في ذكرى مجزرة رابعة.. نرصد معاناة أهالي الشهداء في الحصول على جثث ذويهم

- ‎فيتقارير

– الانقلاب لم يراعِ حرمة شهداء مجزرة فض رابعة والنهضة

– جثامين الشهداء تراصت على الأرصفة وفي الشوارع أمام المشرحة انتظارا لتصاريح الدفن

– سلطة الانقلاب ساومت الأهالي وأجبرتهم على التوقيع على تقرير انتحار لاستلام جثث ذويهم

– الأهالي وضعوا ألواح الثلج على الجثامين حتى لا تتعفن مع شدة الحرارة

– رفع الأكفان كستائر طريقة لجأ إليها الأهالي لحجب أشعة الشمس عن جثث ذويهم


في إهانة بالغة وإهدار للكرامة الإنسانية تراصت جثامين شهداء مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أكفانها البيضاء وفي حراسة ذويهم في صفوف طويلة أمام مشرحة زينهم -وهي ثلاجة حفظ الموتي الرئيسية التابعة لوزارة الصحة المصرية- وعلى الأرصفة وممرات الطرق المؤدية إليها انتظارا لدورها للحصول على تصريح الدفن، وسط تعنت من المسئولين في إنهاء الإجراءات اللازمة، وذلك بعد امتلاء المشرحة بجثامين الشهداء عن آخرها.

غالبية الجثث المتراصة داخل المشرحة كانت مطموسة الملامح، إذ ما يقرب من نصفها متفحم إثر تعرضها للحرق، والباقي تتنوع ما بين إصابات في الرأس شوهت ملامح الوجه، وأخرى تبدلت ملامحها بسبب التعامل غير المناسب مع الجثث.

 

مشاهد غير آدمية

تصدر صراخ ونحيب أهالي الشهداء واستغاثاتهم المشهد من أجل الحصول على تقرير طبي يصف حالة ذويهم ومن ثَم يمكنهم من سرعة الحصول على تصريح الدفن، وبخاصة مع ارتفاع دراجات الحرارة وانبعاث روائح كريهة نتيجة لعدم توافر ثلاجة حفظ الموتي ؛نظرا لعدم اتخاذ أية إجراءات تحمي الجثث من التعفن السريع.

اضطر الأهالي بسبب شدة الحرارة إلى شراء ألواح من الثلج لوضعها فوق جثامين الضحايا حتي لا تفوح منها أي روائح والتي سرعان ما كانت تذوب، حيث انتشر العديد من باعة الثلج أمام باب المشرحة الرئيسي والشوارع المقابلة له.

ولجأ الأهالي إلى طريقة أخرى لحماية الجثث من التعفن برفع أكفان كستائر تحجب عنها أشعة الشمس، مع استمرار توافد مزيد من الجثث إلى محيط المشرحة.

 وبحسب مصادر طبية، فإن المشرحة لم تستوعب مزيدا من الجثث؛ ما دفع لوضع عشرات منها في الشارع المقابل لها في انتظار دورها في الدخول والحصول على تصاريح الدفن بعد خروج بعض الجثث المتواجدة بالداخل.

 

إقرار الانتحار

لم تتوقف سلطة الانقلاب الغاشمة عن ارتكابها جرائم فض رابعة والنهضة وقتلها الآلاف بل أخذت تساوم أهالي الشهداء على قيد التقرير الطبي بأن سبب وفاة أبنائهم انتحار إما في الرأس أو البطن حتى يتسنى لهم استلام الجثمان بسرعة.

كان يُجبر أهل الشهيد أن يوقعوا على أمرين أنهم لا يرغبون في تشريح الجثمان وأنهم لا يتهمون أحدًا بقتله فيضطر أن يقبل رغم أنه يعلم أنه ابنه قد تم قنصه لكنه يريد أن يدفنه إكرامًا لجثمانه.

وكان يظهر بين الحين والآخر ضابط أمن يطلب من الأطباء أن يجبروا أسر الشهداء على توقيع إقرار الانتحار في مقابل الخروج بالجثمان، مما أثار غضب الأهالي الذين توعدوا القصاص من قاتلي أبنائهم فور الانتهاء من دفن جثثهم، وفي مرارة وحسرة أخذوا يرددون هتافات تندد بما حدث وتدعو للثأر ممن قتلهم قائلين "وحياة دمك ياشهيد ..ثورة تاني من جديد"،"يسقط يسقط حكم العسكر".

 وسط هذه المساومات أصر بعض الأهالي على الانتظار وعدم التوقيع على هذا القرار، في حين قام البعض الآخر بالتوقيع على إقرار انتحار احترامًا لحرمة المتوفى وهروبًا من هذه المعاناة الجديدة، وتجنبا لتشريح الجثة أو للمعاملات البيروقراطية التي تأخذ وقتا طويلا.

كانت هناك تعليمات واضحة للعديد من المستشفيات بعدم استقبال شهداء ميداني رابعة والنهضة، وفي حالة تمكن الأهالي من دخول ذويهم المتوفين والمصابين يطلب مدير المستشفي من الأطباء عدم كتابة تقرير لهم.

 

تصريحات الطب الشرعي

في الوقت الذي أعلن أهالي الشهداء فيه عن رفض مصلحة الطب الشرعي منحهم تقارير تثبت وفاة أبنائهم نتيجة للقتل، وتطالبهم في المقابل بالتوقيع على تقرير يتضمن أن سبب الوفاة هو "الانتحار". خرجت رئيسة مصلحة الطب الشرعي الطبيبة ماجدة القرضاوي لتنفي وجود أي ضغوط مورست من قبل المصلحة على أهالي الضحايا، قائلة: "إن المشرحة استقبلت حتى 21 أغسطس/آب 622 حالة معلومة و54 جثة مجهولة". 

ومن جانبها أعلنت وزارة الصحة أن "حصيلة الاشتباكات التي وقعت بالقاهرة والمحافظات من جراء الفض ارتفعت إلى 525 حالة وفاة و3717، بينما أعلن التحالف الوطني لدعم الشرعية آنذاك عن أن لديه احصائية بـ 2600 قتيل و7000 جريح جرى توثيقها في عملية فض اعتصام "رابعة العدوية"، مضيفا أن هناك أعدادا أخرى من القتلى لم يتم توثيقهم. 

والحقيقة أنه حتي عصر اليوم التالي للفض تم تشريح 2298 جثة بمشرحة زينهم بالإضافة إلى 120 جثة أخري كانت في انتظار التشريح، وهذا ما يؤكد زيف تصريحات الطب الشرعي ووزارة الصحة.