سلفيون في خدمة الظلم والاستبداد.. برهامي ورفاقه ودور قذر في مشهد انقلاب 3 يوليو

- ‎فيتقارير

شاركت جماعة الدعوة السلفية، عن طريق الأمين العام لحزبها جلال مُرّة، في مؤتمر إعلان الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وممثلين لأحزاب علمانية وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة.

واعتبر مراقبون مشاركة جماعة الدعوة السلفية وحزب النور في إعلان الانقلاب على أنه “خيانة”، وتسببت مشاركتهم تلك في هجوم حاد وواسع عليهم من فصائل الثورة المختلفة ومناهضي الانقلاب العسكري.

إلا أنها أكدت في اليوم التالي ببيان آخر مؤيد للانقلاب العسكري، قالت فيه "إن جيش مصر الوطني عهدنا معه ألا يفرط أبدًا في الشريعة وموادها في الدستور والهوية الإسلامية، ولقد وفّى دائمًا بما تعهّد به منذ الثورة بعدم إطلاق رصاصة واحدة ضد الشعب، والحفاظ على حرمة الوطن والمواطنين بجميع طوائفهم، الذين لا نقبل ولا يقبل جيشنا الوطني وشرطتنا أي تجاوز في حقوقهم وحرياتهم وحرماتهم حتى المخالفين لقرارات القوات المسلحة، فلن تعود أبدًا صورة العهد البائد من الظلم والعدوان على الشعب".

إلا أنه بعد إراقة الدماء على نطاق واسع بواسطة الانقلاب وفي إعلان أثار الاستغراب يوم 8 يوليو 2013، قال رئيس حزب النور: إن "الحزب قرر وقف الاتصال السياسي بما يسمى خارطة الطريق التي أعلنها الفريق عبد الفتاح السيسي، وكذلك أوقفنا التعامل مع المستشار عدلي منصور كرئيس مؤقت للبلاد، وكنا قد اتخذنا هذا القرار حتى قبل مذبحة الحرس الجمهوري، ولكن المذبحة أكدت صحة هذا القرار.. وجدنا خلال الأيام السابقة أن الدماء لا تزال تُراق، ووجدنا ممارسات خاطئة من السلطة، وانتهاكًا للحريات، وغلقًا للقنوات الإسلامية، مع فتح الباب للقنوات الأخرى للهجوم على التيار الإسلامي بنوع من الشماتة، ووصل الأمر إلى الاستهزاء بثوابت الدين، كذلك وجدنا القبض على الرموز الإسلامية وتصويرهم وإظهار تصويرهم في التلفزيون، ووجدنا اعتداء الشرطة على المتظاهرين السلميين، وجدنا تجاوزات خطيرة تمت".

ولكنه على الرغم من كل ذلك فقد جاء في نفس البيان: "لن ننسحب من الساحة، وسنحاول تقديم مبادرات بالتعاون مع كافة القوى السياسية لإنقاذ البلاد مما هي مقبلة عليه".

تناقض واضح

واعتبر الباحث معتز زاهر، في دراسة بعنوان "الحركات السلفية المصرية وثورة يناير 2011 -2"، أن هذا التناقض أدى إلى أن استنتج مراقبون أنه تهدئة من الجماعة والحزب لا غير لأتباعهما الذين انتظروا منهما استنكارا للانتهاكات الحقوقية التي حدثت بواسطة الانقلاب.

ولم تعلن الجماعة أو الحزب أن ما حدث انقلاب عسكري، بل رأوا أنه «تصحيح مسار»، وقرر متحدثها الرسمي نادر بكار أن هناك قطاعًا من المصريين يراها ثورة وقطاعًا من المصريين يراها انقلابًا، ورأوا عدم الاشتغال بتوصيف ما حدث والاستمرار بدلًا من ذلك في المسار الديمقراطي".

ثورة أم انقلاب

وأشارت الدراسة التي نشرها موقع المعهد المصري للدراسات، إلى استنكار "الدعوة السلفية" فض الاعتصام بهذه الطريقة، لكنها استمرت في دعم الانقلاب العسكري، مما بدا أنه مجرد إثبات موقف صوري عن طريق بيان صحفي لا غير، دون فعل حقيقي بالتنديد بالانقلاب والانسحاب من التحالف معه والعمل على تصحيح الأوضاع.

وعملت الجماعة خارجيًّا على نفي حقيقة أن ما حدث انقلاب عسكري، فنصح الحزب خلال لقائه وفد الاتحاد الإفريقي الذي علّق عضوية مصر به بعد الانقلاب، بأنه ينبغي التعامل مع مصر عقب 30 يونيو تمامًا كما حدث بعد ثورة 25 يناير، وأن ما حدث في 30 يونيو كان غضبًا تجاه مواقف سياسية خاطئة اتخذتها جماعة الإخوان، وأن المؤسسة العسكرية هي آخر المؤسسات المتماسكة في الدولة المصرية، وأن الجيش يحمي البلد من الأخطار، وأن القيادات العسكرية تتفهم ضرورة ابتعادها عن العملية السياسية.

وقال إنه بسبب مواقف الجماعة وحزبها النور، دخلت في خلاف كبير مع التيارات الإسلامية المناهضة للانقلاب العسكري، وبالأخص جماعة الإخوان، التي اتهمتها جماعة الدعوة السلفية بأنها تُصعد الأمور وتُقسم الشعب إلى مسلم وكافر، وتستعدي الجميع لتجعل التيار الإسلامي ضد الشعب كله ومؤسسات الدولة، ونصحت جماعة الدعوة السلفية الإخوان بالجلوس على «طاولة الحوار مع عدم التفكير في عودة ما قبل 30 يونيو».

تورط نهائي

ثم شاركت الجماعة عن طريق حزبها في لجنة إعداد دستور الانقلاب العسكري، وحشدت أعضاءها والمواطنين للتصويت بالموافقة عليه في 2014، رغم أنها قد أقامت الدنيا حول المادة 219 التي كانت تعزز– من وجهة نظر الجماعة والحزب – من مكانة الشريعة الإسلامية بالدستور، والتي كانت قد وُضعت في دستور الثورة عام 2012، ولكن الجماعة لم تُظهر المعركة أنها ضد الحكم العسكري، ولكنها أظهرتها في ثوب المواجهة العلمانية الإسلامية، دون انتقاد لدور الحكم العسكري في ذلك.

وكذلك دعت إلى انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، وكانت الجماعة والحزب أكبر وأنشط فصيل في دعم السيسي، وبعد إعلان السيسي رئيسًا قدمت الجماعة والحزب التهاني له.

ثم جاءت الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الانقلاب عام 2015 وشاركت فيها الجماعة عن طريق ذراعها حزب النور، وحصلت على 12 مقعدا من إجمالي 596 مقعدا، وهي نسبة قليلة للغاية مما حصل عليه في انتخابات برلمان الثورة عام 2012، إذ حصل على 123 مقعدا، مما يشير إلى تراجع شعبية الحزب بصورة كبيرة.

وأضاف "زاهر" أنه في انتخابات الرئاسة في ربيع عام 2018، انتخبت جماعة الدعوة السلفية وحزب النور السيسي لفترة رئاسة ثانية، وأيّدت عن طريق نوابها بمجلس النواب تعديل الدستور مما يكفل للسيسي بالترشح لمرة ثالثة ورابعة كل منهما ست سنوات، بعد أن كان الدستور السائد ينص على أن رئيس الجمهورية لا يحق له الترشح لأكثر من مرتين متتاليتين كل منهما أربع سنوات.

الرموز السلفية

وتحت عنوان الرموز السلفية المستقلة، انتقد الباحث مواقف بعض تلك الرموز من عينة محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، وقال إن تلك الرموز السلفية تعاملت مع الانقلاب العسكري وما سبقه وما تلاه من أحداث على أنها مجرد أزمة سياسية، ودورها هو الوساطة لحلها، وأنها خصومة “بين متخاصمين”، فلم يؤيدوا حركة الانقلاب علنًا، ولم يؤيدوا معارضيها أيضا بصورة قوية ومستمرة، فقد طالبوا بعد حدوث الانقلاب وانتهاكاته الحقوقية بعودة مرسي رئيسا للبلاد، وإيقاف الاعتقالات، وعقد مصالحة وطنية، ولكنهم عدّوا ما قام به المجلس العسكري من انقلاب “لون اجتهاد” لا يطعن في حبه للبلاد.

وظهرت تصريحات المستقلين لتأييد معارضي الانقلاب، فبعد اعتصام معارضي الانقلاب في ميدان رابعة والنهضة، وجّه لهم الشيخ محمد حسين يعقوب نداء بالثبات والصمود، وعندما طلب السيسي التفويض الشعبي باستخدام القوة لفض الاعتصامات، قال الشيخ أبو إسحاق الحويني، في بيان له، “إن هذا أمر منكر لا يجوز شرعا ولا عُرفا… قد يؤدي إلى حرب أهلية، وفيه ما فيه من سفك الدماء المحرمة”، وقال إن ما دعاه لنشر هذا البيان “ما لمسه من الفريق السيسي عندما قابله من محبة للدين” وأنه “رجل متدين".

وبعد فض اعتصام رابعة نزل الشيخان حسان ويعقوب إلى المحتشدين في ميدان مصطفى محمود، وقال حسان للغاضبين: “دَمي ليس أغلى من دمائكم”، وقال يعقوب: “اثبتوا نصركم الله… بالروح بالدم نفديك يا ديننا… ودمنا دون دمكم”، وبعد دقائق غادر الشيخان بعد ما قيل إن “إغماءة” أصابت محمد حسان، وقد ترجى بعض المتظاهرين الشيخ يعقوب ألّا يغادر.

مجلس شورى العلماء

وأشار الباحث في توثيقه إلى أنه بعد تمكّن الانقلاب العسكري أكثر، توقف “مجلس شورى العلماء” عن الانعقاد وإصدار البيانات، وتنوعت أحوال أعضائه،  فسافر الحويني واستقر في دولة قطر ممارسًا الدعوة وإلقاء الدروس الدينية هناك دون تعليق على الأحداث السياسية، فيما استمر مصطفى العدوي في إلقاء دروسه العلمية والدعوية في بعض المساجد بمصر، إضافة إلى لقاءات للفتوى في قناة الندى الإسلامية، وتوقف يعقوب عن اللقاءات الجماهيرية والفضائية مكتفيا بمسجده الصغير حيث يلتقي فيه بخاصة طلبته، أما حسان فأعيدت بعد فترة توقف قناته الفضائية قناة الرحمة، ولكنه قلل من الظهور عما قبل، وكان آخر ظهور مهم له في ذكرى فض اعتصام رابعة يوليو ٢٠١٦م.

محمد حسان

وظهر محمد حسان في مناسبات قليلة بعد ذلك، كظهوره بعد فض الاعتصامات خلال موسم الحج لينهى الناس عن الحديث في السياسة خلال الحج، عقب حملة انطلقت حينها لتعريف الحجاج بما حدث في مصر من سفك للدماء خلال فض الاعتصامات، وظهر على جبل عرفات يدعو للجيش المصري بعد مرحلة قامت فيها قيادات الجيش بالانقلاب على الشرعية وإسقاط الدستور، والتورط في انتهاكات بالقتل والاعتقال للمعارضين السياسيين، ووصولاً إلى ظهوره في ذكرى فض اعتصام رابعة والنهضة وغيرهما في شهر أغسطس 2016، مع الشيخين عبد الله شاكر وجمال المراكبي، والذي كانت خلاصته أن مؤيدي الشرعية ومرسي هم السبب في سفك الدماء، والسيسي لا ذنب له وقد فعل ما عليه.

وخلال هذا اللقاء أصدروا بيانا يكشف تفاصيل وساطة شاكر ومن معه بين جماعة الإخوان وقيادات المجلس العسكري قبل فض الاعتصامات، وأنهم التقوا السيسي وطالبوه بحقن الدماء وعدم فض الاعتصامات بالقوة، وأن السيسي وافق بشرط عدم الاعتصام في الطرق الحيوية التي تؤدي إلى المطار وغيره، وطالبوه بالإفراج عن المعتقلين فقال السيسي إنه سيوافق على هذا في حالة فتح الطرق، ووافق أيضا على الجلوس للتفاوض مع الإخوان كأكبر حزب سياسي في مصر.

وبعد هذا اللقاء الذي وصفه البيان بالمبشر بالخير مع المجلس العسكري، قال الثلاثة إنهم فوجئوا برفض تحالف دعم الشرعية والإخوان، واستمر هذا الوضع حتى حدوث فض الاعتصامات، وقد رأى مراقبون أن هذا البيان في هذا التوقيت (ذكرى فض الاعتصامات) يصب في مصلحة السيسي بتبرئة ساحته.