في عام الكورونا.. الأغاني للأطباء والرواتب والحوافز والبدلات للقضاة وأبو دبورة

- ‎فيتقارير

بدلا من دعمهم المالي وتعويضهم عن فقدان حياتهم، أنتجت قنوات MBC “مصر” المخابراتية أغنية إهداءً للأطباء المتصدرين لوباء فيروس كورونا، بزعم تقدير دورهم وتضحياتهم في الحفاظ على صحة المصريين ضد فيروس كورونا، ونشرت صفحة قناة mbc مصر الفيديو عبر حسابها على فيسبوك، مصحوبا ببعض اللقطات للأطباء خلال عملهم في المستشفيات!.

وحرص عدد كبير من أبواق الانقلاب من الفنانين والمشاهير والقنوات الفضائية على توجيه الشكر لأطباء مصر وتسميتهم بـ”جيش مصر الأبيض”؛ نظرًا لدورهم في مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد.

تدني الرواتب

فيما دقت نقابة الأطباء ناقوس خطر، بعد ارتفاع نسبة الأطباء المهاجرين للبحث عن فرصة عمل بالخارج، نتيجة انهيار وتدني الرواتب في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة في حكومة الانقلاب.

وقالت النقابة: “إن أكثر من 9 آلاف طبيب يتخرجون في الجامعات المصرية كل عام، بعد دراسة ومعاناة مع أصعب العلوم وأعقدها، طامعين في تحقيق طموحاتهم العلمية فى نيل شرف ولقب دكتور”، محذرةً حكومة الانقلاب من انهيار القطاع الصحي بعد استقالة أكثر من 4 آلاف طبيب؛ بسبب ضعف الرواتب.

وأكدت أنها وضعت أمام وزيرة الصحة بحكومة الانقلاب ملف تحسين الأجور للسواد الأعظم من الأطباء وهيئة التمريض؛ لضمان العمل فى بيئة تدعو إلى تقديم خدمة طبية جيدة للمرضى، دون اللجوء إلى الضجر والغضب من أهالي المرضي، ومن ثم سوء المعاملة وعدم الاهتمام أحيانا وأخيرا الهروب إلى أماكن أخرى لتحسين أحوالهم المعيشية.

وكانت هالة زايد، وزيرة صحة الانقلاب، قد اعترفت بانهيار المنظومة الصحية، بالقول: “إن عدد الخريجين في كليات الطب سنويا لا يتناسب مع عدد السكان، فلدينا نحو 103 آلاف طبيب لـ100 مليون مواطن، وهو رقم قليل بالنسبة للمعايير الدولية، ومن يعملون في المنظومة الصحية نحو 60%، كما أن أكثر من 60% من الأطباء موجودون في السعودية”.

مشيرة إلى أن مجلس وزراء الانقلاب وافق بعد مناقشات كثيرة على استثناء قطاع القوى البشرية العاملة فى قطاع الصحة من فتح الإعارات، وأنه يجب موافقة وزير الصحة على ذلك!.

وتعاني المستشفيات التابعة لحكومة الانقلاب من نقص حاد في عدد الأطباء؛ على عكس مستشفيات القوات المسلحة بما يجعل المرضى لا يحصلون على الخدمة الصحية المطلوبة، وبالتالي يواجهون الموت.

ويُرجع البعض العجز إلى عدة أسباب؛ منها تطفيش الأطباء من جانب وزارة الصحة بحكومة الانقلاب، وتدني الرواتب بصورة لا يشهدها أي بلد في العالم، وهذا دفع الأطباء إلى الاستقالة والهجرة إلى الخارج أو ممارسة العمل الحر داخل مصر.

وتشير الإحصائيات إلى أن عدد استقالات الأطباء خلال السنوات الثلاث الأخيرة بلغ نحو 6 آلاف استقالة، وهو رقم غير مسبوق، وتصاعدت ظاهرة هروب الأطباء وأدت إلى عجز شديد في الكوادر الطبية بالمستشفيات، وهو ما دفع مجلس وزراء الانقلاب إلى منع الإجازات بدون راتب للأطباء، كما صدرت قرارات لمديري مديريات الصحة بالمحافظات بوقف الإجازات.

وضع كارثي

ووفقًا لتقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد الأطباء بالقطاع الحكومي نحو 103 آلاف و337 طبيبًا بشريًا، بينما المسجلون فى النقابة 233 ألف طبيب، وإذا تم استبعاد المتوفين ومن هجروا المهنة، فإن عدد الأطباء فى الخارج 100 ألف طبيب على أقل تقدير.

وقدرت مؤسسة “الحق في الصحة” حجم العجز في عدد الأطباء بنحو 30%، والتمريض بنحو 55%، مشيرة إلى أن عدد الأسِرّة المتوفرة أقل من 50% من المتوسط العالمي الذي يبلغ 2.9 سرير لكل ألف مواطن، رغم وجود 103 آلاف طبيب في مصر.

وقالت الدكتورة منى مينا، الأمين العام لنقابة الأطباء: إن وضع الطبيب المصري يُرثى له في ظل تدني الرواتب التي يتقاضاها الطبيب الحكومي، مؤكدةً أن أكثر من نصف أطباء مصر يعملون بالخارج، ولا تزال النسب في ازدياد يومًا تلو الآخر، في ظل تعنت حكومة الانقلاب في تحسين الظروف المادية للعاملين بالقطاع الصحي.

وأضافت أن راتب الطبيب حديث التخرج يبدأ من 400 جنيه (200 جنيه أساسي و200 جنيه حوافز)، ليصل الراتب الأساسي إلى 900 جنيه بعد مدة عمل 36 عامًا عند بلوغه سن المعاش، مشيرةً إلى أن هذا الأمر يدفع بالآلاف من الأطباء إلى السفر للعمل بدول الخليج، وأيضًا أوروبا للعمل برواتب مضاعفة، وسط مناخ عمل يرقى لمهنة الطب.

وحذرت من أن رفض الموافقة على إجازات الأطباء للعمل بالخارج لا علاقة له باحتياج العمل؛ لأن الطبيب الساعي للسفر لتحسين دخله لن يغير خططه بناءً على رفض الحكومة طلب الإجازة، فمن السهل أن يتقدم باستقالته أو ينقطع عن العمل وينتظر الفصل.

وحذَّرت مينا من تداعيات قرار وقف الإجازات؛ حيث إنه سيزيد العجز بشدة؛ لأن جهة العمل الحكومية ستفقد الطبيب للأبد وليس لفترة محدودة يحل فيها مشاكله المالية.

مشيرةً إلى أنه إذا كانت هناك رغبة حقيقية فى حل مشاكل عجز الأطباء الشديد والمتزايد، فكان من الضروري أن تهتم وزارة الصحة بتحسين أجورهم أولاً، وتحسين معاملاتهم، أو حل مشاكل الدراسات العليا والتدريب، أو توفير مستلزمات العلاج لتقليل المشكلات والاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء يوميًّا، أو حتى حل مشاكل سكن الأطباء، مع السماح بإجازات العمل في الخارج لفترة محدودة.

تشتيت الانتباه

ويرى الدكتور محمود الحيوان، أن “رواتب الأطباء بشكل عام ضعيفة جدا، ولا تكفي احتياجات الحياة الأساسية، فضلا عن الإنفاق على البحث والدراسات والاشتراك بالدوريات العلمية الطبية، لتطوير الكفاءة الطبية المهنية للطبيب”، مشيرا إلى أن “قضية الـ19 جنيها بدل العدوى أضحوكة يجب أن يخجل منها النظام”.

ويعتقد أن رفع الرواتب الهزيل هو “لتشتيت الانتباه عن المشكلة الرئيسية الآن، وهي عدم وجود معدات وأدوات الوقاية من العدوى للطواقم الطبية، وفشل منظومة التحكم بالعدوى (Infection Control)  بشكل عام”.

وأكد أنها “زيادة تافهة، ويجب أن تكون 300 بالمئة على الأقل، بجانب تزويد جميع المستشفيات- وليس الحميات فقط- بكمية كافية من معدات وأدوات الوقاية من العدوى، تحسبا لأن يخرج الأمر عن السيطرة، ونكون بحاجة لكافة المستشفيات، وكذلك الإسراع بتوفير أجهزة تنفس صناعي (ventilators) بكميات كبيرة بأسرع وقت”.

ودق الطبيب المصري ناقوس الخطر، داعيا المصريين للانتباه، “خاصة في ظل نظام لا يبالي بمن سيموت، مليون أو 2 مليون بهذه الأزمة” على حد قوله.

واعتبر الدكتور الحيوان أن ما يحدث “خلق لأزمة وفقاعة ومشاجرة إعلامية بين الدولة والأطباء وإظهار الأمر بأنه مادي، لذلك وجب التنويه للاستمرار بالمطالبة بوضع أفضل الأطباء؛ ليتمكنوا من تقديم خدمة طبية تليق بالمصريين، والمطالبة بتوفير الأدوات والأجهزة اللازمة لمقاومة الوباء بشكل فوري”.

وبعد مناشدات ومطالبات حثيثة من أطباء مصر، قرر جنرال إسرائيل السفيه عبدالفتاح السيسي، زيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75 بالمئة، للأطباء العاملين بالمستشفيات الجامعية، ما اعتبرها الأطباء زيادة محبطة ومخيبة للأمل.

قرارات السفيه السيسي شملت أيضا إنشاء صندوق مخاطر لأعضاء المهن الطبية، وصرف مكافآت استثنائية للعاملين بمستشفيات العزل والحميات والصدر والمعامل المركزية من صندوق “تحيا مصر”.

وقلل أطباء من قيمة قرارات السفيه السيسي، وأكدوا أن الزيادة لا تتعدى 500 جنيه للطبيب البشري، وأقل من ذلك بكثير لباقي الأطباء، وأنها لا تشملهم جميعا.

وطالب البعض بتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا الذي قرر زيادة بدل العدوى للأطباء بـ1000 جنيه شهريا بدلا من 19 جنيها، وهو ما يشمل جميع الأطباء وترفض حكومة الانقلاب تنفيذه.

تلك الزيادة استغلها الإعلام الموالي للنظام، حيث قال الإعلامي محمد الباز ببرنامجه “90 دقيقة” على فضائية “المحور”، الأحد، إن وضع الأطباء كان معوجا، والسيسي يحاول إصلاحه، إلا أن عضو مجلس نقابة الأطباء أسامة عبد الحي قال، في البرنامج ذاته، إن بدل المهن الطبية لن يشمل كل الأطباء.

أبو دبورة

في مقابل هذا الواقع الذي يعيشه الأطباء المسئولون عن حماية صحة المصريين، هناك صورة أخرى لفئات يزداد نفوذها بشكل كبير في مصر وهم القضاة والجيش والشرطة، الذين وبسبب الانقلاب طرأ تحسن كبير في العائد المالي الخاص بهم، وأصبح الحد الأدنى لأي أمين شرطة في مصر لا يقل عن 2000 جنيه، وذلك لمن يتخرج حديثا من معهد أمناء الشرطة، وسرعان ما يصل الراتب خلال سنوات قليلة إلى 8000 جنيه.

وتصدر العام الماضي هاشتاج #أطباء_مصر_غاضبون، قائمة التريندات الأعلى تداولا على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حيث طالبوا بزيادة رواتبهم، وبمزيد من الضمانات لحمايتهم داخل المستشفيات، بعد تكرار التعدي عليهم، من قبل أهالي المرضي.

ويأتي الهاشتاج بعد أيام قليلة من إطلاق آخر مشابهه ” علماء مصر غاضبون”، ليؤكد أن السفيه السيسي أسس بيئة طاردة للأطباء، حيث قام الآلاف من الأطباء بتقديم استقالتهم والهروب للخارج.

وللمرة العاشرة زادت معاشات العسكريين في مصر منذ استيلاء السفيه السيسي على الحكم في 2014، مقابل خمس زيادات للموظفين المدنيين، ووافق برلمان الدم على مشروع قانون مقدم من حكومة الانقلاب بزيادة المعاشات العسكرية بنسبة 15 % اعتبارا من 1/7/2019، في إطار تحسين الأوضاع المالية والاجتماعية للمستفيدين.

وشكلت تلك الزيادات تفاوتا واضحا بين رواتب ومعاشات المدنيين والعسكريين بشكل كبير منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وهو ما أسهم في اتساع الفجوة بين الفريقين، بالإضافة إلى المزايا الأخرى التي يحصل عليها العسكر الخدمات الطبية، والترفيهية، والنقل والمواصلات.

ومنذ استيلاء السفيه السيسي على الحكم في عام 2014، أقرت عصابة العسكر عشر زيادات ما بين 10% و15% على رواتب ومعاشات العسكريين، على أن تعد الزيادة جزءا من مجموع الراتب الأصلي، والراتب الإضافي المستحق لصاحبه أو المستحقين عنه، وما أضيف إليهما من زيادات، بينما الأطباء لهم الأغاني.