في يوم المياه العالمي.. شبه الدولة تكافئ العطشانين تحت مظلة الانقلاب

- ‎فيأخبار

كتب رانيا قناوي:

انطلقت أمس الأربعاء فى مدينة ديربان بجنوب إفريقيا قمة اليوم العالمى للمياه، خلال الفترة من 22-24 مارس الجارى بمشاركة سلطات الانقلاب في مصر، التي أهدرت ثروات مصر المائية، ودخلت مصر تحت ظل حكمها في حالة فقر مائي، بعد توقيع عبدالفتاح السيسي على اتفاقية المبادئ السرية مع إثيوبيا ودول حوض النيل، وحصلت بمقتضاها إثيوبيا على حق بناء سد النهضة، على حساب مستقبل 90 مليون مصري.

حاجة ماسة لمواجهة هذا المستقبل الغامض للمصريين، لإيجاد حلول للتغلب على مشاكل نقص المياه، وتوفير الموارد المائية المختلفة، والتركيز على تطوير مشروعات الرى لزيادة كفاءة المياه واستخدام وسائل الرى الحديثة، وزيادة الإنتاجية سواء بتحلية مياه البحر للزارعة أو الشرب والنقص فى الموارد المائية للبلاد، وأهمية ترشيد استخدامات المياه والعمل على زيادة الموارد المائية غير التقليدية.

ناقوس خطر
يأتي ذلك في ظل الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائى، وهو ما أدى إلى تناقص نصيب الفرد من المياه، حيث وصل إلى ٧٠٠ متر مكعب سنويا، فى حين أن المعدلات العالمية تصل بذلك النصيب إلى ألف متر مكعب، وهو ما صرح به وزير الإسكان مصطفى مدبولى، فى حديث له أمام مؤتمر لمناقشة توطين صناعة تحلية المياه فى الوطن العربى، الذى عقد بالقاهرة فى منتصف شهر مارس الجاري، إذ قال إن التزايد المطرد فى عدد السكان بمصر مع ثبات مواردنا التقليدية من مياه الشرب، لم يترك أمامنا خيارا آخر. إذ لا مفر من المضى قدما وبسرعة شديدة فى مجال تحلية مياه البحر، وهو ما ينبغى أن يعد خيارا إستراتيجيا وثيق الصلة بالأمن القومى فى المرحلة الراهنة.

وعلق الكاتب الصحفي فهمي هويدي على هذه الرسالة بأنها تدق الأجراس عالية منبهة إلى خطر موشك يهدد الحياة فى مصر، التى يندر فيها المطر، وتظل مياه النيل مصدر الحياة والنماء فيها منذ عصور الفراعنة وحتى الوقت الراهن، لذلك لم يبالغ المؤرخ الرحالة اليونانى هيرودوت حيث قال إن مصر هبة النيل، بما يعنى أن له فضله فى وجودها.

وأشار هويدي -خلال مقاله بصحيفة "الشروق" اليوم الخميس، لتصريحات وزير الرى وجاء فيها- "انتهى عصر رفاهية استخدام المياه"، فضلا عن نص التقرير المنشور أن الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى، والموارد المائية قال أمام المؤتمر الدولى للتطور العلمى والتكنولوجى فى إدارة الموارد المائية إن عصر الرفاهية فى الاستخدام المفرط للموارد المائية قد انتهى. وأن الزيادة المستمرة فى السكان تفرض إعادة النظر فى كيفية ترشيد استهلاك المياه إلى جانب التوجه إلى تحلية مياه البحر.

وأوضح هويدي الملاحظة الأساسية على تصريحات الوزيرين أنها جاءت أمام مؤتمرين علميين للخبراء تطرقا إلى موضوع أزمة المياه وتقنيات تحليتها.. ثم أنهما وجها نفس التحذير. مع فارق زمنى بينهما يصل إلى نحو أربعة أشهر.. فى حين أن أمرا بهذه الخطورة ينبغى أن يوجه إلى الرأى العام وليس إلى الخبراء دون غيرهم، ثم أن إطلاق الكلام كان ينبغى أن يكون مقدمة لشن حملة قومية تنبه وتحذر وترشد الناس إلى كيفية المشاركة فى إنقاذ البلد من مجاعة مائية تهدد البشر والزرع والضرع.

يأتي ذلك فى الوقت الذى امتلأت فيه شوارع العاصمة بالإعلانات والملصقات التى تروج للمسلسلات الجديدة ونجوم البرامج التليفزيونيةن ما يؤكد أن الأمر ليس مأخوذا على محمل الجد، وأن ما قيل فى حقيقته هو مجرد كلام مناسبات ليس أكثر. وربما أعطى ذلك انطباعا بأن الوزيرين بالغا فى الأمر، حيث لا توجد مشكلة وأسوأ من ذلك بطبيعة الحال أن تكون هناك مشكلة حقيقية ولكن عقلية التركيز على الإنجازات وإشاعة الفرحة والتفاؤل بين الناس تجاهلتها وهونت من شأنها، أملا فى أن يأتينا حل من السماء من حيث لا نحتسب، بحسب قول هويدي.

وفي ملاحظة أخرى، أكد هويدي أن حديث الحكومة أشار إلى أن الأزمة ناتجة عن الزيادة فى عدد السكان، ولم يتطرق إلى موضوع سد النهضة الإثيوبى الذى من شأنه التأثير على حصة مصر من المياه، وهو ما يثير عدة أسئلة حول دوافع السكوت على ذلك الجانب، وغموض الموقف المصرى إزاء الفاجعة المنتظرة بعد تمام بناء السد.

وسد النهضة أو "سد الألفية الكبير"، كما يطلق عليه، هو سد إثيوبي قيد البناء يقع على النيل الأزرق بولاية بنيشنقول-قماز بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترا، ومن المرتقب عند اكتمال إنشاءه، العام الجاري، سوف يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء، وتقدر تكلفته بـ4.7 مليار دولار أمريكي، وهو واحد من ثلاثة سدود تشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا.

ومبادرة حوض النيل، هي اتفاقية تضم مصر، السودان، أوغندا، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كنيا، اريتريا. وفي فبراير 1999 تم توقيع مبادرة حوض النيل بين دول حوض النيل العشر، بهدف تدعيم التعاون الإقليمي بين هذه الدول، وتم توقيها في تنزانيا، حسب الموقع الرسمي للمبادرة، وتنص علي الوصول إلي تنمية مستدامة في المجال السياسي الاجتماعي، من خلال الاستغلال المتساوي للإمكانيات المشتركة التي يوفرها حوض نهر النيل.

فات المعاد
من جانبه، قال الدكتور نادر نور الدين، خبير الموارد المائية، في تصريحات صحفية، إن مصر تواجه خطرا حقيقيا، والذي بدأت ملامحه في الفترة الماضية، والذي بدوره يهدد الأمن المائي لها، مشيرا إلى أنها في حالة إتمام بناء السد، ستقل حصة مصر من المياه لأكثر من النصف، وتواجه أزمة حادة، في نقص المواد المائية، وتلبية حاجة المواطنين، مؤكدا أن الحلول التقليدية والرضوخ للأمر الواقع، لا يمكن تقبله ولا يليق بمصر كدولة عملاقة في الملف الإفريقي.

وتابع نور الدين، أن مصر تأخرت كثير في حلولها للخروج من الأزمة، نظرا لافتقاد البعض للرؤية والخبرة، وخاصة القائمين على الملف المائي في مصر، خلال السنوات الماضية، في ملف إدارة الأزمات، مؤكدا أن الحل الآن للخروج من الأزمة هو التواصل أكثر مع الجانب الأثيوبي ومحاولة ردعه عن فكرة إنشاء السد، إلى جانب البحث في بدائل أخرى لعدم الدخول في أزمات لا يمكن توقعها.

وعن تصريحات وزير الإسكان، علق نور الدين، قائلًا "تحلية مياه البحر أمر موجود بالفعل في دول عدة، إلا أن الأمر وحده غير كافي، ويحتاج إلى جهود كبيرة، في ظل انشغال مصر بتحديات أخرى منها ملف الإرهاب والأزمات الاقتصادية وغيرها من التحديات التي تواجه الدولة المصرية حاليا، مؤكدا أن حل أزمة سد النهضة أمر لا بد منه قبل قوات الأوان، حسب وصفه.

وفي سياق متصل قال الدكتور أسامه راشد، الخبير المائي، إن أزمة سد النهضة، ودخول مصر في نفق مظلم في انتظار المخاطر المائية، كان يمكن الابتعاد عنه وحله منذ بداية المفاوضات، إلا أن ضعف الوفد المصري ورضوخه لما تطرحه إثيوبيا، أودى بنا إلى ما نحن به الآن، مشيرا إلى أن كل ما تملكه مصر حاليا، هو التفاوض مع أثيوبيا لضمان حصتها من المياه.

وتابع راشد، أن مستقبل حصة مصر من مياه النيل، في يد أثيوبيا حاليا، وهذا ما دفعتنا له المفاوضات السابقة، متسائلًا" بأي منطق نصل بالمفاوضات لنترك حصة المياه بأيديها دون أي ضمانات، ومن ثم من حقها تفعل ما تشاء، مؤكدا أن الوضع الآن في غاية الصعوبة، وربما تشهد الأيام المقبلة محاولات متعددة من مصر ومفاوضات جادة لمراجعة ملف أزمة سد النهضة من جديد.