شهادات جديدة وتقارير قاسية عن أوضاع قهر المعتقلين بسجن العقرب

- ‎فيتقارير

“صرخة من خلف الأسوار، من جوعى لا يشبعون، من عطشى لا يرتوون، من عرايا لا يكتسون، من مرضى لا يشفون”.. كانت تلك ملامح القسوة التي يتعرض له مصريون مثلنا خلف أسوار سجون الظالمين، وهي نموذج أخير لشهادة معتقل بسجون الانقلاب، ما أعادنا إلى تذكر مصطلح “وراء الشمس” المنتمي لعهد عبد الناصر البائد، فسجّل ذلك في رسالته الجديدة.

ووجّه رسالته من سجن العقرب قائلا: “من وراء الشمس نناديكم”، مضيفا “يا أصحاب الضمائر الحية، يا أرباب المنابر الإعلامية الحرة، يا شعوب العالم التي ذاقت الحرية وعاشت الحضارة البشرية، يا مناصري حقوق الإنسان في حياة آدمية كريمة، يا مناهضي التعذيب والإيذاء البدني والتنكيل.

وكرر أن الرسالة التي يوجهها من عدة أشخاص “ممن يعيشون حياة الحرمان في فقر وألم، ومهانة وإذلال وقهر، لا غطاء، لا دواء، لا هواء، لا كساء”، موضحا أن وعاءها الذي خرجت منه “من داخل أقبح سجون أعتى ديكتاتوريات هذا العصر، وريث الباستيل، أسوأ من أبو غريب وجوانتامو، وسجن عبد الناصر الحربي.. من سجن العقرب في مصر نناديكم”.

ولم يكلّ المرسل عن طلب العون قائلا: “لا بد أن أحدا ما هناك بالخارج يشعر بنا.. تلك الأنفاس التي انقطعت من صدر مرجان وعصام دربالة وفريد إسماعيل وحسام مروان ومدحت أبو شيتة وأحمد محمد عبد الله وغيرهم، والباقون في قوائم الانتظار، حيث يجثم الموت على الأنفاس التي تضعف مع مرور الأيام، وقد نحلت الأجسام، ومرضت وضاقت النفوس، وعذبت الأبدان، وسحلت وعلقت وضربت”.

ولكنه أكد أن جذوة اليقين ثابتة، قائلا: “لكن ما زال لدينا أمل أن تسمعوا أصواتنا، تلك التي تختلط فيها مشاعر أهلنا بين أمل أننا ما زلنا أحياء، وبين ألم عندما يسمعون ويقرءون ما ندونه هنا بالأحداث والأسماء”.

تقرير “المنظمة العربية”

وعبر رسائل مسربة تمت كتابتها بوسائل بدائية، قالت المنظمة العربية إنها استلمت رسائل شبيهة ولكنها لم تعرض لتلك الشهادات الحية من داخل السجون، واكتفت بنقل محتواها عن المعتقلين الذين يتعرضون للقتل البطيء في سجن العقرب في مصر.

وأكدت المنظمة أنهم يتعرضون أيضا للتعذيب، والتجويع، والحرمان من الملابس والأغطية والعلاج ومن وسائل النظافة، ومن الإهمال الطبي المتعمد، ومن المعاملة المهينة.

وأشارت إلى حرمان المعتقلين من الزيارة بشكل كلي منذ 28/8/2017، وأنهم محرومون من التريض والخروج من الزنازين منذ 4/4/2017.

شهادات حية

وأصدرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، صباح أمس، تقريرًا بعنوان “شهادات حية حول سجن العقرب في مصر” يحوي شهادات تفصيلية من معتقلي العقرب تم نقلها عبر رسائل مسربة كتبها المعتقلون على مدار سبعة أشهر بوسائل بدائية، في محاولة لنقل معاناتهم وصرختهم حول ما يتعرضون له من قتلٍ بالبطيء وتعذيب وقمع وإهانة بصورة دائمة لا تتوقف.

وقال التقرير، إنه على الرغم من كافة المناشدات التي وُجهت إلى السلطات المصرية من كافة المنظمات الحقوقية، فإن النظام ما زال يصعّد جرائمه بحق المعتقلين في مصر في كافة مقار الاحتجاز، وفي “العقرب” تتضاعف تلك الانتهاكات دون حد، ومع مرور الوقت فإن الخطر يتضاعف على حياة المعتقلين، وسلامتهم الشخصية.

وفي شهادة المعتقلين داخل التقرير، وصفوا هيئة السجن والزنازين التي يتم احتجازهم بها بأنها “سور كبير تحيطه أبراج حراسة، وداخل هذا السور 4 عنابر، كل عنبر على شكل حرف (h)، كل ضلع من أضلاعه يسمى وينج، وكل وينج به 21 غرفة + غرفة الشاويش + حمام + مطبخ + غرفة أخرى، وتحت كل (h) بدروم بطوله وعرضه تجري فيه مواسير الصرف، وهو ممتلئ عن آخره بمياه الصرف وتعيش فيه الفئران بكثافة، وهو مرتع للبعوض، وأحيانا تخرج منه الثعابين”.

وأضاف التقرير أن هناك زنازين في العقرب تم تصميمها لتكون أكثر سوءا من مثيلاتها، وهي كالمقابر لمن تعاظم الحنق عليه من قبل النظام، وهي “التأديب”، و”العزل”، و”الإعدام”، و”العنصر”، وهي زنازين ضيقة للغاية، حوائطها مطلية باللون الأسود القاتم، لا إضاءة بها مطلقا، لا مياه، لا شمس، لا تهوية، لا مراوح أو شفاطات، حتى الفتحة الموجودة بالباب (النظارة) لاستلام التعيين (طعام السجن) تُغلق بقفل من الحديد من الخارج، ولا تفتح إلا لإدخال التعيين.

وأوضح التقرير أن معتقلي العقرب محرومون كليا من الخروج من زنازينهم الضيقة للتريض منذ 4/4/2017 بدون أدنى سبب أو مبرر، وهو أمر أدى لانتشار الإصابة بالربو والجرب والسل بين المعتقلين، وكان التريض قبل هذا التاريخ يُسمح به على فترات متقطعة لمدة ساعة يوميا في ساحة مربعة بين العنابر محاطة بقفص حديدي دون التعرض للشمس.

تعنت دون مبرر

وكشف التقرير عن أن الزيارات منقطعة عن معتقلي العقرب بشكل كامل منذ 28/8/2017 وحتى الآن، دون أي مبرر، وكانت قبل ذلك التاريخ تُفتح على فترات متباعدة وتغلق لأشهر، وعلى الرغم من صدور عدة أحكام إدارية لأسر المعتقلين بالتمكين من زيارة ذويهم حسب القانون، إلا أن إدارة السجن ضربت بها عرض الحائط ولم تنفذ تلك الأحكام حتى الآن.

وقال التقرير، إن ملابس معتقلي العقرب هي البدل الميري المصنوعة من قماش ليفي يزيد حرارة الصيف ولا يقي بروده الشتاء (كل معتقل قطعتين فقط)، ولا يمنح المعتقل سوى غطاء واحد خشن لينام عليه على الأرض الخرسانية الصلبة، وغير مسموح للمعتقلين الحصول على أي ملابس أو أغطية من أسرهم، حتى الملابس الداخلية.

وأوضح أن المعتقلين يتعرضون للتجويع بصورة بالغة القسوة حيث يُحرمون من جلب الطعام من أسرهم ولا يقدم لهم من السجن سوى طعام التعيين، وهو طعام رديء للغاية بلا طهي رائحته كريهة، يحوي بقايا حشرات ميتة، ومع كل هذا السوء يأتي بكميات ضئيلة لا تسد الرمق ولا تغني من جوع.

وعن التلوث والقذارة الموجودة بسجن العقرب، قال المعتقلون في شهادتهم “الزنازين ذات رائحة نتنة، ومكتظة بالبعوض والصراصير التي تأتي من مواسير الصرف الصحي التالف في البدروم، وكذلك من برك المجاري التي تحيط بمباني العقرب، تلك الحشرات تسبب للمعتقلين بالغ الأذى، حيث تمنعهم من النوم بالإضافة إلى نقل الأمراض، وهي وسيلة رخيصة التكلفة تستخدمها إدارة السجن لتعذيب المعتقلين.

أنواع التعذيب

وعن وسائل التعذيب المستخدمة مع المعتقلين في سجن العقرب، أكدت تعرض المعتقلين إلى التعليق على الأبواب، والصعق بالكهرباء، والإغراق في إناء ماء، والتعليق في شيء يسمى الشواية، وإطفاء السجائر في أجسادهم، انتزاع الأظافر، وتكسير الأيدي والأقدام وخلع الأكتاف بفعل الضرب والسحل، والضرب بأسلاك الكهرباء، واللطم على الوجوه والركل بالأقدام.

كما تناول التقرير الإهمال الطبي في سجن العقرب، والذي أودى بحياة عشرة معتقلين على الأقل خلال الخمس سنوات الأخيرة، وأصاب العشرات بعاهات مستديمة وأمراض مزمنة، حيث لا يتم السماح لمعتقلي العقرب بالعلاج والتداوي، ويحرم المعتقلون المرضى من العلاج، ولا يُنقل مريض من الزنزانة إلى العيادة إلا بعد وصول حالته لمراحل متأخرة قد لا يمكن تداركها بالعلاج.

مخالفة القانون

ونبهت المنظمة، التي تتخذ من لندن مكانا لها، أن سجن العقرب يخالف القانون المصري والدولي بشكل كامل، بدءا من معايير بناءه التي تعد وفقا لقانون البناء المصري غير مناسبة لاستعمال البشر، ومرورا بحرمان المعتقلين من حقوقهم الطبيعية الأساسية كالطعام والشراب والثياب المناسبة لحرارة الجو والعلاج في حالة المرض، وتعريض المعتقلين للتعذيب البدني والنفسي، ومخالفة لائحة تنظيم السجون المصرية والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الصادرة عن الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحرمان من الزيارة والحق في التعليم والحرمان من التريض والقراءة.

وطالبت المنظمة المجتمع المدني والنشطاء ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، ووسائل الإعلام المدافعة عن حقوق الإنسان، بالتحرك بشكل فعال والضغط على النظام المصري لإلزامه بوقف قتل المعتقلين في مقار الاحتجاز، وعلى رأسها سجن العقرب.

ودعت أمين عام الأمم المتحدة إلى استخدام صلاحياته، وإرسال بعثة تقصي حقائق حول ظروف احتجاز المعتقلين وما يتعرضون له من تعذيب وإذلال ممنهج؛ فالوقت ينفد وبقاء الأمور على ما هي عليه دون تحرك جاد يعني سقوط المزيد من الضحايا.