أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن استهداف الحوثيين، بطائرات مسيرة، منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خريص شرق المملكة، في هجوم توعد الناطق العسكري باسم الجماعة بمزيد من أمثاله على أهداف أوسع في العمق السعودي ما لم تنهِ الرياض حربها وحصارها على اليمن.
فما هي الرسائل الميدانية والسياسية التي تضمنها هجوم الحوثيين على منشأتي أرامكو شرقي السعودية باتجاه الرياض؟ وكيف ستتعاطى الرياض مع تطور هجمات الحوثيين كمًّا وكيفًا ومطالبتهم بوقف الحرب والحصار على اليمن؟
الحوثيون أعلنوا ما وصفوه بالهجوم الكبير والسعودية اعترفت به، مؤكدة أن طائرات مسيرة استهدفت منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة أرامكو في محافظة بقيق وهجرة خريص شرقي المملكة، ما تسبب- بحسب وكالة رويترز- في تعطل جزئي في تصدير النفط السعودي.
هجوم قال المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله: إنه لن يكون الأخير فبعده هجمات أوسع وأكثر إيلاما على أهداف في العمق السعودي، بيد أن الملفت للانتباه هو أن بيان الحوثيين خلا من أي إشارة للوتد الثاني الذي تقوم عليه خيمة التحالف وهو الإمارات، مكتفيًا بوعيد للرياض بقادم أسوأ في حال لم توقف حربها وحصارها على اليمن.
وبحسب تقرير بثته قناة "الجزيرة"، تعرضت درة التاج السعودي لأكبر الهجمات وأوسعها منذ اكتشاف النفط في الجزيرة العربية، يفعلها الحوثيون بعشر طائرات مسيرة يستهدفون منشآت نفطية في بقيق، حيث أكبر منشأة لتكرير النفط في العالم، وفي خريص ثاني أكبر حقل نفطي في العالم بأسره، ما يجعل من الهجمات أقرب إلى إعلان حرب حقيقية غير مسبوقة في عنفها وتأثيراتها الآنية، وبعيدة المدى على شريان الاقتصاد السعودي الأهم.
ويأتي هذا بينما تتحول الرياض بل تتغير وتمنّى بما يصفها البعض بهزائم بالغة الإذلال في المنطقة، بالتزامن مع إخفاق يزداد سوءًا لما قيل إنها رؤية ولي العهد لتحديث البلاد وعصرنتها وتنويع اقتصادها في الآن نفسه.
إن المؤلم حقا في الهجمات ليس توقيتها وحسب ولا اتساعها غير المسبوق في حيثياتها أيضا، فقد قطعت طائرات الحوثيين المسيرة أكثر من ألف كيلومتر قبل أن تضرب أهدافها، وأيا تكون التأويلات والتفسيرات، ومنها ما يذهب إلى أن بعض الطائرات المسيرة قد تكون انطلقت من داخل الأراضي السعودية أو سواها، فإن ذلك يؤكد أن الأمن السعودي- استراتيجيات وأدوات معا- مكشوف على نحو محرج لدولة تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث الإنفاق العسكري.
فأن تحلق الطائرات المسيرة مئات الكيلومترات داخل السعودية من دون أن تُعترض أو تُسقط، وأن تصيب أهدافها التي يفترض أن تكون أهدافًا بالغة الصعوبة ومحصنة جدا، فذلك يعني غيابًا فادحًا لمفهوم الأمن، والأخير ليس سلاحا يشترى ويتباهى به كبار المسئولين في الاستعراضات العسكرية، بل ليستخدم للدفاع وحماية البلاد.
تزداد التأثيرات السلبية لهذا الانكشاف كونه يتعلق بالرأسمال المادي الأكبر للسعودية، وهو النفط ومنشآته، أما التوقيت فقاتلٌ، فالرياض تستعد لطرح عام دولي لحصة من أسهم أرامكو وتلك خطوة عوّل عليها كثيرا ولي العهد، ويعتقد أنها وراء استبعاد وزير الطاقة خالد الفالح الذي تردد أن لديه تحفظات على طرح أسهم لأرامكو وتعيين أحد أنجال العاهل السعودي على رأس هذه الوزارة، في سابقة تكشف ربما اقتراب التحول الأكبر في تاريخ البلاد، ويتعلق جزء حاسم منه بمصير أرامكو وثمة أجزاء أخرى تتعلق بمصير انتقال العرش نفسه بالتزامن أو فيما بعد.
يأتي هذا بينما تُترك الرياض وحيدة، وثمة من يقول تُخذل وتُخان، أي أنها تقبل على تغييرات كبرى بعد أن خدعت أو دفعت لمغامرات مكلفة تنتهي بها أضعف مما كانت عبر تاريخها.
هل صدق الإماراتيون وذاك يعني أن يتخلوا عن السعوديين؟ ثمة من يجيب بنعم لقد فعلوها وذهبوا إلى إيران وانسحبوا من اليمن، وانقضوا عبر أدواتهم على الشرعية اليمنية في عدن، وهي الشرعية نفسها التي تقيم في الرياض وبها تحتمي، وفعلوا ما هو أكثر بأن أصبحوا في مأمن من الحوثيين، وثمة ما يدل ويؤكد، فبيانُ الحوثيين الأخير خلا من ذكر أبوظبي تماما كأنه عرض الحقيقة عارية من أي محسنات؛ فالتحالف الآن هو السعودية وحسب.
هناك في جنوبي اليمن تهان على أيدي من يفترض أن يكونوا حلفائها، وفي جنوبي المملكة نفسها من جازان إلى الظهران تُضرب وتُقصف، وثمة من يضحك عندما يلتقي ولي عهد السعودية، ولقد فعلها مرارًا.