رؤية فقهية في التوقيع على ما سُمّي باستمارة التوبة للخروج من المعتقل

- ‎فيمقالات

يمارس نظام الانقلاب ابتزازا على المعتقلين يساومهم للإفراج عنهم بتوقيع استمارات أعدتها أجهزة الأمن تدعو إلى الاعتراف به وتأييده ولنا هذه الملاحظات.

الملاحظة الأولى:- هذه ليست نازلة مستجدة فقد مارست كل نظم الانحراف على مدار التاريخ مع الأنبياء والمصلحين هذا الإكراه ليدخلوا معهم في زمرتهم وملتهم قال تعالي ” وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) إبراهيم, وقوله تعالي ) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46( مريم, وقال تعالي ” قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ”(88) الأعراف.

وبالنسبة لوضع الحركة الإسلامية فليس جديدا فقد مورست هذه الضغوط من قبل على المعتقلين في كل فترات الاضطهاد والمحن التي مرت بها الحركة الإسلامية مع نظم القمع والاستبداد وبالتالي فليس الأمر جديد أيضا بالنسبة للحركة الإسلامية

الملاحظة الثانية:- لا ينكر احد من العلماء أهمية الصمود والثبات على الحق في وجه الظلم وقيمة ذلك عند الله وعند الناس ولقد رفض اتباع الأنبياء قبل ذلك هذا التهديد وقالوا” قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) الأعراف, ولذلك اجمع العلماء على أن من أُكره على الكفر واختار القتل، أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة) ويقول الإمام ابن العربي – رحمه الله -: إن الكفر وإن كان بالإكراه جائزاً عند العلماء فإن من صبر على البلاء ولم يفتتن حتى قتل فإنه شهيد، ولا خلاف في ذلك، وعليه تدل آثار الشريعة التي يطول سردها.

الملاحظة الثالثة:- جميع احكام ولاية الكفار ومداراتهم والتقية منهم حملها العلماء إلى غير الكفار من الظلمة والفسقة الذين يصدر منهم اذي للمؤمنين يقول الامام الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالي “لاينخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين “ظاهر الآية يدل أن التقية إنما تحل مع الكفار الغالبين إلا أن مذهب الشافعي – رضي الله عنه – أن الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس . ولذلك فان مولاة الكافرين من دون المؤمنين ومعاونتهم وتاييدهم والرخصة التي تباح في ذلك عند لإكراه انما تشمل كل الظالمين حتي لو كانوا من المسلمين ولايعني انسحاب هذه الاحكام عليهم الحكم عليهم بالكفر فذلك شيء اخر بل التعامل على مايصدر منه من اذي بشان المؤمنين ولاشان لنا باشخاصهم او عقيدتهم وانما البحث على افعالهم والتعامل معها

الملاحظة الرابعة:- الرخصة في التقية من الظالمين ومداراتهم ظاهرا لاباطنا لا تباح لمن كانوا رموزا في الإصلاح يقتدي بهم ويؤخذ عنهم إذ أن استجابتهم للإكراه فيه فتنة لغيرهم وهدما للدين ويتأكد الصبر في حقهم ، فلو تلفظ – مثل هذا – بالكفر عملا بالرخصة – او أيد الظالم تحت الإكراه عملا بالرخصة مع احتمال أن الكثير من العوام لا يعرفون حقيقة الأمر، وهو أن ما أظهره خلاف ما يبطنه، فيؤدي هذا التصرف إلى فتنتهم، وفي هذا المعنى قال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله – عندما سئل عن العالم يتعرض للإيذاء فهل يأخذ بالتقية قال: (إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟ ومن ثم فقد صبر على التعذيب ولم يتلفظ بما يريده منه أهل الباطل.

الملاحظة الخامسة:- يبقي الموقف بالنسبة لمن هو ليس رمزا من رموز الإصلاح ولا يقتدي به هل يجوز له الأخذ بالرخصة الواردة في الحديث في قول النبي لعمار وان عادوا فعد ” ؟ قبل الإجابة على هذه السؤال ينبغي ملاحظة الآتي:-

أولا:- هذه المسائل من أبواب السياسة الشرعية التي تحكمها المصلحة الراجحة

ثانيا:- حسب ما وصلنا من معلومات ليس هناك مصلحة مؤكدة من وراء هذا التأييد فليس هناك تأكيد للإفراج عن المعتقل وليس هناك ضمانة لهذا الإفراج فالنظام مجرم ولا يحترم القانون فمن أفرج عنه لا يأمن من معاودة اعتقاله مرة أخري ومن ثم فالمصلحة التي تؤيد الرخصة مرجوحة واحتمالها ضعيف حسب قواعد المصالح والمفاسد

ثالثا:- الاستشهاد بواقعة عمار بن ياسر لا يصح وهو قياس غير صحيح عندما تلفظ عمار بكلمة الكفر وقال له النبي صلي الله عليه وسلم كيف تجد قلبك قال مطمئن بالإيمان فقال له النبي صلي الله عليه وسلم فان عادوا فعد أي ان عادوا إلي إيذائك فعد إلي قولك هذا الواقعة مختلفة عما يحدث اليوم من عرض تأييد الظالم اذ ينصب التأييد على تأييد لجرائمه ولفساده الذي يتسع يوما بعد يوم فمن يتحمل هذا وزر هذا التأييد ومشاركته في الوزر ؟ كما هذا التأييد يعطي الظالم إغراءا على الاستمرار في فساده ويبيض وجه أمام المنظمات العالمية ليستمر في جرائمه ومن ثم فالتأييد هنا يتعدي ضرره للغير وهذا لا يجيزه احد من الفقهاء فلا يبح الإكراه الإضرار بالغير وعليه أن يتحمل الأذى ويصبر حتى يحكم الله في من ظلمه وآذاه .

رابعا:- اما اذا تاكد ان تاييده هذا لن يضر غيره ولن يفتن غيره ولن يلحق اذي بغيره فلا حرج عليه ان وقع عليها اذ غلب على ظنه انه سيستفيد من هذا التوقيع

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها