عاشوراء.. الثقة والأمل

- ‎فيمقالات

مع حلول ذكرى عاشوراء، نشاهد حالة من الإحباط تسيطرعلى شعوبنا المسلمة، وقد أخذ منها اليأس ماأخذه، ولا ينقصهم إلا إقامة البكائيات واللطميات كما يفعل الشيعة الروافض مع تجدد ذكرى عاشوراء!!

ومما لا شك فيه أن المؤمرات التي تحاك ضد أمتنا الإسلامية صباح مساء، وعمالة أبناء جلدتنا من الطابور الخامس والسادس لأعداء الأمة، وبيع الأمة في سوق النخاسة، حالة كفيلة بأن تجعل اليأس يتسرب إلى نفس كل مسلم، ومع ذلك لابد أن يتجدد الأمل مع حلول ذكرى عاشوراء، ذلكم اليوم الذى تجلت فيه قدرة الله تعالى، في إنقاذ موسى ومن معه من المظلومين المقهورين، وقصم ظهر الطاغية المتجبر، فالله على كل شيء قدير.

فأصحاب موسى عندما شعروا بأنهم سيهلكون لا محالة؛ لأنهم يرون البحرمن أمامهم والعدو يطاردهم من خلفهم، فلامفر من الهلاك، كما حكى لنا القرأن ذلك المشهد، قال تعالى: [فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ] ولكن موسى عليه السلام الواثق في الله وفى نصره وتأييده، زجرهم ورد عليهم كما حكى القرآن على لسانه : [قَالَ مُوسَى كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [سورة الشعراء: 61-62] قال أهل العلم :أي أن الله سيهدينى للنجاة، وقد وعدني ذلك ولا خلف لوعده.

كما تأتي ذكرى عاشوراء ، لتعطينا الأمل في قرب تحقق النصر لمن يسأل: متى نصر الله، وتعيد الأمل للنفوس المؤمنة بأن النصر قريب، وترسخ اليقين في قلوبنا بأن النصر من عند الله، وأن الله مع المؤمنين،

وأنه تعالى ينصر رسله، وينزل تأييده لعباده المؤمنين إذا استحقوا النصر، وينجي عباده الموحدين من بطش الطغاة والمتكبرين.

ففي يوم العاشر من المحرم تحقق النصر المبين، وأظهرالله الحق على الباطل، فقد نجى الله موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فرعون الطاغية المتكبر.

ويجب علينا ألاننسى بأن ذكرى عاشوراء، ونجاة موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين وهلالك الطاغية ، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمولد موسى عليه السلام، حيث كانت الظروف في غاية الصعوبة، فأمة بني إسرائيل أمة مقهورة تعاني وتقاسي ظلم الطاغية.

وقد ولد موسى في العام الذي كان يقتل فيه الذكورعلى يد جنود الطاغية ،الذي قتل الأطفال ليحافظ على ملكه، واستحيا النساء، وظلم بني إسرائيل واحتقرهم، كما قال تعالى: “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ”سورة القصص، آيه 4.

وأمه ماذا عساها أن تفعل في ظل ماتشاهده من ظلم وجبروت الطاغية،سوى الاستسلام لأمر الله تعالى، الذى قال: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ”سورة القصص،آية 7،فحفظ الله موسى عليه السلام من القتل ورعاه ، بل رباه في داخل بيت فرعون نفسه!!

ولفضيلة هذا اليوم كان موسى عليه السلام يصومه، وكان أهل الكتاب يصومونه، وكانت قريش في الجاهلية تصومه، ولما قدم رسول الله المدينة ورأى صيام أهل الكتاب من اليهود وتعظيمهم له، فصامه وأمر الناس بصيامه، كما جاء في حديث ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: (قدم رسول الله المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله: {ما هذا اليوم الذي تصومونه } قالوا: (هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه)، فقال: ” نحن أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله وأمر بصيامه).

فهذه الذكرى تعطي للمؤمنين الأمل في قرب حصول الفرج، و طلوع الفجر، وتبث في نفوس المسلمين الثقة من أن نصرالله تعالى قادم، وترفع الروح المعنوية للمستضعفين ، وترسم الطريق لمن يريد أن يتنزل عليهم نصرالله تعالى، بأن ينصر الله تعالى في نفسه أولاً، فيجاهد نفسه و يبعدها عن طريق الغواية، ويلزمها طريق الاستقامة حتى يتحقق نصر الله تعالى في نفسه ، لكي يستحق أن ينزل عليه نصر الله تعالى، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”سورة محمد آية 7.

لذا وجب استغلال ذكرى يوم عاشوراء، لنغرس في نفوس المسلمين قيمة الحق، وأنه حتما سوف ينتصر على الباطل مهما علا هذا الباطل وانتفش، فهي سنة إلهية كونية ماضية إلى يوم القيامة لا تتخلف، وقد تكررت قصة موسى وفرعون، في أكثر من ثلاثين موضعا في القرآن الكريم، لأنها تشابه في فصولها معاناة النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش والمعاندين والمحاربين من قومه.

كما أنها تشكل حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل، والتأكيد على أن العاقبة للمتقين، مهما بلغ مكر الماكرين وكيد الكائدين وتربص المتربصين، والله غالب على أمره.

وكما قال ابن القيم رحمه الله :من ظن أن الباطل سينتصر على الحق فقد أساء الظن بالله.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها