“لا تُعارض ولا تُناقش”.. السيسي يُعيد تشكيل الإعلام على طريقة الستينيات

- ‎فيتقارير

يبدو أن الأيام القادمة ستشهد المزيد من التضييق وكبت الحريات وإحكام السيطرة، مع الحديث عن ملامح خطة تشكيل إعلام الستينيات الجديد، كما رآها جنرال إسرائيل السفيه السيسي وعصابته، هي خطة تقوم في المقام الأول على خلع الأجهزة السيادية وعلى رأسها المخابرات لأقنعة الوقار التقليدية، وإعادة تشكيل المشهد الإعلامي بوجوه مكشوفة.

وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من حزب الله، إن “جهاز المخابرات العامة المصري يستعد لإجراء تغييرات واسعة في مجال الإعلام، سيطيح بقيادات وتصعد أخرى لتولي مناصب قيادية”.

وأكدت الصحيفة أن “السيسي لم يعد قادرا على تقبل ولو القليل من النقد، بل يريد أن يشاهد الإعلام الذي يتمناه، إعلامًا داعمًا للدولة لا يعارض ولا يناقش، ويكتفي بتأييد كل ما يقال من دون حتى شرح التفاصيل أو السؤال عن أمور قد تبدو مثار جدل”.

إعلام للتطبيل

يؤمن السفيه السيسي بأهمية وجود إعلام خاص جذاب يحوز ثقة المشاهدين، ولكن هذا الإعلام لا بد وأن ينسق خطواته بانسجام ورشاقة في توافق مع عصابة انقلاب 30 يونيو 2013.

لم يكن ذلك يستلزم فقط إعادة ترسانة القوانين التي تحد من النشاط الإعلامي، مثل قانون الإرهاب الذي يعاقب بالحبس على نشر أي أخبار تخالف البيانات الرسمية في الأحداث التي تعتبرها الحكومة إرهابية، وقانون الكيانات الإعلامية الموحد المثير للجدل، ولكنه يستلزم أيضا أن تُظهر السلطة أنيابها في مواجهة وسائل الإعلام ومموليها الذين تعرضوا لضغوط كبيرة من قبل عصابة الانقلاب.

يأتي ذلك إما للخروج من المشهد بشكل كامل، كما حدث مع توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين الذي أُغلقت قناته الفضائية وأُسقطت عضويته في برلمان الدم قبل أن يختفي من المشهد، وإما لضبط توجهات وسائل الإعلام التي يديرونها عبر استبعاد الإعلاميين الذين مارسوا انتقادا متتابعا للعسكر، كما حدث مبكرا للإعلاميين يسري فودة وريم ماجد من قناة “أون تي في” التي كانت مملوكة في ذلك التوقيت لرجل الأعمال نجيب ساويرس.

وصولا إلى إيقاف برنامج الإعلامي إبراهيم عيسى على قناة القاهرة والناس، بعد ممارسة ضغوط مكثفة على مالكها قطب الإعلانات الشهير طارق نور، وصلت ذروتها بالتعنت في إقامة معرض لومارشيه السنوي للأثاث الذي ترعاه وكالته الإعلانية، قبل أن تتراجع الأجهزة الأمنية وترخص بإقامة المعرض بعد استبعاد عيسى.

وفي خطة المخابرات الجديدة، لن يكتفي الرقيب العسكري بالجلوس في أروقة الصحيفة أو القناة لتحديد ما هو مناسب وما ليس مناسبا، ولكنه يمتلك القناة الفضائية ويديرها بنفسه، ويوظف المهنيين تحت سلطته مباشرة، وفي أحيان كثيرة يقوم بنفسه بإعداد وتقديم المادة الصحفية المكتوبة أو المرئية، صانعا بذلك أوركسترا بروباغندا نموذجية.

أما الفضاءات التي لا يستطيع الرقيب السيطرة عليها فسوف يكون مصيرها الحجب التام والمنع من الوصول إلى الجماهير، وهو مصير مئات المواقع الصحفية الشبابية والمستقلة في العام الماضي.

الزعامة الناصرية

ومع اقتراب عام 2019 من نهايته، توشك مصر أن تختبر مشهدا إعلاميا مغايرا بالكلية عن ذلك الذي عرفته حتى قبل عامين، ذلك المشهد يتصدره السفيه السيسي مفعمًا بأحلام الزعامة الناصرية، ومسلحًا بإعلام عصر الستينيات الذي حلم به، ويتوارى فيه نجم رجال أباطرة الإعلام التقليديين مثل نجيب ساويرس لصالح رجال مخابرات وجيش مثل عباس كامل وياسر سليم ومحمد سمير.

وهو مشهد قادر للمفارقة على دفع المصريين إلى افتقاد إعلام عهد مبارك، بعد مرور أقل من 7 أعوام على ثورتهم عليه، بينما يسمع الملايين كلمات أذرع عباس كامل تُبث متتابعة عبر الأثير، وربما ترددها ألسنتهم، تماما كما هي، دون أي اختلاف.

يقول الكاتب الصحفي محمد عبد المجيد: “مصر تمر الآن بمرحلة لذة العبودية، ومتعة الخضوع، والتخدير الديني، ومشاعر الخيلاء الفارغة التي تحملها قبضة السيسي في تحيا مصر”!.

ويتابع: “مصر تعيش على أمجاد الماضي بالتسوّل لخنوع أجيال قادمة ستسدد قروضًا.. بنىَ بها السيسي مشروعات مثقوبة جيوبها ليأكل الفاسدون. مصر أعطت ظهرها للسيسي يُكربجه كيفما يشاء، فالمثقفون وهم روح الأمة يبول أكثرهم على ملابسهم الداخلية إذا عرفوا أن ألسنتهم أو أقلامهم ستجلب عليهم نِصْف غضب السيسي”.

جدير بالذكر أن دستور 2012، الذي أنتجته ثورة 25 يناير، احتوى لأول مرة على مواد لا تضمن فقط حرية الرأي، ولكن تكفل أيضا حرية الوصول إلى المعلومات، في حين تم الحفاظ على قانون العقوبات الذي يجرم التشهير.

غير أن الفارق الحقيقي الذي قدمه دستور الثورة الذي أسقطه الانقلاب، كان تمكين الأفراد من تأسيس الصحف وامتلاكها عبر إخطار بسيط، مع إلغاء العقوبات القمعية ضد الصحفيين في حالات الجرائم الناجمة عن ممارسة مهنتهم.

أما على الصعيد التنظيمي، فقد ألغى دستور 2012 قبضة العسكر المتمثلة في وزارة الإعلام، ونص على تشكيل ثلاثة مجالس مستقلة للإشراف على الإعلام، مع أنه لم ينص على الضمانات الكافية لاستقلال هذه المجالس، حتى جاء انقلاب 30 يونيو وأطاح بكل ذلك.