في بلاد القمع العربي.. الثورات المضادة تحصر حريتك في حمّام بيتك

- ‎فيتقارير

كأن عصابات القمع في دول الثورات المضادة العربية لا تعي ولا تعقل، ولا تتعلم من أخطائها، ولا تستفيد من تجاربها، ولا تتعظ بغيرها، ولا تأخذ العبرة من ماضيها، ولا تحاول تجنب الأخطاء، وتجاوز العيوب، والابتعاد عن المزالق والسقطات، فتراها تكرر نفسها بعبطٍ، وتعيد إنتاج تجربتها بغباءٍ، وتقلد غيرها بسفاهةٍ، وتقع في ذات الأخطاء كالدواب، وتمر في نفس المسارات كأنها إلزامية، وتتصرف بصبيانيةٍ أبعد ما تكون عن المسئولية، وتعيث في الأرض الفساد كأنها أرض خصمٍ.

وتنتقم تلك العصابات الحاكمة سواء في مصر أو السعودية أو الإمارات من الشعب كأنه عدو، وتبطش به بلا رحمة، وتنتقم منه بقسوة، وتعامله بخشونةٍ، وتعذبه بوحشية، وتحاول أن تذله متعمدةً، وأن تهينه قصدًا، وأن تحط من قدره وتقلل من شأنه ليسهل عليها السيطرة عليه والتحكم به.

التطاول على الدين

يقول الكاتب الصحفي تركي الشلهوب: "الحرية الوحيدة الموجودة بالسعودية، هي حرية التطاول على الدين والقيم والثوابت، وشيطنة المخالفين، وشتم الشعوب العربية، والطعن في قضايا الأمة المصيرية. وكذلك تلميع دولة الاحتلال الصهيوني، والدعوة للتطبيع معها. أما غير ذلك؛ فإن "المنشار" له بالمرصاد"! .

أسباب كثيرة تدعو لإدراج الثورات المضادة في العالم العربي، خصوصا في مصر، ضمن تجارب "ثرية وبليغة"، من ناحية نجاح بعضها في الاصطفاف ضمن بوتقة وهدف واحد، ولما تركته من آثار هائلة أكسبت عصابات القمع العربي خبرات في مصر واليمن وسوريا والسودان وليبيا.

خاصة خبرة قيادة الثورة المضادة والتفنن على الوحشية، وصمود كتلتها الصلبة أمام الميادين العربية، لذلك استفادت عصابات القمع في هذه الدول من سلوك بعضهم في طريقة التخلص أو الانقضاض الدموي على الشارع الثائر، والمعتصم ضد سلطات الانقلاب الحاكمة بشكل سلمي، وصولا لاستخدام نفس العبارات والشعارات التي تبرر لجوء عصابات القمع لحالة القمع الدموي، أو استنساخ المذابح في ميادين الاعتصام.

تقول الناشطة عزة مختار: "البشير يعترف بتلقيه مبالغ 25 مليون دولار من الملك عبد الله، و25 مليون دولار من ابن سلمان ولي العهد، ومليون دولار من حاكم الإمارات.. تلك الملايين كانت في أي مقابل؟ إفقار الشعب السوداني وتجويعه وعدم إنشاء بنية تحتية تتيح للشعب حياة آدمية كريمة، والسبب الثالث والأهم والرئيسي تقديم تجربة إسلامية مشوهة لوضع حاجز بين الشعب وبين من يمثل الإسلام في الحكم، ويظهرهم بمظهر الفشلة، إجرام آل سلول وآل زايد لا حدود له، وعمالة الأنظمة لا حدود لها".

انتماء معظم العقلية الباطشة في العالم العربي، إلى نمط وحيد في انتزاع أرواح الشباب العربي ومحاولة إجهاض التغيير المنشود في الحرية والكرامة والمواطنة، وإقامة أنظمة مدنية، لا تنفي اختلاف الطبيعة التي تجمع هذه العصابات الحاكمة، والتي تتطور شيئا فشيئا، في وحدة اختيار عدو مناسب للجميع "الإرهاب" ولصقه بمعظم الثورات والمعارضين للقمع.

ويصبح معيار عصابات القمع العربي مقياسا يتبناه مفكرون ونخب على نغم العصابات، في لحظات يختفي التناقض بين هذه العصابات، وتلتقي في غرف مغلقة وسرية، إن كان الأمر متعلقا بمصيرها، فتسارع إلى مد الجسور، والحفاظ على شعرة التواصل حتى مع الشياطين كي تبقى في سدة السلطة، فتُبدل شعارات التكامل الاقتصادي والوحدة، إلى تعاون عاجل في تبادل المعلومات وتزويد بعضها في وسائل التآزر القمعي.

قبل 6 سنوات

في أكبر مجزرة وكارثة قتل جماعي في التاريخ الحديث، أقدم جنرال إسرائيل السفيه السيسي وعساكره على ارتكاب مجزرتي فض اعتصامي رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة، في 14 أغسطس، قبل 6 سنوات، ليفتح باب الدم في مصر الذي ينهدر كالشلال كل يوم في طول وعرض مصر، سواء في زنازينها أو في شوارعها أو في قطاراتها أو مستشفياتها.

حيث جاءت مجزرتا فض رابعة والنهضة بمثابة صدمة لعموم المصريين، الذين كانوا يشاهدون فعالياتها يوميًّا من قلب الميدانين عبر بث مباشر، مع تفتيش حقوقي محلي وعالمي، وتواجد أمني ومخابراتي غير معلوم، لكن كان هناك من يفحص الميدان بحثًا عن أي ثغرة لكنهم لم يجدوها.

الاعتصامان كانا في قمة السلمية، وكانت هناك مطالب محددة بعودة الشرعية، وحق المصريين فيمن يحكمهم وليس عبر الدبابة.

شارَك في المجزرة العديد من الأطراف الذين لن يفلتوا من القصاص ولو بعد حين، من إعلاميين انقلابيين غيّبوا وعي المصريين بأكاذيب وخدع، من عينة “تحت ميدان رابعة كرة أرضية ومقابر جماعية لمعارضي الإخوان، وأسلحة ثقيلة وخفيفة، وجهاد نكاح”، إلى غير ذلك من الترهات والأكاذيب المبررة لقتل وذبح وحرق الشباب المصري الحر.

علاوة على المنفذين الحقيقيين من قوات الجيش والشرطة وقوات التدخل السريع التابعة للسيسي نفسه، بجانب مشاركة جنود وآليات صهيونية ثبت مشاركتها لاحقًا. مع تخطيط مخابراتي من قبل داخلية محمد إبراهيم وجيش السفيه السيسي، وتسويغ قانوني من نيابة هشام بركات، وإعلام أحمد موسى وعزمي مجاهد، وأسامة كمال ووائل الإبراشي، وغطاء سياسي قدمه محمد البرادعي الذي استقال بعد أن شاهد حجم الدماء المروع.

تأتي التطورات التي تعقب لجوء هذه العصابات، لنفس الأساليب واستخدام ذرائع متطابقة، في الوحشية ضد الإنسان العربي، وعلى نطاق واسع من إحداث المذابح، عبر بث مباشر من على شاشات التلفزة، حتى يتسنى للبعض الآخر مواكبة عمل العصابات والشبيحة والبلطجية، التي تتكون منها معظم أجهزة القمع العربي الأمنية.