رغم مكاسبه أمام الدولار.. الجنيه يبدأ رحلة الصعود نحو الهاوية فى 2020

- ‎فيتقارير

رغم تحسن حالة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي على مدار الشهرين الماضيين وحتى الآن، ووجود توقعات بأن يصل متوسط سعر الجنيه مقابل الدولار إلى 16.37 جنيه، إلا أن خبراء الاقتصاد اعتبروا أن هذا التحسن بمثابة صعود إلى الهاوية، وأن الجنيه سيشهد تراجعًا كبيرًا أمام الدولار يفوق بكثير ما حدث عقب تعويم الجنيه، فى نوفمبر 2016، وتوقعوا أن تبدأ رحلة التراجع خلال العام 2020.

وقالوا إن ارتفاع الجنيه مقابل الدولار لم ينعكس على الأسعار، ولم يشعر به المواطن مثلما حدث عند انخفاضه وقت تحرير سعر الصرف.

وأرجع الخبراء ارتفاع الجنيه مقابل الدولار ليسجل أعلى مستوى له في نحو ثلاث سنوات، ويعزز من مكاسبه التي بلغت ما يزيد على 11 بالمئة منذ بداية 2019، إلى الانعكاسات الإيجابية للاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة، ما أسهم في تدفق أموال الصناديق الدولية بغزارة للأسواق المالية العالمية، ومنها السوق المصرية التي اجتذبت نحو 490 مليون دولار استثمارات من صناديق الاستثمار الدولية، بالإضافة إلى التدفقات النقدية للأجانب قبل بداية عطلات أعياد الميلاد.

ويشكو المصريون، الذين يعيش الملايين منهم تحت خط الفقر، من صعوبات في تلبية الحاجات الأساسية بعد قفزات متتالية في أسعار الوقود والدواء والمواصلات وجميع السلع والخدمات؛ إثر برنامج إصلاح اقتصادي نفّذته دولة العسكر بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، منذ أواخر 2016 وحتى يونيو الماضي.

وزادت نسبة الفقر في مصر خلال 2017-2018 إلى 32.5 بالمئة من 27.8 بالمئة في 2015، ويبلغ خط الفقر 8827 جنيها للفرد في السنة، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

كان البنك المركزي المصري قد قرر تحرير سعر صرف الجنيه، في نوفمبر 2016، عندما كان سعره 8.88 جنيه للدولار، في إطار برنامج إصلاح اقتصادي ارتبط بقرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي. وسجل الجنيه أضعف مستوياته عقب تحرير سعر الصرف، حيث وصل إلى 19.62 أمام الدولار في ديسمبر 2016.

للاستهلاك المحلى

من جانبه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله، أن سلطات العسكر تحاول بكل الوسائل إعطاء صورة بأن الإصلاح الاقتصادي حقق بعض النتائج الإيجابية، وتزعم أن الجنيه المصري أصبح ثاني أفضل عملة بالعالم، معتبرًا أن ذلك كله للاستهلاك المحلي؛ لأن المواطنين يعيشون ظروفا اقتصادية طاحنة، ولا يستطيعون توفير احتياجاتهم الضرورية .

وقال ذكر الله، فى تصريحات صحفية: إن الخارج يعرف جيدا الأزمات التى يواجهها الاقتصاد المصري، وبالتالي لن يكون لمزاعم العسكر أي تأثير فى جذب الاستثمارات الأجنبية، ولذلك سيتراجع الجنيه أمام الدولار مرة أخرى .

وأوضح أنه بعد عام 2013، وقبيل قرار التعويم في نوفمبر 2016، كان الدولار يساوي نحو 7.5 جنيه، وبعدها بعام فقط ومع الأزمة المالية وأزمة قلة العملة الأجنبية وظهور السوق السوداء؛ اضطر البنك المركزي لتخفيض قيمة الجنيه لـ9.5 جنيه في قرار أول .

وأضاف ذكر الله: جاء بعد ذلك قرار تحرير سعر الصرف لينخفض الجنيه بصورة غير مبررة لما يقارب 20 جنيها، ثم تراجع واستقر عند 18 جنيها، ثم تراجع مرة أخرى ليستقر عند حدود 16.25 جنيه مؤخرا.

وأشار إلى أنَّ الجنيه انزلق في الخمسة أعوام الأخيرة بهوة سحيقة من 7.5 جنيه مقابل الدولار إلى 16.5 جنيه الآن، مشددا على أن أي قياس لا بد أن يأتي على هذا الأساس .

وأكد ذكر الله أن الجنيه تراجع بأكثر من 100 بالمئة من قيمته خلال 5 أعوام، وبالتالي فقياس أية تحسينات على أداء الجنيه يجب أن يكون على معيار ما كان عليه وليس على معيار تناقص حدث لظرف أو آخر .

ولفت إلى أن أسباب تراجع الجنيه خلال الفترة الماضية كثيرة ومتنوعة، لكن أهمها انكماش الطلب المحلي الذي هو أهم أسباب مشكلة الاقتصاد المصري بصفة عامة، موضحا أن القدرة الشرائية للمواطنين انخفضت للغاية بعد التعويم، ولم تستطع السياسة النقدية والمالية لحكومة العسكر تقديم حلول لتعويض ما فقدته القوة الشرائية.

وتابع ذكر الله: لم يقدم الإنفاق الحكومي قدرا مماثلا لما فقدته القوة الشرائية للمواطنين، ولم تقدم الأدوات النقدية من أسعار فائدة أو حجم نقود وغيرها ما يكفي لتعويض ما فقدته القوة الشرائية، والنتيجة الإجمالية هي انخفاض القوة الشرائية، وانخفاض الطلب المحلي، وحالة الركود التي تعاني منها السوق المصرية منذ 5 سنوات.

وكشف عن أن هذا كله أدى إلى مجموعة أشياء، منها انخفاض الطلب المحلي، وانكماش القطاع الخاص، كما أظهره مؤشر مديري المشتريات لبنك دبي- الإمارات الذي يقيس القطاع الخاص غير النفطي بمصر، والذي كشف عن أن هذه المؤشرات كانت سلبية بمعظم شهور السنوات الأربع الماضية .

وخلص ذكر الله إلى أن العوامل المؤثرة فى تحسن قيمة الجنيه لم تكن نابعة من قوة الاقتصاد المصري، بقدر ما كانت عبارة عن تقشّفات اقتصادية تحمّل المواطنون أعباءها بصورة كبيرة جدا .

عملة ضعيفة

ويرى الدكتور أشرف دوابة، أستاذ التمويل والاقتصاد بالجامعات التركية، أن العملة المصرية بالفعل ضعيفة، والجنيه لا يساوي شيئا، لكن كون البنك المركزي المصري- عبر سياسته النقدية- يقوم بعمل شيء تجميلي لا يعني ذلك نجاحًا بهذا الإطار .

وقال دوابة، فى تصريحات صحفية: إنه لقياس قيمة عملة ما يجب النظر كم تساوي وحداتها من السلع الموجودة بالسوق، كما يجب قياس ذلك عالميًّا حول ذات العملة، فكم تساوي من العملات الأجنبية .

وأعرب عن أسفه لأن دولة العسكر تتلاعب بالاقتصاد المصري، وتحاول تجميل صورتها بإيجاد تحسن مؤقت فى قيمة الجنيه أمام الدولار.

الأموال الساخنة

وكشف ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي، عن أن حكومة العسكر تعتمد على الفوائد الناتجة من الأموال الساخنة، وهى فوائد سريعة لكن لها آثار كارثية.

وقال الولي، فى تصريحات صحفية: إن المستثمر الأجنبي ينعش التداول في البورصة، كما أن الأموال التي يضخها تساعد في وجود احتياطي من النقد الأجنبي، ولكنه احتياطي وقتي، كما أن إنعاش البورصة يكون شكليًا ويخدم مصالح الأجانب فقط.

وأكد أن البنك المركزي المصري اعتمد على الأموال الساخنة لسد العجز في نقص السيولة النقدية، باعتبار أن المستثمر الذي يخرج من السوق، بعد حصوله على عائد بيع الأذون كل 3 أشهر، يدخل غيره، وهكذا، وهو ما تعتمد عليه حكومة الانقلاب في بناء احتياطيها النقدي.

وأشار الولي إلى أن حكومة الانقلاب والبنك المركزي، قدما الكثير من الضمانات والإغراءات للمستثمرين الأجانب، لجذبهم للاستثمار بأذون الخزانة والبورصة، للحفاظ على توفير السيولة الأجنبية، ومن الامتيازات سعر الفائدة المرتفع، والتي وصلت إلى 20%، بينما الفائدة بدول اليورو خلال 2019 تصل إلى صفر بالمئة، كما أن وزارة المالية دخلت كضامن لأموال المستثمرين، وألغت الضرائب التي كانت مفروضة على الأرباح.

وحذر من أن هذه المكاسب التي تتحدث عنها حكومة الانقلاب نتيجة بيع أذون الخزانة، لها كوارث حقيقية على الاقتصاد المصري، لأنها تأكل من أصل الاحتياطي النقدي الحقيقي للدولة، الناتج عن تحويلات المصريين وعوائد السياحة وقناة السويس، لأن المستثمر الذي يدفع مليون دولار لمدة 3 أشهر، فإنه عند خروجه يأخذها وعليها فائدة لا تقل عن 16 بالمئة، وهذه الفائدة يتم صرفها من أصل الاحتياطي النقدي.

وأوضح الولي أن الجانب الآخر لخطورة الأموال الساخنة، هو عدم استخدامها في إقامة مشروعات تنموية وتوفير فرص عمل، أو حتى فرض ضرائب عليها، كما يحدث بأوروبا والأسواق الأخرى المستقرة، وهو ما يجعل المستثمر الأجنبي في أموال الحافظة، هو المستفيد الوحيد، وليس الاقتصاد المصري الذي يخسر جزءا من أصل رصيده من الاحتياطي الأجنبي.