رسالة للأمين العام للجماعة: مواقف مبدئية من صميم دعوة الإخوان

- ‎فيبيانات وتصريحات

أكد الدكتور محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين أن الجماعة تؤمن بمدنية الدولة، وترى أن الدولة الإسلامية منذ نشأتها هي دولة محكومة بأطر مدنية في النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية، وليست دولة "ثيوقراطية" يحكمها رجال الدين بأهوائهم، كما حدث في أوروبا في العصور الوسطى.

وأضاف الأمين العام في رسالة له بعنوان "مواقف مبدئية من صميم دعوة الإخوان" أن "المدنية" في مفهوم الإخوان لا تعني "اللا دينية"، ولا يقصد بها نفي الدين وإقصاؤه عن مجالات الحياة العامة، وإنما يقصد الإخوان بمدنية الدولة أنها دولة الحكم الدستوري وسيادة القانون، وتتعامل مع الإنسان على أرضها بقيم الحق والعدل والمساواة.

وأوضح الأمين العام أن من صُلب دعوة الإخوان ومرتكزاتها عدمُ السعي لتصدُّر أي مشهد أو التكالب على المغانم،  وهو ما أوضحه الإمام البنا في رسالة "دعوتنا"، بقوله: "ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – وكل المسلمين قومنا – أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلَّفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قدمًا في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه".

وأشار إلى أنه على العكس من تصدُّر المشهد كان نهج الجماعة العمل على تحقيق الاصطفاف الوطني، ولم يكن ذلك موقفًا تكتيكيًّا، وإنما هو ثابت من ثوابت الدعوة، فقد بدأت دعوة الإخوان المسلمين منفتحة على المجتمع بكل أطيافه، وبذل الإمام البنا جهودًا كبيرةً في التقريب بين المذاهب الإسلامية من جهة، ثم بين المسلمين وغيرهم من مكونات المجتمع وأطيافه من جهة أخرى.

نص الرسالة:

مواقف مبدئية من صميم دعوة الإخوان

رسالة من الأمين العام للجماعة أ.د. محمود حسين

في ظل ما تمر به مصرنا الغالية من أوقات تاريخية حرجة وتأكيدًا لمواقفنا وحرصًا على  التذكير بالحقائق لكل غيور على وطنه، نضع نقاطًا فوق الحروف؛ حيث يتم بين الحين والآخر التشكيك في مواقف جماعة الإخوان المسلمين من قضايا محورية، رغم إعلانها أكثر من مرة موقفها بشأنها بكل وضوح، وذلك ثابت في أدبياتهم وبياناتهم وتصريحاتهم الرسمية منذ نشأة الجماعة عام 1928م وحتى اليوم، لكن البعض ينسى أو يتناسى، مثيرًا اللغط حول موقف الجماعة من هذه القضايا، مثل: "مدنية الدولة" – "تصدر المشهد السياسي" – "الاصطفاف الوطني" – "الشرعية". وقد ازدادت حدَّة التشكيك في هذه المواقف، بعد انتخاب الدكتور الشهيد محمد مرسي رئيسًا لمصر، وتواصلت مع الانقلاب العسكري عام 2013م، وما زالت سارية؛ بهدف تشكيك الرأي العام في مواقف الجماعة من هذه القضايا، ومن ثم تسويغ الإجراءات القمعية بحق قياداتها والمنتسبين إليها على أيدي سلطة الانقلاب الفاشية من جانب، وتحييد أطراف المعارضة التي تقف مع الإخوان في خندق رفض الانقلاب نفسه من جانب آخر، وذلك لقطع الطريق على التئام أي مشروع وطني للمعارضة يصل بالبلاد إلى بر الأمان.

ومن هنا أرى من المهم التذكير بحقيقة موقف جماعة الإخوان من تلك القضايا، اعتمادًا على تاريخها المشهود وأدبياتها المعروفة، وبياناتها وتصريحاتها،  منذ الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا – يرحمه الله – وحتى يومنا هذا.

أولاً- مدنية الدولة:

يؤمن الإخوان المسلمون بمدنية الدولة، ويرون أن الدولة الإسلامية منذ نشأتها هي دولة محكومة بأطر مدنية في النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية، وليست دولة "ثيوقراطية" يحكمها رجال الدين بأهوائهم، كما حدث في أوروبا في العصور الوسطى (1).

وفي الوقت نفسه فإن "المدنية" في مفهوم الإخوان لا تعني "اللا دينية"، ولا يقصد بها نفي الدين وإقصاؤه عن مجالات الحياة العامة، وإنما يقصد الإخوان بمدنية الدولة أنها دولة الحكم الدستوري وسيادة القانون، وتتعامل مع الإنسان على أرضها بقيم الحق والعدل والمساواة.

وللإمام البنا نظرة إيجابية للحكم الدستوري وللدستور كوثيقة سياسية؛ إذ يقول: "إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستوري التي تتلخَّص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها وعلى الشورى، واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعوب ومحاسبتهم على ما يفعلون، وبيان حدود كل سلطة من السلطات.. هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونُظُمه وقواعده في شكل الحكم، ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستوري هو أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظامًا آخر"(2).

 وفي عام 2004م طرح الأستاذ الراحل محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق – يرحمه الله – مبادرة سياسية تضمنت أربعة عشر بندًا أساسيًّا، تعلن تبنّي الإخوان مفهوم الدولة المدنية، وتؤكد أن الشعب هو مصدر جميع السلطات، والالتزام بمبدأ تداول السلطة واحترامه عبر الاقتراع العام الحر النزيه، وتؤكد حرية الاعتقاد الخاص، وحرية إقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان السماوية المعترف بها، وحرية تشكيل الأحزاب السياسية، وضرورة تمثيل الشعب عبْر مجلس نيابي منتخب انتخابًا حرًّا، وتنص على تحديد سلطات رئيس الجمهورية، بما يجعله رمزًا لكل المصريين، كما تشدد على إبعاد الجيش عن السياسة ليتفرغ للدفاع عن أمن الدولة الخارجي، وأن تكون الشرطة وجميع أجهزة الدولة الأمنية وظائف مدنية، كما هو نص الدستور، وتحديد مهامها في الحفاظ على أمن الدولة والمجتمع ككل.

ولتأكيد هذه المعاني من الناحية العملية التطبيقية، أسَّس الإخوان المسلمون، بعد ثورة يناير 2011م، حزب "الحرية والعدالة" في السادس من يونيو عام 2011م، وهو حزب ذو مرجعية إسلامية، وتم تأكيد أنه (الحزب) يسعى إلى إقامة دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية.

ثانيًا- تصدر المشهد السياسي:

من صُلب دعوة الإخوان ومرتكزاتها عدمُ السعي لتصدُّر أي مشهد أو التكالب على المغانم،  وهو ما أوضحه الإمام البنا في رسالة "دعوتنا"، بقوله: "ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – وكل المسلمين قومنا – أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية، واحتقرت المنافع المادية، وخلَّفت وراءها الأهواء والأغراض، ومضت قدمًا في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه".

وأكد هذا المعنى المرشد العام السابق الأستاذ محمد مهدي عاكف، حين قال – في كلمة وجهها للإخوان -: "ومن يرى في السير على درب الدعوة وجاهة الساسة وأضواء النجوم فقد خسر كل الخسارة؛ إذ إن أصحاب الدعوات ليس عندهم من جزاء إلا ثواب الله إن أخلص رفيقهم، والجنة إن علم الله فيه خيرًا، وهم كذلك مغمورون جاهًا، فقراء مالاً، شأنهم التضحية بما معهم، وبذل ما في أيديهم، ورجاؤهم رضوان الله، وهو نعم المولى ونعم النصير".

وبعد وقوع الانقلاب العسكري الغادر لم تترك الجماعة أي مناسبة عامة إلا وأكدت عزمها على مواصلة النضال – كشأنها دائمًا – بين صفوف الشعب المصري العظيم، دون أن تتقدم عليه أو تتأخر عنه، وكان ظهور التحالف الوطني لدعم الشرعية بشكل علني يوم 27 يوليو 2013م – والذي ضم اثني عشر حزبًا من توجهات مختلفة – مثالا حيًّا على توجه الإخوان لمواصلة مسيرة النضال جنبًا إلى جنب مع  القوى الوطنية بتوجهاتها المختلفة، دون أن تتقدم عليها أو تتأخر عنها، وقد جمع هذا التحالف توجهٌ سياسيٌّ واحدٌ؛ هو رفض الانقلاب واحترام الشرعية الديمقراطية، وأعلن التحالف – في بيانه الأول – أن سبب تكوينه يعود إلى إيمان أعضائه "بحق الشعب المصري الأصيل في حماية مكتسباته الديمقراطية، وحراسة ثورته المباركة التي سالت لأجلها الدماء الزكية في ثورة يناير المجيدة".

وهكذا تواصلت مسيرة الإخوان على هذا النهج الوطني بين صفوف الشعب، وبعيدًا عن تصدُّر المشهد، وإنما البقاء في قلبه بين أبناء الشعب، وما زال الموقف هكذا حتى اليوم؛ ففي الأشهر القليلة الماضية جدَّدت الجماعة الموقف نفسه، وكان آخرها بيانها الصادر عبر متحدثها الإعلامي د. طلعت فهمي، أعقبه بتصريحات خاصة لوكالة "الأناضول"، يوم 31 ديسمبر 2019م، قائلاً: "إن الإخوان جزء من المجتمع المصري بكل أطيافه وفئاته لا يستثنون أحدًا ولا يتميزون على أحد، لهم ما لكل المصريين وعليهم ما عليهم من حقوق وواجبات، وستواصل مسيرة الكفاح الوطني مع كل أبناء الوطن الشرفاء دون أن تتقدم عليهم أو تتأخر عنهم".

ثالثًا- الاصطفاف الوطني:

وعلى العكس من تصدُّر المشهد كان نهج الجماعة العمل على تحقيق الاصطفاف الوطني، ولم يكن ذلك موقفًا تكتيكيًّا، وإنما هو ثابت من ثوابت الدعوة، فقد بدأت دعوة الإخوان المسلمين منفتحة على المجتمع بكل أطيافه، وبذل الإمام البنا جهودًا كبيرةً في التقريب بين المذاهب الإسلامية من جهة، ثم بين المسلمين وغيرهم من مكونات المجتمع وأطيافه من جهة أخرى.

يقول المرشد العام الأسبق للإخوان الأستاذ الراحل عمر التلمساني – يرحمه الله – في كتابه "الملهم الموهوب.. حسن البنا": "وبلغ من حرص الإمام البنا على توحيد كلمة المسلمين أنه كان يرمي إلى مؤتمر يجمع الفرق الإسلامية، لعل الله يهديهم إلى الإجماع على أمر يحول بينهم وبين تكفير بعضهم، خاصة وأن قرآننا واحد وديننا واحد ورسولنا واحد وإلهنا واحد"(3).

ويقول الدكتور عبد المتعال الجبري في كتابه "لماذا اغتيل حسن البنا؟": "لقد صدق روبير جاكسون وشمَّ بحاسته السياسية جهد الإمام في التقريب بين المذاهب الإسلامية، فما له لو أدرك عن قرب دوره الضخم في هذا المجال مما لا يتسع لذكره المقام"(4).

وقد تحالفت الجماعة مع حزب الوفد الجديد في الانتخابات البرلمانية عام 1984م، وخاضت انتخابات عام 1987م ضمن تحالف مع حزبي العمل والأحرار.

وقبل ثورة يناير أسهم الإخوان بجهد كبير في توحيد صفوف المعارضة تحقيقًا للاصطفاف الوطني،  فشاركوا في "الجمعية الوطنية للتغيير" و"حركة كفاية"، وعقدوا لقاءات عدة مع مكونات الطيف السياسي المصري، تحت عنوان "من أجل مصر"، وشاركوا الجميع في ثورة يناير.

وعند إجراء انتخابات برلمان الثورة اقترح الإخوان على الجميع خوض هذه الانتخابات بقائمة موحدة، ولما فضَّل بعض الأحزاب خوضها مستقلاًّ أتاح الإخوان قائمتهم لكل وطني ليخوض الانتخابات عليها، إن أراد ذلك، وعند فتح باب الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية سعى الإخوان إلى كل من يتوسَّمون فيه من الشخصيات الوطنية الكفاءة لتولّي هذا المنصب، لكن جميع من سعوا إليهم اعتذروا، فما كان من بدٍّ – أمام تربص الدولة العميقة للعودة لحكم مصر من هذا الباب – من تقديم مرشح منهم، وبعد أن تولى الشهيد الدكتور محمد مرسي رئاسة الدولة تواصل مع كل القوى الثورية، ودعاها للمشاركة في مسئولية إدارة البلاد، لكن معظمهم اعتذر، واختار الرئيس لرئاسة الوزراء الدكتور هشام قنديل، وهو شخصية مستقلة، وكان معظم الوزراء والمحافظين من غير الإخوان، على عكس ما كانت تُشيع الأذرع الإعلامية المضادة.

وبعد الانقلاب لم تمرّ مناسبة إلا وأكد الإخوان فيها حتمية الاصطفاف الوطني على قلب رجل واحد لإزاحة هذا الانقلاب، وشاركت من أجل ذلك في حوارات ومناقشات وإصدار بيانات تؤكد هذا المعنى، وثمّنت الجماعة "كل المبادرات الوطنية المخلصة للاصطفاف الوطني مع كل القوى التي تؤْمِن بالحرية، وترفض الاستبداد، وتحرِّم سفك الدماء، وتسعى لاستعادة إرادة الشعب".

ففي بيان لها يوم الثلاثاء 25 أبريل 2017م – وعلى سبيل المثال لا الحصر – جددت الجماعة دعوتها جماهير الشعب المصري، ورموزه الوطنية والسياسية والثورية، إلى "اصطفاف شعبي وسياسي جامع لإسقاط العصابة الحاكمة، وفضح وإفشال مخططاتها لبيع الوطن والتنازل عن أراضيه قطعة قطعة".

وفي 2 يوليو 2017م، قالت الجماعة – في بيان لها بمناسبة الذكرى الرابعة للانقلاب العسكري -: "إن الجماعة كانت وستظل في قلب الثورة المصرية، وإن الإخوان يستصغرون كل التضحيات التي تصيبهم مهما كان حجمها والتي بلغت آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المعتقلين والمطاردين والمضارين".

وأكد الإخوان دعمهم كل المبادرات المخلصة للاصطفاف الوطني مع كل القوى التي تؤمن بالحرية وترفض الاستبداد وتحرّم سفك الدماء وتسعى لاسترداد إرادة الشعب ولا تتنازل عن مكتسبات ثورة يناير في مواجهة الانقلاب الفاشي.

وفي 10 مايو 2019م، وجه نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الأستاذ إبراهيم منير، نداءً إلى كافة القوى الرافضة للانقلاب، بل ولمكونات الشعب المصري كافة للتوحد في "تلك اللحظات الفارقة، وهذه المرحلة التي استبدَّ فيها طغيان العسكر، وازدادت فيها جرائمهم لنعود من جديد في لُحمة مجتمعية واحدة تصد هذا الانقلاب".

وعقب استشهاد الرئيس محمد مرسي في 17يونيو 2019م كان البيان الصادر عن القوى الوطنية يوم الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٩م، بعنوان: "شكر وعرفان.. وعهد ووفاء من القوى الوطنية المصرية في الخارج" كان في حد ذاته يمثل حالة من حالات الاصطفاف الوطني، وعاهدت فيه هذه القوى الوطنية الشعب المصري والرئيس الشهيد "أن تظل مصر وحريتها وتحريرها من الاستبداد والتبعية والفساد أمانة في أعانقنا، نكافح في سبيلها ونبذل الغالي والثمين من أجلها، دون توقف أو تردد؛ حتى يزول هذا الانقلاب إلى غير رجعة بإذن الله".

وفي بيان الجماعة الصادر يوم السبت ٢٩ يونيو ٢٠١٩م بعنوان "نجدد عهد الكفاح وندعو الجميع لوحدة الصف" توجهت الجماعة بنداء إلى كل القوى الوطنية، جدَّدت فيه دعوتها للعمل على تحقيق وحدة الصف الوطني دعمًا للعمل المشترك من أجل الخلاص من الحكم العسكري الفاشي، انطلاقًا مما أكده الرئيس الشهيد: "لن نعطي الدنية من وطننا أو ديننا ولن ننزل على رأي الفسدة".

وامتدادًا لهذا الموقف الثابت، وفي تصريح حول المبادرة التي أطلقها المقاول محمد علي مساء الجمعة 27 ديسمبر 2019م، قالت الجماعة – في تصريح لمتحدثها الإعلامي د. طلعت فهمي -:  "تؤيد الجماعة هذه الخطوة وتهيب بكل القوى الوطنية سرعة الالتقاء معًا في صف واحد يتم من خلاله العمل على تحقيق أهداف ثورة الشعب المصري في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية".

رابعًا- مفهوم الشرعية لدى الإخوان:

عندما انتخب الشعب المصري الدكتور محمد مرسي – يرحمه الله – رئيسًا لمصر في انتخابات حرة شفافة، تحمَّل الرئيس الشهيد التبعة بناءً على أن انتخابه كان عقدًا اجتماعيًّا مع الشعب يجب الحفاظ عليه، وبناءً على هذا الفهم ثبت على ذلك حتى لقي الله شهيدًا.

وكان دفاع الإخوان عن الشرعية بعد الانقلاب ينطلق من قاعدة احترام إرادة الشعب، واحترام اختياره لمن فوَّضه في إدارة شئونه، ولم يكن استماتةً في الدفاع عن شخص الرئيس، بل دفاعًا عن فكرة الشرعية ذاتها، وهي المعاني ذاتها التي أكدها الرئيس الشهيد أكثر من مرة.

وعقب استشهاد الرئيس أكدت كل التصريحات التي خرجت من مسئولي الجماعة أن "الشرعية بعد استشهاد الرئيس محمد مرسي انتقلت للشعب، صاحب الحق الأصيل فيها، يمنحها لمن يشاء في انتخابات حرة، وأن جماعة الإخوان ليست بديلاً عن الشعب، بل هي جزء منه".

فبعد ساعات قليلة من استشهاده، أعلنت الجماعة في بيان لها أن "مرسي رحل شهيدًا، ولكن مسيرته النضالية من أجل مصر وشعبها لم تتنهِ، ولن تتوقف بإذن الله".

وكانت الجماعة أكثر وضوحًا في المؤتمر الصحفي الذي عقدته لتأبين الرئيس الشهيد، مؤكدةً أن الشرعية لم تنتهِ بوفاته، وإنما عادت للشعب المصري صاحب الحق الأصيل فيها".

وقد عبَّر عن هذا المعنى نائب المرشد العام الأستاذ إبراهيم منير، في حديثه لموقع "عربي 21"، السبت 28 ديسمبر 2019م، وتصريحاته المتتالية بعد ذلك، بتأكيده أن "الشرعية – بعد استشهاد الرئيس محمد مرسي – قد عادت إلى صاحبها الأصيل، وهو الشعب، يمنحها لمن يشاء من أبناء مصر في انتخابات حرة ونزيهة".

ومن هذا المنطلق لم يكن استشهاد الرئيس محمد مرسي وفاةً للشرعية، كما حاول البعض أن يصوّر ويروّج، بل تعني أنها عادت لصاحبها الأصلي، وهو الشعب صاحب الحق الأصيل فيها.

والله من وراء القصد