في ذكرى استشهاد سيد قطب.. عندما اعترف السادات بتلفيق قضية “تنظيم 65”

- ‎فيحريات

«إن كل الثقات يؤكدون أن قضية الإخوان التي أُعدم فيها سيد قطب كانت من اختراع شمس بدران وزبانية البوليس الحربي، وأنها مؤامرة وهمية، وأن التعذيب في هذه القضية هو قمة المأساة». ليست هذه الفقرة لأحد مفكري الإخوان المسلمين، بل من صفحة 321 من كتاب «وثائق 15 مايو» للكاتب القبطي موسى صبري، والتي تؤكد حجم الافتراء أولا على جماعة الإخوان المسلمين، وثانيًا على مفكر إسلامي عظيم بحجم الشهيد سيد قطب الذي أُعدم في 29 أغسطس 1966م، على خلفية اتهامات ملفقة من جانب أجهزة الطاغية جمال عبد الناصر.

ولا يقف الأمر عند الكاتب الراحل الشهير موسى صبري، بل إن الرئيس الأسبق محمد أنور السادات يؤكد أن قضية “تنظيم 65” وهمية فبركتها الأجهزة الأمنية، حيث يقول في مذكراته “البحث عن الذات” في ص 179: «هُيئ للسلطة الحاكمة في ذلك الوقت أن الإخوان يتآمرون ليقوموا بثورة مضادة، وقد ذهب ضحية هذا التصور الكثيرون ممن يحصون بالألوف، وصدرت ضد الكثيرين منهم أحكام».

شاهد ثالث لا يقل خطورة عن السابقين يؤكد ذات المعنى، ويستنكر ما فعله الطاغية عبد الناصر بحق الإخوان والمفكر الإسلامي الكبير، حيث يقول محمد حسنين هيكل، في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر» في ص 43: «إن المعتقلين في هذه القضية وصلوا إلى عدة آلاف، وإن زوار الفجر كانوا يجمعونهم بغير رحمة، وقد تعرض الكثير منهم للتعذيب، وكان عبد الناصر يعرف ذلك، وقد أشرت إلى ما كتبت في الأهرام آنذاك إلى زوار الفجر، وانتقدت أعمالهم، فاستاء عبد الناصر مما كتبته في هذا الشأن، واتصل بي ليذكر أنني كنت قاسيا فيما كتبت، وأن شمس الدين بدران الذي كان يشرف على تحقيقات الإخوان المسلمين وقتها غضب وقدم استقالته».

وفي شهادةٍ رابعةٍ للكاتب سامي جوهر في ص “77” من كتابه “الصامتون يتكلمون” يقول: «قد بدأت قصة تلفيق هذه القضية لسيد قطب والإخوان، في سبتمبر سنة 1965، وقد كانت أجهزة المباحث الجنائية العسكرية التابعة للمشير عامر وعلى رأسها أحد أعوان شمس بدران، وهو العقيد حسين خليل، ادعت أنها كشفت مؤامرة يدبرها الإخوان المسلمون برئاسة سيد قطب لقلب نظام الحكم، بعد القيام بعمليات تخريب وتدمير في مختلف أنحاء البلاد، وتم القبض على الآلاف وزج بهم في السجون، وبدأت عمليات تعذيب بشعٍ لهم ليعترفوا بكل ما يملى عليهم».

أسباب التلفيق

وحول أسباب تلفيق قضية “تنظيم 65” للإخوان والمفكر الإسلامي سيد قطب، يضيف الكاتب غير المسلم موسى صبري، في كتابه “وثائق 15 مايو”: «فعل ذلك عبد الحكيم عامر وجهازه ليوحي لعبد الناصر بمدى اهتمامه به، وبالتالي يفرض حمايته عليه، ويبرز له أن حياته تساوي حياة الملايين، وأنه أمل العالم العربي كله، وأن التآمر ضده تآمر ضد مستقبل الأمة العربية جمعاء، فإذا عذب بعض المتآمرين حتى الموت فذلك ليس إلا شيئا لا حساب له في سبيل الحفاظ على كيان الأمة العربية، متمثلة في زعيمها عبد الناصر».

ويقول المؤرخ الدكتور أحمد شلبي، في الجزء التاسع من موسوعة التاريخ الإسلامي: «استطاب عبد الناصر هذا التصرف، فقد كان شديد الحفيظة على الإخوان المسلمين وشديد الحب لنفسه».

ومن خلال هذه الحقائق الدامغة فهل تغيرت الأحوال؟ لا تزال الفبركة والتلفيق تهمين على سلوك الأجهزة الأمنية، ولا تزال أحكام الإعدام تترى على عشرات الأبرياء الشرفاء، لا لشيء سوى استجابة لأوهام نظام عسكري دموي يتميز بفاشية مفرطة ووحشية غير مسبوقة.

فخلاصة التجربة منذ سيطرة العسكر على حكم مصر في عام 1952، أن الأجهزة الأمنية لا تجيد سوى شيئين: التلفيق والافتراء على الأبرياء بتهم مفبركة بلا أي دليل سوى أوهام القيادات الأمنية والسياسية. والثاني هو التعذيب الوحشي الذي يخرج هؤلاء من صفة الإنسانية إلى الحيوانية المنحطة.