كيف خدع العسكر المصريين منذ انقلاب عبد الناصر 1952 حتى السيسي؟

- ‎فيتقارير

لم يكن للشعب المصري والإخوان المسلمين والحركات الشيوعية والوطنية أن تدعم حركة الضباط الأحرار عام 1952 لكي يحكم العسكر، بل تم خداع الجميع في مشهد انقلابي سار عليه التاريخ في مصر الذي جرى احتلاله من ثلة العسكر.

هذا ما انتهت إليه دراسة سياسية نشرها موقع “الشارع السياسي” مؤخرا تحت عنوان” ذكرى 23 يوليو 1952.. العسكر وتزييف التاريخ”.

وأشارت الدراسة إلى أن كتابة التاريخ في مصر تتعرض لعدوان غاشم من السلطة السياسية التي تعاقبت على الحكم, واتخذت في سرد الأحداث وتفسيرها مذهب الدعاية السياسية لنفسها.

وعكف كُتّاب التاريخ التابعون للسلطة على تغييب حقائق التاريخ، وإحكام القبضة على الوثائق التي تحفظ ذاكرة البلاد, وممارسة الوصاية على العقل الجمعي للشعب, ومنعه من القدرة على فهم الأحداث وتفسيرها, وهو ما يحقق هدف التجهيل الذي يسعى إليه حكم العسكر منذ قبضهم على السلطة تمامًا سنة 1954م.

محمد نجيب

ففي عهد جمال عبد الناصر، عمد الانتهازيون والمنافقون ممن يكتبون مقررات التاريخ إلى تشويه اللواء محمد نجيب, أول رئيس للجمهورية, وتجاهلوا دوره العظيم في نجاح حركة الضباط,, وإسقاط الملكية, وإعلان الجمهورية، فضلاً عن مكانته عند الفلاحين؛ حيث كان أول من وزع عليهم الأراضي الزراعية, على عكس ما روجت دعاية عبد الناصر, التي جعلت منه أول رئيس مصري، وأضفت عليه هالة من الانتصارات الوهمية, وبرأته من مسئوليته عن هزيمة 5 يونيو 1967, بل سمّتها نكسة بدلا من “هزيمة”.

بل قللت أجهزة الدعاية الناصرية من أهمية سيناء التي احتلها الصهاينة, بزعم أنها مجرد حبات من الرمال ضاعت, لكن المهم أن الزعيم باق!.

وتتبعت الدراسة نهج العسكر في كتابة التاريخ في عهد أنور السادات، لتصنع منه بطلا للحرب والسلام, والتقليل من شأن كل من اختلف معه مثل الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة أركان الجيش في حرب أكتوبر, وتضخيم النجاح في إبعاد مراكز القوى, وإضافة مصطلح جديد سمّته “ثورة التصحيح”.

وبعد رحيل السادات جاءت الدعاية بصاحب الضربة الجوية حسني مبارك ليتم اختزال حرب أكتوبر في دور الطيران, وجرى العبث في تصوير ترتيب وقوف كبار قيادات الجيش؛ ليظهر مبارك متقدما على الفريق سعد الدين الشاذلي, وهو أمر من المستحيل أن يحدث في الجيش؛ حيث لا يجوز تخطي الرتبة الأعلى, وهي إهانة في حق تاريخ مصر العسكري والوطني, وتزييف للحقائق, ودعاية سياسية فجة.

تزييف التاريخ

وبدأ ضباط يوليو في عملية تزييف ذاكرة المصريين بأدوات الدعاية التي يتحكم فيها العسكر, ومن أهمها المقررات الدراسية, ووسائل الإعلام؛ فإذا كان يجري الآن الترويج ضد ثورة 25 يناير بأنها كانت مؤامرة خارجية ضد البلاد، وبالطبع يعمل العسكر جادين لإضفاء صفة الثورة على الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، فماذا سيكون الوضع عند الحديث عن حركة الجيش في 23 يوليو 1952؟.

الحقيقة الآن أن وصف حركة ضباط الجيش في 23 يوليو 1952 بالانقلاب بدأ في الاستخدام أكثر من ذي قبل؛ مع أن الوصف الشائع هو أنها كانت ثورة, والسبب في ذلك المغالاة والمبالغات الشديدة التي انطوت عليها الكتابات السلطوية عن هذه الحقبة؛ فالتلاميذ من الابتدائي وحتى الجامعة يدرسون هذه الحقبة على أنها ثورة, ثم بعد اكتمال وعيهم وامتلاكهم أدوات النقد يتشككون فيما تعلموه في مقرراتهم, وقد بلغ هلع العسكر من نشر حقائق هذه الحقبة حد التشويه والاتهام لكل من يزيح جانبا من الأستار المظلمة التي كانت سبة في جبين مصر, لا يمحوها إلا استعادة هذا الشعب حريته الكاملة.

جرائم عبد الناصر

وتوضح الدراسة أنَّ إخفاء عبد الناصر مخططه كان أخطر بكثير, فلم يعرف إلا عدد قليل من الضباط باتصالاته مع السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري, وكذلك مؤامرة إقصاء الرئيس محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية, والتي كان من السهل إفشالها لولا مكر الثعالب, وأساليب ميكيافيللي التي اتبعها عبد الناصر مع الجميع, حيث حاز على موافقة أغلب قيادات الضباط في بقاء العسكر في الحكم, وعدم العودة إلى الثكنات, وهو ما كان يرفضه محمد نجيب وخالد محيي الدين, ثم جرى الانقلاب على نجيب وشن حملة اعتقالات وإعدامات, وحل الأحزاب السياسية, وفرض الإقامة الجبرية, والتخلص من الضباط الذين اختلف معهم, وإشاعة الخوف والرعب, مما كشفت عنه كثير من شهادات المعاصرين, وروايات الضحايا.

وتختتم الدراسة بتأكيد أن المساندة الشعبية ليقوم الضباط بانقلاب عسكري يزيح الملك ويعلن الجمهورية لم تحدث ليحكم العسكر البلاد بالحديد والنار, بل كان هناك اتفاق على الإصلاح بشكل عام, وكانت البداية ناجحة بتولي محمد نجيب الرئاسة لولا الانقلاب عليه؛ فقد كانت الخيانة والمراوغة والمؤامرات متأصلة لدى عبد الناصر ودائرته الضيقة؛ وكان نقض العهود والتنكيل بالشرفاء من كل الأطياف السياسية, فقد شمل الإخوان المسلمين والشيوعيين والوفديين؛ ليخلو الجو لعبد الناصر وزمرة من العسكر أغرتهم السلطة بالسطو على مقدرات الوطن, ونهب ممتلكات الموسرين من أبنائه, دون مسوغ شرعي, وهذه عائلاتهم التي تملك المليارات اليوم, داخل مصر وخارجها تشهد على فسادهم وسرقاتهم.

6 مبادئ 

وأوضحت الدراسة أنَّه “بعد سنوات من حركة الضباط تذكروا أن لها مبادئ وأهدافا؛ فأعلنوا ستة أهداف هي: القضاء على الاستعمار, والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم, والقضاء على الإقطاع, وإقامة جيش وطني, وإقامة عدالة اجتماعية, وإقامة حياة ديمقراطية سليمة, وكعادة العسكر يصنعون الضجيج ولا ترى طحنا؛ فهذه الأهداف كان مصيرها “اللت والعجن” في وسائل الإعلام؛ دون أثر ملموس في حياة الجماهير؛ وعندما نأخذ في تحليلها نجد أن القضاء على الاحتلال الأجنبي لم يتحقق، وقد مات عبد الناصر وغزة وسيناء تحت الاحتلال الصهيوني بعد هزيمة مرة في يونيو 1967، ويرتبط بذلك الفشل في إقامة جيش وطني قوي كانت هزيمته عارا لحق بمصر والعرب جميعا, أما إقامة العدالة الاجتماعية فلا تكون بتوزيع أراضي الملاك على الفلاحين ظلما وعدوانا, بالإضافة إلى كونها رشوة للفلاحين ليؤيدوا السلطة الحاكمة, وأما هدف إقامة حياة ديمقراطية سليمة فهي الفضيحة المجلجلة لعبد الناصر وعسكره الذين حلوا الأحزاب السياسية, وصادروا الحريات, واعتقلوا وأعدموا الأبرياء، وأمموا الصحف, وسخروا الإذاعة والتلفزيون لتمجيد الحاكم, وأما القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم؛ فقد تحولت الدولة كلها إلى عزبة للعسكر يفعلون بها ما يريدون.

السودان والصفقة الحرام

وكان التخلي عن السودان- وهو الجزء الأكبر من دولة واحدة كانت تسمى مملكة مصر والسودان- فاتورة باهظة دفعها العسكر من اللحم الحي مقابل إطلاق يدهم في مصر, وقد انقسم السودان إلى دولتين, ويجري الآن تنفيذ باقي المؤامرات ليتشظى هذا الوطن الكبير الغني بموارده وشعبه إلى أكثر من ذلك.

وبجانب تغييب وعي الشعب المصري إزاء ألاعيب عساكر 52، كانت حركة ضباط الجيش في 23 يوليو 1952 هدفها المعلن تحقيق الإصلاح, وبقي الحكم ملكيًّا عامًا تقريبًا بعد الحركة، حيث تم إعلان الجمهورية وسقوط الملكية في 17 يونيو 1953, لكن العسكر انقلبوا على الرئيس محمد نجيب وعلى ما تعهدوا به, ليغادروا الثكنات إلى سدة الحكم, متربصين بحركة الشعب, حريصين على قمعه وإرهابه, وتجويعه وتجهيله, ويبقى الدور على الكتاب والمؤرخين ليكشفوا خيانات العسكر عهودهم بالأمس كما خانوها اليوم, وأنه ليس أمام هذا الشعب إلا أن يسترد حريته وكرامته.