بدأ اهتمام عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، ببناء ذراع إعلامية للدولة حين كان وزيرا للدفاع، حيث ظهر في تسريب بالفيديو يعود إلى فترة ما قبل انقلاب 2013، يتحدث فيه عن تكوين أذرع إعلامية يمكن توجيهها والتأثير عليها لصالح ما يريد الجيش المصري أن يوجه به الرأي العام.
ولم يستغرق السيسي وقتًا طويلًا لكشف رؤيته للإعلام ودوره الوطني وفق تصوره الخاص، فالرجل منذ البداية كان واضحا في تعريف الإعلام الوطني، هذا الإعلام الذي يجب أن يظل في ظهر الرئيس، ويدعم توجهات الرئيس، وينشر التفاؤل والأمل بين الشعب بصرف النظر عن علاقة ذلك بالواقع المعاش فعليا بعد أقل من 33 يومًا على أدائه اليمين الدستورية لفترة حكمه الأولى، التي كانت في 8 يونيو 2014.
وقف السيسي، خلال كلمة له على هامش احتفالية إعلان تدشين محور قناة السويس، ليقول “إن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظا لأنه كان يتكلم والإعلام كان معه”، وذلك في الخامس من أغسطس من العام نفسه.
“الحكومة منورة”، تلك الجملة البسيطة كانت بداية الصدام الحقيقي بين السيسي والإعلام، ففي 6 سبتمبر 2017 وخلال كلمته في إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، انتقد السيسي طريق تناول وسائل الإعلام لقضية انقطاع الكهرباء، قائلا: “لما ألاقي في الجرنان مكتوب الحكومة منورة هو انت كدا يعني بتعالج الموضوع، لما تكتب كدا ما ينفعش لكن الحل في معالجة الأمور”.
الأمر لم ينته عند هذا الحد، ففي الأول من نوفمبر 2015 هاجم السيسي الإعلام في اجتماع له مع مجموعة سيمنز الألمانية أثناء أزمة غرق شوارع الإسكندرية بمياه الأمطار، حيث قال “عيب ميصحش كده.. إيه الشغل ده؟ والأمر ده لا يليق انتوا بتعذبوني إني جيت ووقفت هنا”.
وفي تطور يعكس حجم التوتر الواضح في العلاقة بين السيسي والإعلام والتشكيك في معظم ما تطرحه النوافذ الإعلامية، طلب السيسي من الشعب المصري عدم الاستماع إلى أي شخص آخر غيره، وذلك كان على هامش كلمته في احتفالية تدشين استراتيجية التنمية المستدامة في مصر 2030 في 24 فبراير 2016.
وفي 26 يوليو 2017 كان السيسي أكثر وضوحا في طرحه، حيث طالب أجهزة الإعلام بخلق فوبيا لدى الشعب المصري من إسقاط الدولة المصرية وحماية مصر من السقوط، مؤكدا استعداد الدولة لدعم إنتاج عمل سينمائي لمواجهة ما أسماه محاولات هدم وإضعاف الدولة، وذلك خلال فعاليات المؤتمر الدولي الرابع للشباب بالإسكندرية.
وبالعودة إلى التسريبات القديمة بعد الانقلاب العسكري، نجد تسريبا شهيرا لعباس كامل، والذي كان يشغل منصب مدير مكتب السيسي، في الأول من أبريل 2014، وفيه يطلب عباس كامل من المتحدث العسكري أحمد علي أن يوعز للإعلاميين التابعين له بأن يبدءوا حملة على القنوات التلفزيونية للدفاع عن السيسي، وأن يزعموا أن هناك حملة ممنهجة تستهدف السيسي.
بدأت أولى مراحل تحقيق حلم السيسي باستنساخ إعلام الستينات أو الحقبة الناصرية في الحادي عشر من أبريل 2017، حين أصدر قرارًا اعتبره البعض تأميمًا للإعلام المصري بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة أحد أبرز مؤيديه وهو نقيب الصحفيين الأسبق مكرم محمد أحمد، وعضوية ما يقرب من 12 آخرين.
أحدثت تغيرات في الملف الإعلامي المصري، أطلق عليها تطوير التلفزيون الرسمي في مصر، والتي تنفذها شركة المتحدة المملوكة للمخابرات العامة وتم إطلاق خطة تطوير ماسبيرو بعد نحو شهر من تعيين وزير الإعلام المصري القريب من السلطة أسامة هيكل في المنصب الذي غاب عن التشكيل الحكومي في مصر لنحو 5 سنوات .
وانتقد ناشطون إسناد تطوير التلفزيون بالأمر المباشر إلى شركة تابعة للمخابرات العامة، كما انتقد آخرون أن يستضيف التلفزيون المصري في الحلقة الأولى من برنامجه الجديد التاسعة مساء الممثل محمد رمضان.
ورفض الناشطون سيطرة المخابرات العامة على الإعلام في مصر عبر شركة المتحدة، التي اشترت تقريبا كل الفضائيات المصرية الخاصة وأغلب الصحف الخاصة، وحتى الآن الإنتاج الدرامي لشهر رمضان المقبل عبر الشركة المتحدة التابعة للمخابرات.
بدوره رأى الكاتب الصحفي سليم عزوز، أن السيطرة على الإعلام من خلال أجهزة المخابرات أو من خلال بعض الأشخاص التابعين لهذه الأجهزة ثبت باليقين أنها ليست مجدية، كما ثبت لهذه الأجهزة أن الصحافة والإعلام مهنة وهذه المهنة لها أناس يجيدونها.
وقال عزوز: إن الأجهزة التي دفع بها السيسي للتسلط على الإعلام أثبتت فشلا ذريعا، وفشلت في إدارة القنوات الخاصة التي سيطرت عليها، ثم انتقلت هذه الأجهزة من فشلها لكي تدير التلفزيون المصري، مضيفا أن مصطلح تطوير التلفزيون المصري كلمة حق يراد بها باطل.
وأضاف عزوز أن هناك الكثير من اللجان التي شكلت لهذه المهمة وهذه اللجان كانت تشكل من إعلاميين، وهؤلاء الإعلاميون هم من يقومون بعملية وضع أسس التطوير، وفي النهاية لا تنفذ هذه اللجان والتي كان آخرها في عهد أنس الفقي .
وأوضح عزوز أن الخطة الجديدة وضعتها أجهزة المخابرات والتي لا علاقة لها بالإعلام ولم تمارسه، وهذه الأجهزة تدير المشهد الإعلامي بشكل عام، ثم هي من تضع خطة التطوير للتلفزيون المصري، بهدف تقليص عدد العاملين وتحويل التلفزيون المصري إلى قناة أو قناتين على الأقل، ثم يتم نقله إلى مدينة الإنتاج الإعلامي وبيع مبنى التليفزيون ضمن مثلث ماسبيرو .
من جانبه قال الدكتور عاطف عبد الجواد، الخبير الإعلامي، إن منح شركة مخابراتية حق تطوير التلفزيون المصري أمر غير طبيعي، مضيفا أن هيمنة المخابرات العامة والمخابرات الحربية على الإعلام أمر معروف وثابت وحقيقي، أن سبق نشرت وكالة “رويترز” تحقيقا صحفيا حول هذا الشأن، كما أن الصحفيين والإعلاميين في مصر يطلقون لقب رئيس تحرير مصر على اللواء عباس كامل مدير المخابرات العامة.
وأوضح أن “رويترز” أيضا تتحقق من وجود مجموعتين على “واتس أب” الأولى تسمى إديتور، وهذه المجموعة تشرف علها المخابرات العامة، ومجموعة ثانية تشرف عليها الداخلية، وهاتان المجموعتين تتوليان إرسال المعلومات للصحفيين والإعلاميين حول كيفية تغطية الأحداث.
وأشار إلى أن المخابرات العامة والحربية تهيمنان على الإعلام وهو غير مقبول؛ بسبب أن هذا الانخراط الاستخباراتي يشتت مجهود، ويبدد ميزانية ومجهود الاستخبارات عن هدفها الأصلي وهو حماية الأمن القومي بمكافحة التجسس ومنع التهريب .
وحدد 4 عناصر إذا تحققت يمكن من خلالها القول إن هذه الإصلاحات نجحت في أهدافها الأول ترشيد الإنفاق واستجلب الكفاءات المصرية من الخارج، كما حدث في السودان عقب الإطاحة بالبشير عندما استعان بلقمان أحمد، مراسل قناة “بي بي سي” في واشنطن، والبعد عن الغث والإسفاف، وضرورة فتح المجال أما حرية الرأي والتعبير.