“كارنيجي: أبوظبي تلعب بورقة “شهداء الجيش” مثل السيسي لمواجهة الإخوان

- ‎فيتقارير

في ظل مخاوف حقيقية من تفكك الإمارات العربية المتحدة بفعل مغامرات “أبوظبي” وتوريطها الامارات في معارك سياسية وحربية خارج الإمارات، بدأ حكام أبو ظبي الذين يقودون الامارات في اللعب بورقة “شهداء الجيش” في المعارك الخارجية في اليمن وغيرها من أجل البحث عن استقرار الإمارات.

ويتبع حكام الإمارات في هذا الصدد نهج السيسي باللعب على ورقة شهداء الجيش والشرطة لحشد دعم شعبي لنظام حكمه المتداعي ومحاولة جلب التفاف شعبي حول الجيش والشرطة.

وقال تقرير لمعهد دراسات “كارنيجي” كتبته إليونورا أردماغني إن “أبوظبي المتخوّفة من عدم المساواة المحلية بين الإمارات المختلفة والتي قد تؤدّي إلى انطلاق تحرّكات معارِضة، تسعي إلى بث مشاعر قومية في الإمارات الشمالية عبر تعزيز الروح العسكرية” بالحديث عن شهداء الإمارات.

وأكدت الدراسة بذل أبو ظبي، في الأعوام الأخيرة، جهودًا مطّردة لبث روحٍ عسكرية وطنية في إمارة رأس الخيمة وسائر الإمارات الشمالية بهدف تعزيز الروابط بين المركز والأطراف.

وأكدت أن “مشروع الهوية” هذا يندرج في اتجاه الأنظمة الملَكية الخليجية على نطاق أوسع نحو نشر القومية العسكرية في مواجهة التيار الإسلامي المتنامي في إمارات مثل رأس الخيمة.

جنود رأس الخيمة

وسبق أن أشار “راديو فرنسا” لأسباب تضحية أبو ظبي بجنود أفقر إمارتها “رأس الخيمة”، مشيرًا إلى أن من قتلوا من جنود الإمارات في اليمن معظمهم من “رأس الخيمة” إحدى أفقر الإمارات السبع التي تشكل الاتحاد.

وأكد الراديو أن حكام رأس الخيمة أعربوا بشكل واضح عن استيائهم للحكومة المركزية في أبو ظبي جراء هذا العدد من القتلى، والتضحية بجنود هذه الإمارة تحديدا، ولذلك وجدت أبو ظبي نفسها في موقف حرج، فسعت تارة لإعلان سحب الجيش من اليمن وتارة أخري لبث روح القومية العسكرية.

ورأس الخيمة من أفقر الامارات السبع التي تشكل اتحاد الإمارات العربية المتحدة الذي يضم دبي مركز الأعمال وأبوظبي المصدرة للنفط، وكانت الإمارة مصدرًا لقلق عيال زايد، وتوجهاتهم العلمانية، حيث تشهد تناميا للنزعة الإسلامية.

وعام 2003 أرسلت الحكومة الاتحادية، دبابات إلى هذه الإمارة لإخماد احتجاجات بعد الإطاحة بأحد أبناء الحاكم وولي عهد الإمارة الشيخ خالد.

وفي أبريل 2012، اختطفت السلطات الأمنية، الشيخ سلطان بن كايد القاسمي العضو في اسرة القاسمي الحاكمة في إمارة رأس الخيمة ووضعته رهن الاقامة الجبرية؛ لأنه يرأس جمعية الإصلاح الإسلامية، ووقع عريضة أرسلت إلى قادة الإمارات تطالب بمنح المجلس الوطني الاتحادي صلاحيات ديمقراطية.

ونقلت وكالة رويترز للأنباء حينئذ عن نجل القاسمي قوله إن والده اعتقل وأن الأسرة فوجئت برجال مسلحين يأتون الى المنزل ويأخذونه إلى قصر الشيخ سعود القاسمي، وأن القاسمي محتجز بمفرده في غرفة عليها حراس مسلحون.

محاربة الإسلاميين

يقول تقرير معهد كارنيجي إن حكام أبوظبي يسعون في رأس الخيمة، لبناء روابط وطنية أوسع وشبكات أكبر قائمة على الولاء للقيادة في أبوظبي، لا سيما في أوساط الشباب الإماراتي بالتركيز علي روح “شهداء الجيش”.

ويقوم هذا النموذج بصورة أساسية على “واجب الدفاع عن الأمة”، خلافًا لرسالة الإصلاح الاجتماعي التي تطرحها “حركة الإصلاح”، وهي فرع الإخوان المسلمين في الإمارات، والتي تمتعت تقليديًا بنفوذ في رأس الخيمة وسائر الإمارات الشمالية.

و”جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي” حركة إماراتية دعوية اجتماعية خيرية ذات توجه سياسي إسلامي تأسست سنة 1974، تنتهج أسلوب دعوي سلمي إصلاحي وسطي، ومحظورة حاليا في الإمارات، ويترأسها سلطان كايد القاسمي، المعتقل حاليا مع عشرات المنتسبين للحركة.

وشنت أبوظبي حملة على جماعة الإخوان المسلمين المحلية “حركة الإصلاح”، واصفة إياها بأنها منظمة إرهابية في عام 2013، وتم سجن ما مجموعه 94 ناشطًا إماراتيًا، من بينهم محامون وقضاة ومدونون وطلاب وشيخ من العائلة الحاكمة، بتهم كاذبة.

حركة الإصلاح

ورأس الخيمة هي معقل حركة الإصلاح الإسلامية التي كانت لاعبًا بارزًا طوال عقود، ولطالما كان دور الإخوان في الإمارات مسألة خلافية بين أبو ظبي ورأس الخيمة، بحسب كارنيجي.

وتأسّست فروعٌ محلية للإصلاح في رأس الخيمة والفجيرة في سبعينيات القرن العشرين بدعمٍ من الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي آنذاك، بغية التصدّي للقومية العربية وعبد الناصر.

وحصلت هذه المجموعات على الحماية والدعم من سلالة القاسمي في الشارقة ورأس الخيمة، عبر إفساح المجال أمام أعضائها لتولّي مناصب سياسية مرموقة في السبعينيات والثمانينيات.

وأصبح أحد مؤسّسيها، الشيخ سعيد عبد الله سلمان، وزيراً للإسكان، وتولّى أعضاء آخرون في حركة الإصلاح لاحقاً وزارات التعليم، والعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، والعمل والشئون الاجتماعية.

غير أن أعضاء الإصلاح أصبحوا واسعي النفوذ داخل المؤسسات الإماراتية. واقترن ذلك مع صعود التيارات المستلهَمة من الإخوان المسلمين في مختلف أنحاء المنطقة، ما ولّد توجّسًا لدي أبو ظبي من الاخوان.

حملة قمع

وفي التسعينيات، ثم بعد العام 2001 والعام 2011، شنّت الحكومة الاتحادية حملة قمع ضد الإصلاح، وتم حُلّ فرع دبي في العام 1994، غير أن الشيخ صقر بن محمد القاسمي، حاكم إمارة رأس الخيمة آنذاك، دافع عن المجموعة، وسُمِح لفرعها في الإمارة بمواصلة العمل.

ووفقًا لخالد الركن (شقيق محامٍ مرموق متخصص في حقوق الإنسان ومتعاطف مع حركة الإصلاح حُكِم عليه بالسجن عشر سنوات في العام 2013 بتهمة “التخطيط لانقلاب إسلامي”)، قال الشيخ القاسمي في تبريره لدفاعه عن الاخوان أن حركة الإصلاح “أدّت دورًا في الحفاظ على الشباب”، وأنها لا تُشكّل تهديدًا مباشرًا للتوازنات المحلية في رأس الخيمة.

وفي اعقاب الإعلان عن تورّط مواطنَين إماراتيين (أحدهما من رأس الخيمة والثاني من الفجيرة) في هجمات 11 سبتمبر 2001، انطلقت موجة جديدة من التوقيفات التي استهدفت الإصلاح في الامارات.

ثم في أعقاب انطلاق الربيع العربي 2011، حظرت الإمارات حركة الإصلاح على المستوى الاتحادي خشية ان تلعب دورا يهدد استقرار الاسرة الحاكمة بعدما قدمت لوائح تطالب السلطة بإصلاح الدولة.

وفي إطار حملات القمع المتزايدة ضد الجمعيات المرتبطة بالإخوان المسلمين، أقدمت السلطات على اعتقال الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، وهو سليل الأسرة المالكة وابن عم حاكم رأس الخيمة وقائد فرع الإصلاح في الإمارات الذي حُكِم عليه بالسجن عشر سنوات في العام 2013.

ورات القضاء على حركة الإصلاح الإسلامي في الامارات عام 2014، كليا، عندما صنّفت الحكومة الإصلاح، والإخوان المسلمين عمومًا، في خانة التنظيمات الإرهابية.

في حين أنه يصعب قياس الشعبية التي تتمتع بها حركة الإصلاح نظرًا إلى الخوف من إبداء الدعم لها في العلن، تدحض حملات القمع المتكررة تقديرات الأجهزة الأمنية الإماراتية في العام 2004 بأن حركة الإصلاح كانت تضم نحو 700 عضو فقط في الإمارات العربية المتحدة، ما يؤكد أن تعداد الإسلاميين أكبر بكثير.

ورقة الجيش

في سياق التباينات الاقتصادية والديمغرافية والأيديولوجية، بين الامارات المختلفة التي تشكل اتحاد دولة الامارات، يُمثّل الجيش وسيلةً تتيح لسكّان الإمارات الشمالية المهمشة اقتصاديا وسياسيا، تحسين مكانتهم الاقتصادية والاجتماعية وتُمكِّن أيضاً أبو ظبي من اللعب على وتر توحيد الامارات.

فالإمارات الشمالية، التي هي أكثر فقرا من أبو ظبي ودبي وتضم عددا أقل من المغتربين، شكّلت تقليديا العمود الفقري للقوات المسلحة الإماراتية.

وأكثرية المواطنين الإماراتيين الذين قضوا نحبهم في اليمن، وعددهم يفوق المئتَين، ينتمون إلى الإمارات الشمالية ومصدر اغلب الجنود من رأس الخيمة وغيرها من الإمارات الشمالية، في حين تُتَّخَذ القرارات المصيرية في أبو ظبي.

وتُسهم وسائل الإعلام الرسمية في تعزيز هذه السردية عن التضحية، فقد درجت السلطات العامة على وصف الجنود الذين يلقون مصرعهم بـ”الشهداء” بهدف تعزيز استقرار الامارات وحكم أل زايد.

ويقول معهد كارنيجي أنه “حتى الآن، التفّ أبناء الإمارات الشمالية علنا حول العلَم الإماراتي، غير أن اختلالات التوازن مستمرة، ويحاول آل نهيان نزع فتيل المزيج المتفجّر الذي يجمع بين عدم المساواة الاقتصادية والإسلام السياسي، عبر استبدال رسالة الإصلاح الاجتماعي بأدبيات عسكرية وطنية” وهو نفس ما يحاوله سيسي مصر.

وسعت أبو ظبي إلى تعزيز التماسك الاتحادي من خلال جعل رأس الخيمة وسائر الإمارات الشمالية تابعة ماليا لأبو ظبي التي تُغطّي 90 في المئة من موازنة الحكومة الاتحادية.

لكن في مرحلة معيّنة، قد تبدأ رأس الخيمة وسائر الإمارات الشمالية بالنظر إلى مقايضة “الجنود بالأموال” بأنها غير قابلة للاستدامة، لهذا تقود أبو ظبي الجهود الهادفة إلى تعزيز المشاعر القومية وتفادي وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة.