فشل جولة سامح شكري.. و”كورونا” يفاقم عجز السيسي أمام سد النهضة

- ‎فيتقارير

حذرت وكالة “بلومبرج”، في تقرير لها، من أن أزمة “سد النهضة” الإثيوبي ستزداد ضراوة مع انشغال العالم بمكافحة فيروس “كورونا”، لافتة إلى أن القاهرة تتخوف من أن تستغل أديس أبابا هذا الانشغال في مواصلة سياسة فرض الأمر الواقع.

وطرحت الوكالة الأمريكية، في تقرير لها، أمس، مخرجا أخيرا للنزاع يتمثل في أن تدفع القاهرة لأديس أبابا أموالًا مقابل تأخير ملء السد إلى الفترة التي تريدها مصر؛ فلا تتأثر احتياجاتها المائية بفضل ذلك.

فشل دبلوماسية السيسي

إلى ذلك، باءت التحركات الخارجية المصرية لحلّ أزمة سدّ النهضة الإثيوبي بالفشل بعد انهيار المفاوضات، في أعقاب رفض أديس أبابا التوقيع على الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي نهاية شهر فبراير الماضي.

وفاقم الفشل تبدل مواقف دول عربية إفريقية من سد النهضة، وهو ما تسبب في إرسال القاهرة بخطابات رسمية لكل من الصومال وجيبوتي تستفسر منهما بشأن خطابات من البلدين لإثيوبيا، يؤكدان فيها تراجعهما عن موقفهما الداعم لمصر في أزمة السدّ، وذلك بعد توقيعهما على البيان الختامي لآخر اجتماع لمجلس وزراء الخارجية العرب، والذي أكّد حق مصر التاريخي في مياه النيل.

وبحسب المصادر، فإنّ كلا البلدين العضوين في الجامعة العربية، بعثا بخطابات لإثيوبيا أكدا فيها التزامهما موقفا حياديا، وأنّ توقيعهما على البيان جاء في ظلّ العلاقات المباشرة مع مصر وحلفائها في دول الخليج، مشددين على ضرورة التوصل لحل يحقق مصالح الأطراف كافة.

وكان وزير الخارجية الإثيوبي، جيدو أندارجاشيو، قد قال، في مقابلة مع صحيفة محلية إثيوبية أخيرا، إنّ “كلا من الصومال وجيبوتي اعتذرا عن دعم موقف مصر في أزمة سدّ النهضة”. وأشار الوزير إلى أنّ الحكومتين الصومالية والجيبوتية بعثتا- بعد أن طلبت أديس أبابا منهما تفسيرات فيما يتعلق بموقفهما من قرار الجامعة العربية الداعم لمصر- رسائل إلى الحكومة الإثيوبية، أكدتا فيها أنّ القرار لن يحل الأزمة القائمة بل يزيد الوضع سوءا.

وكانت الحكومة السودانية قد أبدت تحفظها على البيان العربي في حينه، رافضة التوقيع عليه، بعد مطالبتها برفع اسمها من البيان الذي كانت صياغته الأولية تتضمن الاعتراف بحقوق دولتي المصب من مياه النيل والمتمثلتين في مصر والسودان.

فشل مركب 

وفي سياق متصل، أوضحت المصادر أنّ نتائج جولة وزير الخارجية سامح شكري الإفريقية أخيراً، والتي كانت تسعى لاستمالة عدد من دول حوض النيل والاتحاد الإفريقي لصف مصر، لم تأت بالنتائج المأمولة، في ظلّ التزام غالبية الدول التي زارها شكري موقف الحياد، مؤكدة استعدادها فقط لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، وهو ما ترى القاهرة فيه موقفا سلبيا بالنسبة لها.

ومن جانب آخر، هناك أزمة كبيرة بسبب انشغال القوى الكبرى والمؤثرة بأزماتها الداخلية وتوجيه جهودها كافة لمواجهة وباء كورونا، الذي تحول إلى كارثة في بعض الدول.

وقام شكري بجولة إفريقية أخيرا، شملت النيجر، ورواندا، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا والكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان. كما زار وفد من وزارة الخارجية المصرية برئاسة السفير ياسر عثمان، مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، ومشاركة السفير ياسر سرور، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون مياه النيل، كلا من الجزائر وتونس وموريتانيا، حيث التقى الوفد وزراء خارجية تلك الدول، لتسليم رسائل موجهة من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، إلى قادة البلدان الثلاثة بشأن مفاوضات سدّ النهضة، فضلاً عن استعراض مُحددات وثوابت الموقف المصري في هذا الخصوص.

يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه وزير الموارد المائية، محمد عبد العاطي، إنّ “إثيوبيا تعرقل الوصول لاتفاق حول سدّ النهضة منذ عام 2011″، مؤكدا أنّ أديس أبابا تتعامل بمنطق “أنا ليه أعمل اتفاق يقيّدني وممكن أعمل اللي في مزاجي”.

البديل دفع الأموال

ووفق تقرير لمستشار المخاطر المستقل “تيموثي كالداس”، فإنه مع انشغال العالم بتفشي وباء “كورونا” القاتل فإن الأزمة بين الدول المعنية بسد النهضة- ولا سيما مصر وإثيوبيا والسودان- ستزداد ضراوة.

ويأتي تجدد الخلاف بين الأطراف المتفاوضة في وقت ينصرف فيه اهتمام الوسيط الأمريكي إلى أزمة تفشي “كورونا”؛ فقبل أسبوعين فقط تعهد الرئيس الأمريكي للسيسي بأن الولايات المتحدة ستواصل “بلا كلل” وساطتها حتى التوصل إلى اتفاق.

لكن وكالة “بلومبرج” ترى، في تقريرها، أنه مع انصراف جهود وزارة الخزانة الأمريكية الآن نحو مكافحة تداعيات وباء “كورونا” الفتاك، فربما لن تكون لديها القدرة على حل النزاع بشأن “سد النهضة”.

وهو ما يعد فرصة لإثيوبيا لمواصلة استراتيجيتها لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب، وإذا رأت إثيوبيا أنها لم تعد ملزمة بحل النزاع قبل ملء وتشغيل السد، فإن مصر ستشعر بوطأة الضغوط عليها من أجل حملها على الدفاع عما تراه تهديدا لمصالحها الحيوية.

ووفقا لتقرير “بلومبرج”، فكلما طال أمد تعبئة السد تعين على إثيوبيا الانتظار لفترة أطول لكي تجني الفوائد المرجوة من توليد الكهرباء.

ويقول المسئولون في أديس أبابا، إن 70% من الشعب الإثيوبي يعيشون بدون كهرباء، وإن بلادهم بحاجة ماسة إلى العائدات التي ستجنيها من تصدير الكهرباء.

وبينما تنتاب القاهرة مخاوف من أنه إذا تركت إثيوبيا لتفعل ما يحلو لها بمياه النيل الأزرق، فإن الدول الأخرى التي تتحكم بمنابع نهر النيل قد تشعر بأن من حقها أن تفعل الشيء نفسه؛ الأمر الذي سيضر بمصر ويقلل انتفاعها بمياهه.

مخرج أخير

ويخلص “كالداس”- الذي يعمل أيضا زميلا غير مقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط- إلى أن ثمة مخرجا آخر لهذا النزاع يعالج مصالح ومخاوف جميع الأطراف، ويقضي بأن تقدم مصر بمساعدة شركائها الدوليين لإثيوبيا حوافز مالية تقنعها بالتمهل في تنفيذ تعبئة السد وفق جدولها الزمني.

ومن شأن تلك الحوافز أن تساعد إثيوبيا على تحمل التكاليف المترتبة على ضياع فرصة بناء وتشغيل السد في الوقت الذي تريده، كما ستتيح لمصر الوقت اللازم لترشيد استهلاكها للمياه.

كان باحثون بالمعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية في برلين، قد طرحوا مقترحا في هذا الخصوص يقضي بأن يساعد الاتحاد الأوروبي في وضع سعر محدد نظير تمهل إثيوبيا في ملء السد، ويعين مصر في تمويل الرسوم التي ستدفعها لإثيوبيا نظير التكاليف التي ستتكبدها.

وينص المقترح على أن تبدي القاهرة التزامها الصارم بتحسين إدارتها للمياه من خلال اتباع حوكمة أفضل وتقليل هدر المياه.

ويختم “كالداس” تقريره بالقول بضرورة إيجاد حل عاجل يراعي النقاط المذكورة، وإلا فإن أي تقدم أحرزته الوساطة الأمريكية سيضيع دون أمل في استرجاعه.