رسالة الإخوان للأحرار بذكرى الثورة: تمسّكوا بروح يناير وجدّدوا نية التضحية والثبات

- ‎فيبيانات وتصريحات

“بقدر الثبات والتضحية والثقة في الله مع الأخذ بالأسباب يكون النصر على الباطل مهما كثر جنوده”، واحدة من لمحات نشرتها جماعة الإخوان المسلمين، اليوم 23 يناير 2020م، قبل ساعات من ذكرى ثورة يناير 2011، في رسالة جديدة أشبه ببيان نشره موقع “إخوان أونلاين” الرسمي للجماعة، تسجل بها جماعة الإخوان المسلمين موقفًا تاريخيا من أنها قوة دفع للثورة على الظلم والطغيان، وأنهم قلب الثورة النابض بالثبات والتضحية والبذل، لذلك كان عنوان الرسالة “25 يناير بين الصمود وتجديد الوعي”.

روح يناير

وقالت رسالة الإخوان، إن “التمسك بروح يناير ومواصلة الثبات والصبر، وتجديد نية التضحية، مهما طال الوقت، هي واجب الوقت وهي أخص علامات الوفاء للثورة وللرئيس الشهيد محمد مرسي”.

وأوضحت أنه “ليس علينا في هذا إلا الإخلاص وأداء ما في الوسع؛ إبراء للذمة ودفاعا عن الحق ونصرة للدين والدعوة، وإنقاذا للثورة”.

وحذرت من أنه مع استفراغ الجهد والطاقة قد تصل بعض النفوس إلى حافة اليأس، موضحة أن الله تعالى يطمئِننا مع وصول هذا الشعور إلى ذروته بأنها لحظة النصر وكسر الباطل وزواله ﴿حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف: 110).

مبشرات الأمل

وقالت رسالة الإخوان إن “هناك مبشرات ظهرت في السنة الأخيرة، منها تزايد من تحولوا من معسكر الانقلاب إلى صف الثورة، وظهور معارضين جدد من قلب النظام، كشفوا بعض سوءاته، كما فعل المقاول محمد علي، وهذا يُحيي الأمل ويقرب أجل سقوط هذا الانقلاب”.

واستدركت بقولها: “ذلك يحتاج من الجميع أن يتكاتفوا ويتعاونوا ويتوحدوا على هدف واحد، هو استكمال الثورة وتحرير الوطن من حكم العسكر”.

وفي سياق متقدم من الرسالة، أشارت إلى أن رسول الله كان يولد الأمل ويشجع على العمل، مع الصبر والثبات على الدين، ويحذر من النظرة التشاؤمية التي تُقعد عن العمل والدعوة، وتدفع للإحباط واليأس فيقول “إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكُهُم” (رواه مسلم).

واستشرفت الرسالة مقولة للإمام حسن البنا رحمه الله: “وأحب أن تعلم يا أخي: إننا لسنا يائسين من أنفسنا، وإنا نؤمل خيرًا كثيرًا، ونعتقد أنه لا يحول بيننا وبين النجاح إلا هذا اليأس، فإذا قوي الأمل في نفوسنا فسنصل إلى خير كثير –إن شاء الله– لهذا نحن لسنا يائسين، ولا يتطرق اليأس إلى قلوبنا والحمد لله. وكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين” (رسالة دعوتنا).

وانطلقت إلى أن واجب كل أخ مسلم أن يكون واثقا بنصر الله، وموقنا أن سنة الله في الانتقام من الطغاة والظالمين معلومة، مهمها طال الطريق، ولهذا فثقتنا في نصر الله كبيرة- بنا أو بغيرنا– فلنثبت على الطريق حتى لا يفوتنا أجر العاملين.

ثلاثة واجبات

وقالت رسالة الإخوان، إن الثورات لكي تنجح وتحقق أهدافها، تحتاج إلى موجات من المد الثوري، المرتبط دائما بوعي الجماهير، وهو ما يحتاج منا ومن كل حر في هذا الوطن أن يؤدي ما عليه، فيما يمكن أن نصطلح عليه بـ”معركة الوعي”، وهي تحتاج إلى وقت وآليات وأدوات رصينة، تتخطى حدود ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى توحيد صفوف التيار الرافض للانقلاب، والاتفاق على برنامج ثوري بمراحل وأدوات محددة، وبذل الجهد وإفراغ الوسع في تنفيذه، بالتركيز على المخاطر المحيطة بالشعب، والبدائل الممكنة لمستقبل أفضل. وواجب كل أخ في هذه الظروف أن يكون على ثغرة ويبذل كل ما في وسعه- بحسب ظروفه وإمكانياته- ويلتزم عدة أسس لا يتخلى عنها:

1- الثبات على الدين وقيمه وعلى مبادئ الدعوة، ويطلب في ذلك العون من الله.

2- التضرع إلى الله بالدعاء والاستغفار في كل وقت، واستثمار الأوقات الفاضلة، وأخصها وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، كما قال تعالى: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الذاريات: 17 و18)

3- التمسك بالمنهج النبوي الكريم في مواجهة الفتن والمحن من بث روح الأمل والدعوة إلى العمل والصبر مع اليقين بنصر الله، كما بينه صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل “خباب بن الأرت” الذي أجهده البلاء ويقول له: ﺃﻻ ﺗﺴﺘﻨﺼﺮ ﻟﻨﺎ؟ ﺃﻻ ﺗﺪﻋﻮ اﻟﻠﻪ ﻟﻨﺎ؟ قال صلى الله عليه وسلم: “ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻴﻤﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻳﺤﻔﺮ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﻓﻴﺠﺎء ﺑﺎﻟﻤﻨﺸﺎﺭ ﻓﻴﻮﺿﻊ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ ﻓﻴﺸﻖ ﺑﺎﺛﻨﺘﻴﻦ ﻭﻣﺎ ﻳﺼﺪﻩ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻳﻤﺸﻂ ﺑﺄﻣﺸﺎﻁ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻣﺎ ﺩﻭﻥ ﻟﺤﻤﻪ ﻣﻦ ﻋﻈﻢ ﺃﻭ ﻋﺼﺐ ﻭﻣﺎ ﻳﺼﺪﻩ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻴﺘﻤﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻴﺮ اﻟﺮاﻛﺐ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﺎء ﺇﻟﻰ ﺣﻀﺮﻣﻮﺕ ﻻ ﻳﺨﺎﻑ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﺃﻭ اﻟﺬﺋﺐ ﻋﻠﻰ ﻏﻨﻤﻪ ﻭﻟﻜﻨﻜﻢ ﺗﺴﺘﻌﺠﻠﻮﻥ” (رواه البخاري).

الثورة حدث مستمر

وطالبت رسالة الإخوان من المصريين أن نتعامل مع الثورة باعتبارها حدثا مستمرا، مقرونا ببذل الجهد في مسارات مختلفة تحاصر النظام وتنتهي إلى إسقاطه، مع الأخذ في الاعتبار أن نجاح الثورة ليس له توقيت محدد، فهي عمل تراكمي يصل إلى لحظة ذروة تأتي مفاجئة وعفوية فيحدث الانفجار، الذي يعقبه الانتصار ثم الاستقرار بإذن الله وعونه.

وحضت الجماعة الثوار إلى بذل كل جهد مطلوب، ومعه استحضار معية الله وأن التوفيق منه سبحانه، وأن بذل الأسباب لا بد له من نتائج يقينا، و”لكنها نتائج مقدرة عند الله سبحانه وتعالى، فلا نفرط فيما ينبغي علينا عمله، وفي الوقت نفسه لا نحلق في فضاء واسع من المقدمات والاستنتاجات النظرية التي قد تصيب الكثيرين بخيبة أمل”.

وأوضحت أنه “مع حلول ذكرى الثورة كل عام تتكرر دعوات النزول للشارع، وهذا مطلوب ومحمود، ولكن خطورة هذه الدعوات تكمن في أنه في حال عدم القدرة على النزول، نظراً للانتشار الأمني، أو لأي سبب آخر، يفقد البعض الأمل من جهة ويصاب بالإحباط، ويتخذها النظام محطة جديدة لمزيد من القهر والقمع، فيكون الأثر سلبيا بشكل عام”.

الرئيس والعسكر والإخوان

وأمام اتهام الثورة الذي يحرص عليه عسكر الانقلاب في كل مناسبة، “برميهم زورا بأنهم يتآمرون على مصر بمساعدة قوى خارجية، وأن الثورة هي سبب كل بلاء تمر به الدولة، بزعم أنها أدت إلى الفوضى والفشل والانهيار الاقتصادي والسياسي!، قالت إن الانقلاب يسعى من خلال هذه الادعاءات لإفشال أي حراك في ذكرى ثورة يناير، بالتمترس خلف الادعاءات؛ تارة بإعلان حالة الحرب بزعم رفض التدخل الأجنبي في ليبيا، وتارة بحجة الدفاع عن الأمن القومي المصري، وحث المواطنين على الوقوف مع الجيش؛ لإلهاء الشعب عن أي تفكير في الخروج إلى الشوارع والميادين.

ودعت إلى التأسي بمنهج الرئيس الشهيد محمد مرسي في التعامل مع الثورة، وكان مما قال (ثمن الحفاظ على الثورة حياتي).

وأشارت إلى أن الرئيس الشهيد ظل صامدا ثابتا حتى لقي الله في منتصف العام التاسع للثورة مثلا وقدوة على هذا الطريق، وكان كثيرًا ما يبث الأمل مرددًا قول الله تعالى ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21).

وأضافت الرسالة “صدق الله في كل ما قاله ودفع حياته ثمنا لذلك وفداء لمصر وشعبها، وترك أمانة الثورة في ذمة أبناء مصر الأوفياء وفي القلب منهم الإخوان المسلمون الذين يواصلون صمودهم في مواجهة الباطل ويقدمون تضحياتهم العظيمة من دماء الشهداء والجرحى، وعشرات الآلاف من المعتقلين والمطاردين والمهاجرين، ومعهم رموز الثورة من جميع الأطياف.

وشددت الرسالة على أن “الإخوان.. القلب النابض للثورة”، وأنهم كما كانوا في “يناير”، فإنهم سيواصلون كفاحهم ضمن معسكر الثورة مع كل وطني شريف، وغايتهم في ذلك رضا الله وإصلاح ما تهدم من بنيان الوطن على يد المنقلبين ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88).

إيمان راسخ

وتصدرت الرسالة بقوله عز وجل ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55)

وشرحت أن هذا الوعد الإلهي يحتم الاطمئنان واليقين بأن القادم أفضل، لأن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد.

وشددت على أن الصبر والاستقامة والأمل زاد وعدة من يودع تسع سنوات بعد ثورة يناير ونستقبل العام العاشر وسط عدوان من طغمة انقلابية تقيم دنياها على الأشلاء والدماء والبغي في الأرض بغير حق على صفوة تتمسك بالحق وتستعلي على اليأس وتصبر على الأذى، وتتمثل آي القرآن ناصحا وهاديا ومبشرا في مواجهة هذا الظلم.

وجدّدت فهمها من أن النصر لو كان أمرا ميسورا يتنزل على أصحاب المبادئ الصادقة؛ لكان أولى الناس بذلك الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- وأتباعهم من المؤمنين الأول، لكنه أمر موزون بمقاييس الله تعالى القائل: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ (البقرة:214).

وأكدت أنه بقدر الثبات والتضحية والثقة في الله مع الأخذ بالأسباب يكون النصر، على الباطل، مهما كثر جنوده.. ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم﴾ (آل عمران: 173- 174)، إذ بعد انتفاشة الباطل تأتي لحظة الحقيقة وتمضي سنن الله فتتغير المعادلة تغييرا جذريا ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: 5-6).

وختمت الرسالة بقوله تعالى “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.