والمشاركة في مظاهرات يوم الجمعة 28 يناير على مستوى القاهرة وجميع المدن الكبرى وعواصم المحافظات على مستوى القطر، وعلى إثر ذلك تم اعتقال الدكتور محمد مرسي وعدد من قيادات الإخوان بالمحافظات، في محاولة يائسة لإخماد الثورة، ولما فشلت تلك المحاولة انسحبت الشرطة من الشوارع وأطلقت البلطجية والمجرمين وبقية المسجونين لمواجهة الحشود الثورية، وبهذا أُتيحت الفرصة للدكتور محمد مرسي رحمه الله ليعود إلى صفوف الثوار في 30 يناير”..

أما الإشارة إلى أدوار الرئيس الشهيد في وقائع الصراع مع المجلس العسكري وعناصر الثورة المضادة حفاظًا على استمرار الثورة وعدم انحرافها عن هدفها أو الخطأ فيه أو المساومة عليه أو الخديعة بغيره؛ فهذا أمر يحتاج إلى توثيق عشرات الشهادات من مكونات الثورة؛ ليكشف لنا عن هذه الأدوار كما يكشف لنا عن هؤلاء الجنود الذين نعرف منهم القليل، ويعرفهم ربهم؛ ليجزي الصادقين بصدقهم، وأنصح من يقومون بتوثيق وقائع الثورة أن يولوا هذا الأمر اهتمامهم وجهدهم؛ لعلهم يزودون أجيال الثورة بخبرات ضرورية لاستمرارها وتحقيق أهدافها، وأكتفي هنا بالإشارة إلى موقف من مئات المواقف وهو حماية اعتصام ” التحرير” من خيانات القناصة.

استمرار الاعتصام

ولعل من أخطر ما واجهه الاعتصام عمليات القنص التي أدت إلى ارتقاء عشرات الشهداء وإصابة المئات، منهم من فقدوا أعينهم أو بعض أعضائهم وربما كان تهديد عمليات القنص هذه لاستمرار الاعتصام أشد من تهديد ما سمي بـ”يوم الجمل”، فما كان منه إلا تأكيد الثبات في الميدان، فلا انسحاب مهما كانت التضحيات، ثم وافق المعتصمين على السعي إلى أمرين أساسيين: الأول هو السعي بسواعدهم العارية مهما كانت التضحيات إلى هؤلاء القناصة لإسقاطهم من مواقعهم، وقد تسبب ذلك في بث الرعب فى قلوب الخونة، فهرب بعضهم، ثم أكد لهم اتخاذ السواتر ما استطاعوا، ومن جهة أخرى أكد لكل المعتصمين منع أي تواصل مع مؤسسة الرئاسة والتي كانت تطلب لقاء قوى الثورة، وقد أدى هذا الرفض لأي تعامل مع مؤسسة الرئاسة لاضطرارها إلى إنهاء عمل هؤلاء القناصة ولو إلى حين، وحينما توقف عمل القناصة أعلنت الجماعة عن قبولها لقاءً علنيًّا جامعًا مع من وافق من قوى الثورة، وقد حضر الرئيس الشهيد ود. سعد الكتاتني، وأعلن الجميع استمرار الاعتصام وزيادة الحشد له، وهكذا كف الله أيدي الظالمين عن الاعتصام.

التفرغ للعمل الحزبي

كان من بواكير ثمار الثورة حرية تكوين الأحزاب، لذا سارعت كل القوى الثورية على اختلاف أيدلوجياتها لتكوين أحزاب سياسية، ولما كان الإسلام يسع كل المشاعر والمصالح الوطنية والقومية ويحث المسلمين على التعاون مع غير المسلمين على البر والتقوى وتحقيق عمارة الأرض، أصبح حزب الحرية والعدالة أحد مكونات النضال الثوري وليس مجرد وسيلة تنافس للوصول للسلطة في النظام الديمقراطي.

ويشير القائم بأعمال المرشد إلى أن “الشعب المصري تعرف على حزب الحرية والعدالة، وأحب قياداته، من خلال ما قدموا من تضحيات، وحققوا من مصالح الوطن والمواطنين، وأترك للقائمين على توثيق العمل الحزبي توثيق هذا الكفاح، لكني أشير إلى أن عملية التفرغ لإنشاء الحزب وممارسته مهامه اقتضت التفرغ الكامل لما يقرب من ثلث عدد القيادات الإدارية من مكتب الإرشاد وعلى مستوى المحافظات، كما اقتضت تفريغ كل أعضاء مجلس الشعب على مستوى القطر المصري ولحق بهم كل من كان مكلفًا بمنصب في دولاب الدولة، وهذه السنة الحسنة – هي سنة التفرغ – أتاحت للرئيس الشهيد وإخوانه استكمال البناء التنظيمي للحزب على مستوى المدن والقرى إلى حد كبير، كما مكنتهم من الاستعانة بكل الخبرات من الإخوان وغير الإخوان في إعداد برنامج الحزب، ثم صياغة لائحته وبيان موارده واستقلال قراره، وتحديد علاقته بمؤسسات المجتمع المدني، بما فيها جماعة الإخوان والتي أصدر كل من الحزب والجماعة مجتمعين وثيقة (علاقة الحزب بالجماعة)، إلا أن ضعف وعي المجتمع بجدوى العمل الحزبي وقلة خبرة بعض الكوادر الحزبية على مستوى المحافظات ضاعف العبء على المجموعة المتفرغة مركزيًا، وأعني بذلك الرئيس الشهيد، ومن معه من أعضاء المكتب والهيئة البرلمانية للحزب”..

كان لتفرغ الرئيس ومن معه للعمل البرلماني والجماهيري آثار إيجابية على كل من الحزب والجماعة والمجتمع عمومًا، فعلى مستوى الحزب في الأشهر المعدودة التي أُتيحت للعمل الحزبي قبل الانقلاب، استكمل الحزب تشكيلاته الحزبية المركزية في أغلب المحافظات، وفي كثير من المحافظات وصلت تشكيلات الحزب إلى مستوى القرى واشتدت الحاجة إلى إشراك غير الإخوان وغير المسلمين من الوطنيين في القيادة المركزية وفي فروع الحزب على حد سواء؛ ما ساعد الحزب على أداء دور تنافسي ديمقراطي، أما الجماعة فقد حل محل الإخوان المتفرغين في قيادة الإخوان شباب زادهم الله هدى فأصلحوا واستكملوا ما بدأه إخوانهم المتفرغون نحو أنفسهم وجماعتهم ومجتمعهم، فازداد قبول المجتمع لقيم الإسلام من التكامل والتراحم والشجاعة في الحق وإقامة العدل والاستعداد للتضحية؛ ما عزز منهج الثورة السلمية التي تقدم المصلحة الوطنية على المصلحة الفئوية أو الحزبية.

نسائم الحرية 

ويضيف: “ما أصبح برلمان الثورة أقوى أدوات الثورة لممارسة الديمقراطية، ولذلك كان الابتلاء الأكبر للثورة المصرية هو حل البرلمان بتواطؤ المحكمة الدستورية مع المجلس العسكري الذي آلت إليه السلطات الفعلية جميعًا.

أذهبت رياح الديكتاتورية نسائم الحرية التي عاشها الشعب المصري من خلال برلمان الثورة الذي جسد الهوية المصرية، واستوعب طيفًا واسعًا من مكونات الشعب على تفاوت درجات وعيه والتزامه بالقيم الوطنية والإسلامية، وكان على كل مكونات الثورة أن تعيد حساباتها وتعدل من مواقفها بشأن المشاركة في السلطة التنفيذية، وكان هناك شبه إجماع في كل من الإخوان وحزب الحرية والعدالة وعدد من الشخصيات الوطنية وقليل من القوى الوطنية على تأجيل التنافس على السلطة التنفيذية لحين الإعداد لهذه المهمة في ظل الظروف الحرجة المحلية والإقليمية والعالمية”.

كان الإخوان يرجون أن يتم تهيئة المناخ للعملية التنافسية الديمقراطية في فترة ربما لن تقل عن دورتين برلمانيتين لحسم الصراع مع العسكر بأقل الخسائر (تصريحات بعض أعضاء مكتب الإرشاد لرويترز وغيرها) ولذلك كان قرار الإخوان هو عدم تقديم مرشح منهم للرئاسة والجد في إقناع أحد الشخصيات الوطنية المعروفة بصلابتها في الحق للترشح والتي من المرجح ألا تعترض عليها القوى العالمية ويسمح العسكر بترشحها على أمل عدم إمكانية فوزها”.

في الطريق للرئاسة

ويستطرد: “شارك الرئيس الشهيد والمجموعة المتفرغة وآخرون من الإخوان وغير الإخوان في الاتصال ببعض الشخصيات الوطنية لإقناع أحدهم بالترشح للرئاسة، وتم بذل جهود حثيثة، لا أدخل في تفصيلاتها، ولكن أكتفي بأن الأستاذ جمعة أمين – يرحمه الله – وهو أكبر نواب المرشد العام كان على رأس هذه المحاولات التي استمرت حتى صدور التهديد بحل مجلس الشعب بالعبارة المشهورة لرئيس مجلس الوزراء بأن قرار الحل في درج المحكمة الدستورية، وللأسف حال إشفاق كل من تم الاتصال بهم من الشخصيات الوطنية من تحمل مسئولية الرئاسة دون إقدام أي منهم على الترشح، وحينئذ تم عرض كل هذه الظروف على مجلس الشورى العام بجماعة الإخوان، وهو جهة الاختصاص في اللائحة التي تقضى بأن  قرار المشاركة في الحكم هو اختصاص حصري لمجلس الشورى”.

وبالفعل تم طرح كل المعلومات والتقارير والبيانات الخاصة بهذا الشأن على مجلس الشورى العام؛ الذي كان قراره بالأغلبية (56 موافقة مقابل 52 عدم موافقة) لتقديم الإخوان مرشحًا للرئاسة. ثم كان قرار المجلس بتسمية المهندس خيرت الشاطر مرشحًا أصليًّا بأغلبية كبيرة جدًّا، واعتبر التالي له، وهو الدكتور محمد مرسي، مرشحًا احتياطيًا.

وقام الرئيس الشهيد بالفعل بتقديم أوراق ترشحه قبل إغلاق باب الترشح بساعات، أو ربما بدقائق، وعبّر عن حاله بقوله لفضيلة المرشد: “يا فضيلة المرشد.. ستكون بهدلة كبيرة”، فرد عليه “بهدلة في سبيل الله”، وأكد الرئيس هذا المعنى في رده على سؤال لأحد الإعلاميين عما إذا كان يدرك معنى ترشحه لموقع الرئاسة، فرد عليه: إن السلطة التنفيذية في مصر تمثل حالة انتحار، إلا أن للمواقف رجالاً، فكان تقدمه بالترشح هو طلبًا لإحدى الحسنيين.

في برلمان الثورة

ويوضح د.محمود عزت أنه “كان من أهم إنجازات برلمان الثورة تشكيل لجنة وضع وثيقة الدستور والتي جسدت الهوية المصرية، ثم إصدار قانون الانتخابات الرئاسية الذي يحقق الشرعية للرئيس المنتخب ديمقراطيًا، وهو يقسم على الدستور ويصونه، لذا يصبح حل برلمان الثورة هو البداية الفعلية للانقلاب على الدستور وعلى الشرعية وعلى النظام الديمقراطي بأكمله. أما تاريخ 3 يوليو فهو مجرد تاريخ الإعلان عن الانقلاب الذي قاده العسكر وشارك فيه كل قوى الدولة (العميقة)، وأولها المحكمة الدستورية التي أصدرت قرار الحل، ولم يكن هذا الانقلاب لينجح إلا بتعاون صهيوني أمريكي وأممي ورضا غربي وعربي وقبول شرقي”.

ويشير إلى أن “ما حدث في 3 يوليو كان تنفيذاً لما كان متوقعاً إذا نجحت عملية التزوير ضد الرئيس الشرعي.. حرص الرئيس الشهيد بعد إعلان فوزه من القضاة المشرفين على الدوائر الفرعية وقبل إعلان فوزه الرسمي من لجنة الانتخابات حرص على لقاء من نافسوه في الجولة الأولى، طالبًا منهم أن يحملوا أعباء المسئولية معه، ثم أصر على أداء القسم في ميدان التحرير استمساكًا بالشرعية الثورية، ثم كانت سنة من الكفاح في قصر الرئاسة عنوانها (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود – من الآية 88)، ولا أستطيع حصر الدروس التي تعلمتها من الرئيس الشهيد في هذا العام، ولكني أضع بين أيديكم عناوين لمجالات هذا الكفاح”.

مرسي رئيسًا

ويتابع: “صبره على محاولات الانقلاب بذريعة الجنود المخطوفين في سيناء والاعتداء على رئيس الوزراء في الجنازة، ثم صد محاولة اقتحام قصر الاتحادية، وتخلي الحرس الجمهوري عن مهمته، ومواجهة تحريض عناصر الدولة العميقة، وافتعال الأزمات، ورفض كل ما جاء من الرئيس حتى لو وافق مصالحهم؛ لإظهار الرئيس في هيئة الفاشل العاجز.

وفي المقابل قام الرئيس بتحديد الأولويات الوطنية، ومضى في تحقيقها “لازم ننتج غذاءنا – لازم ننتج دواءنا – لازم ننتج سلاحنا”.

اعتزازه بالفرد والإسلام ودفاعه عن المقدسات “لبيك يا سوريا – نفوسنا جميعًا تتوق إلى بيت المقدس – غضبة شعب وقيادة تنهي العدوان على غزة خلال أيام.

وعلى مستوى الأمة الإسلامية.. دعوته للوحدة الإسلامية – نبذه للطائفية المهلكة والعرقية المنتنة – اتباعه للسنة وسنة الخلفاء الراشدين في رئاسته الدورية لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

على المستوى العالمي.. رد الاعتبار لمصر وللأمة في خطابه لدى الأمم المتحدة.

في مواجهة الانقلاب

ويضيف: “عبارتان قصيرتان كنت أسمعهما من أخي الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي لم أدرك بعض معانيهما إلا بعد ما رأيت ما آتاه الله من عزيمة وأفرغ عليه من صبر في محنة متجددة متأججة، كان فيها من الإيذاء ما لم أعهده فيما مضى علينا من المحن.. أمضى الرئيس في هذه المحنة ست سنوات، ارتقى بعدها شهيدًا أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله، تلك العبارتان هما: “نعم الحارس الأجل” و”لا يصعب مع عون الله شيء”، ست سنوات من الحبس الانفرادي المطلق في زنزانة لا يقترب منها إلا جلادوه أو في قفصه الزجاجي المنيع الذي لا يرى فيه إلا صورًا مشوهة لنفسه أو أشباحًا لمن حوله ولا يسمع إلا لغطًا أو ما أراد له سجانوه أن يسمعه من الزيف والتضليل والإيذاء حتى يضيق صدره ولا ينطلق لسانه، حرموه من كل حقوقه القانونية والإنسانية، فلم يلتق بمحاميه طوال هذه السنوات إلا دقائق قضاها في استطلاع حوائج الناس ومعاناتهم، ولم يقر للمحكمة بقيامها بمحاكمته؛ حيث إنه الرئيس الشرعي المنتخب، ثم ما لبثوا أن اعتقلوا ابنه المحامي ولم يسمحوا له بلقاء أهله إلا مرتين أو ثلاثًا ولدقائق معدودات، ورغم كل ذلك كان قوي الحجة مدركًا للواقع لا يخشى في الله لومة لائم، يطالب بحقوق الشعب كأنه يعيش في وسط الكادحين من الناس، يشد من أزر إخوانه الثابتين الصادقين معه يتبادل معهم في اللحظات التي يختلسونها من جلاديهم عبارات البشرى (متى نصر الله؟  ألا إن نصر الله قريب) (البقرة: من الآية 214) حرموه من مصحفه سنين، لكن الله حفظ عليه ذاكرته، وجعل بستانه في صدره يتلو آيات الله آناء الليل وأطراف النهار، يتلو على جلاديه (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ ) (آل عمران – من الآية 145).

وقد وثقت عده منظمات إنسانية عالمية ما يعتبر محاولات لقتله، كما تم منع لجنة من مجلس العموم البريطاني من زيارته للتحقق من هذه المحاولات المباشرة أو بحرمانه من الطعام أو العلاج الضروري للحفاظ على حياة أمثاله من المرضى، ثم كان استشهاده على يد قضاته عندما أهملوا إسعافه من غيبوبة مفاجئة والتي أصابته عقب ردوده القوية المفحمة على أسئلته، وبقيت عبارتاه القصيرتان: “نعم الحارس الأجل” و”لا يصعب مع عون الله شيء”.. تماثيل شمع جميلة لم ينفخ فيها الروح إلا حين رزقه الله الشهادة.

ويختتم د.محمود عزت رسالته قائلا: “بعد ما سردت بعض ما تعلمته من أخي الرئيس الشهيد أقف مع نفسي وقفة لأسألها بعد أن وفّى الرئيس بعهده وبذل ما بوسعه وثبت وصبر حتى لقي ربه وحملنا الأمانة من بعده وأقام الحجة علينا جميعًا، ماذا أعددنا لنصبر كما صبر حتى تأتينا إحدى الحسنيين؟!.

نحسب أن الرئيس الشهيد ومن سبقه ولحق به، من إخوانه وولده الحبيب الوفي البطل “عبد الله” أحياء عند ربهم يرزقون يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وهم يستبشرون بمن أحسن منا واتقى ومن استجاب منا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، ولنعلنها عملاً وقولاً “حسبنا الله ونعم الوكيل”.