عز الطاعة وشؤم المعصية

- ‎فيمقالات

يشكو المسلمون الآن تسلّط الأعداء، وجور الحكام، وانتشار الأوبئة والأوجاع، والغلاء والبلاء، وما دروا أن هذه سنة الله فى الأمم الشاردة، ولو عادوا لكتاب ربهم لعلموا أن ذلك قانون إلهى غلاب؛ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

إن القوم إذا عصوا ربهم وبالغوا فى مخالفته منعهم رحمته، وحجز عنهم بركته، وألبسهم لباس الجوع والخوف، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.. عن جبير بن نفير قال: «لما فُتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكى، فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك فى يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! قال: ويحك! ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره بينما هم أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى».

يظل المسلم عزيزًا ما لم يخالف أمر الله -عز وجل- وأمر رسوله ﷺ؛ فإن خالفهما أوقع نفسه فى دائرة سخط الخالق، وحلّت عليه الذلة، وبات ظالمًا لنفسه، سببًا فى زوال النعم، وحلول النقم، وتحول العافية.

قال موسى بن أعين: «كنا نرعى الشاء فى خلافة عمر بن عبد العزيز، وكانت الوحوش والذئاب ترعى معنا فى مكان واحد، فبتنا ذات ليلة إذ عرض الذئب لشاة فقلنا: ما نرى الرجل الصالح إلا مات. قال الراوى: فحدّثنى هو وغيره أنهم حسبوا فوجدوه قد مات فى ذلك اليوم».
أما أهل الطاعة ففى نعيم وراحة بال، فى الدنيا والآخرة، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يقلقون إذا قلقوا، ولا يحزنون إذا حزنوا، إنهم أهل الله وأولياؤه (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62-64].

ولو أطلعك الله على قلب فقير طائع لوجدت فيه الغنى كله، والرضا كله، والفرح والسرور اللذين لا تجدهما فى قلوب العصاة وإن ملكوا الدنيا بقناطيرها المقنطرة؛ إذ حيثما وجدت الطاعة حلّت البركة، والتوفيق، والسداد والنجاح (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].
لما امتنع يوسف -عليه السلام- عن اقتراف الفاحشة، صابرًا محتسبًا، رغم منصب وجمال من أغوته، عوضه الله خيرًا، وآتاه الملك والنبوة، وجمع به شمل أبويه وإخوته؛ (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 56].

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: «كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله ﷺ، فأقبل علينا رسول الله ﷺ بوجهه فقال: «يا معشر المهاجرين! خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة فى قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيال إلا ابتلوا بالسنين [أى الفقر والحاجة] وشدة المؤنة [قلة القوت] وجور السلطان، وما منع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائهم لم يُمطروا، ولا خفر [نقض] قومٌ العهد إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما فى أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله فى كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم».

بل إن لعنة المعصية تحل على البهائم والطيور وسائر دواب الأرض، يقول أبو هريرة -رضى الله عنه-: «إن الحبارى لتموت فى وكرها من ظلم الظالم»، ويقول مجاهد: «إن البهائم تلعن عصاة بنى آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم».
إن قدرة الله -تعالى- على ردع العصاة غير متناهية وغير محدودة؛ (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65]؛ فهو -سبحانه- القادر على كل شىء، لكن حلمه يسبق غضبه، وعفوه يسبق انتقامه، وما أهان الله أحدًا وسمّع به إلا بعدما عبَّ من المعاصى عبًّا.. فإذا أمن أحدهم مكر الجبار واتبع هوى نفسه، كان حقًّا على الله أن يلبسه ثوب المذلة، فى الدنيا والآخرة.
 نعوذ بالله من الخذلان.