لماذا تصر الأنظمة العسكرية بمصر على تكريم تمثال “المحتل دليسبس”

- ‎فيتقارير

بعد سنوات من التوتر والضغط الشعبي، قررت سلطات الانقلاب نقل تمثال المهندس الفرنسي فرديناند دليسبس، الذي كان وراء حفر قناة السويس، من محافظة بورسعيد لعرضه في مقر متحف قناة السويس الدولي بمحافظة الإسماعيلية.

وأعلنت هيئة قناة السويس يوم 11 أكتوبر عن نقل تمثال المهندس الفرنسي فرديناند دليسبس، الرجل الذي يقف وراء فكرة حفر القناة التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، من محافظة بورسعيد إلى مقر متحف قناة السويس الدولي بمحافظة الإسماعيلية. وكان التمثال يقع في حوض بحري لبناء السفن في هيئة قناة السويس لأكثر من 60 عامًا.

وحسب تقرير نشرته صحيفة "المونيتور" وترجمته "الحرية والعدالة"، تم تركيب التمثال فى 17 نوفمبر 1899 عند المدخل الشمالى للقناة فى الذكرى الثلاثين لفتح القناة للملاحة الدولية وتم افتتاح القناة في عام 1869، ولكن المصريين أزالوا التمثال في عام 1956 في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر لقد كان في مستودع حوض بناء السفن التابع للسلطة منذ ذلك الحين.
ويأتي قرار النقل بعد عدة محاولات قامت بها السلطات على مدى السنوات الماضية لإعادة نصب التمثال عند المدخل الشمالي للقناة من أجل تنشيط السياحة. إلا أن مثل هذه المحاولات قد رفضت من قبل المصريين الذين يعتقدون أن التمثال هو رمز للاستعمار الذي يجسد فترة من الظلم للمصريين.

وقالت مونيكا حنا، عميدة كلية الآثار والتراث الثقافي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، لـ"المونيتور": "صحيح أن الحكومة كانت لديها رغبة ملحة خلال السنوات الماضية في إعادة نصب التمثال عند المدخل الشمالي للقناة بهدف تعزيز السياحة، خاصة وأن التمثال تراث ثقافي وشهادة على فترة مهمة في التاريخ المصري وقد ظهرت هذه الرغبة بقوة بعد ثورة يناير 2011 والتدهور الاقتصادي والسياحي الواضح الذي أعقب ذلك".

وأضافت حنا أنه على الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها الحكومة لإعادة إقامة التمثال، إلا أنها تراجعت في نهاية المطاف إلى ضغوط شعبية، خاصة من أهالي محافظة بورسعيد، وقررت الاكتفاء بعرضه في متحف قناة السويس. وتابعت "في النهاية، قيمة التراث يحددها الناس، وكثيرًا ما سمعنا عن شخصيات تاريخية مؤثرة أزيلت استجابة للجمهور. وهذه حقيقة معترف بها. فقط الناس يملكون هذا الحق، والمصريون يرون أن دي ليسبس قتل أطفالهم واستخدمهم في العمل القسري طوال سنوات من الحفر".

وفي 23 يونيو، بعد بضعة أشهر من ثورة يناير، دعا أحمد عبد الله محافظ بورسعيد إلى إعادة التمثال إلى قاعدته خلال ندوة بعنوان "كشف الأمل بين الواقع والأمل في بورسعيد" وقال المحافظ إن بورسعيد تحتاج إلى إيجاد مناطق جذب لتنشيط السياحة، وإن الزوار يرغبون في رؤية تمثال دي ليسبس.
وقال المحافظ إن فرديناند دليسبس ارتكب بعض الأخطاء، لكنه قدم مزايا لن ينساها التاريخ، وتتمثل هذه المزايا في المكاسب التي حققتها قناة السويس لمصر حتى الآن.

وفي 7 أغسطس من نفس العام، قال أميمة والي، مدير عام الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة في بورسعيد، إن الهيئة دعت بقوة إلى إعادة تمثال فرديناند دليسبس  لتعزيز السياحة في بورسعيد، حيث يمكن إقامة برامج سياحية على الرصيف الذي يحمل اسم دي ليسبس بمعدات الصوت والإضاءة المناسبة كما يمكن عرض أفلام وثائقية عن تاريخ مصر وتأميم القناة لتنشيط السياحة في المحافظة نحن في حاجة ماسة لمثل هذه البرامج لأن السياحة هي أحد مكونات النمو الاقتصادي في بورسعيد".

وفي 20 فبراير 2014، صرحت محافظ بورسعيد سماح قنديل بأن إجراءات إعادة التمثال إلى قاعدته قد بدأت بالتنسيق مع القوات المسلحة، وسيتم وضع تمثالين آخرين لتخليد الرئيس جمال عبد الناصر والمزارعين المصريين. وأشارت إلى أن عودة التمثال إلى قاعدته ستكون في إطار بانوراما كاملة تحكي تاريخ بناء قناة السويس بهدف تعزيز أواصر العلاقات المصرية الفرنسية وتنشيط السياحة.

ويكشف كتاب "تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى ما قبل الزمن"، لـ سليم حسن وعمر الإسكندري، أن ما لا يقل عن 25 ألف عامل غير مدفوع الأجر حفروا القناة، وتم استبدالهم على أساس ربع سنوي وعانوا من ظروف صعبة. وقد استسلم كثير منهم للجوع والعطش والحرارة والبرد والتعب والبؤس، وكلما مات أي منهم، يحل محلهم مزارعون آخرون.

في 5 يوليو 2020، أصدر اتحاد الكتاب المصريين بيانًا استنكر فيه إعادة تمثال دي ليسبس وجاء في البيان أن "جميع المفكرين والكتاب المصريين يعتبرون ذلك جريمة ضد شعبنا المصري البطل وتحديا لإرادة شعبنا الشجاع".
وفي 6 مارس 2019، أعلن هيثم وجيه طويلة، الناشط في مجال حقوق الإنسان، أنه رفع دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء ووزيري الآثار والثقافة ومحافظ بورسعيد بصفتهما تأجيل إعادة تمثال دي ليسبس إلى قاعدته واقترح نقله إلى متحف بدلا منه.

وقال مؤمن عثمان، رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار، لـ"المونيتور" إن الوزارة لا علاقة لها بقرار نقل التمثال، وقال إن الدولة تقف وراء القرار.
وقد أكد ذلك أحمد الصاوي، أستاذ التاريخ المصري في جامعة القاهرة، الذي قال في تصريح صحفي في 11 أكتوبر إن قرارًا رئاسيًا كان وراء هذه الخطوة.

وقال عثمان "اقتصر دورنا على الإشراف الفني خلال عملية النقل، حيث أن التمثال تراث ثقافي لا يمكن تبديده". واختتم عثمان حديثه قائلًا: "دورنا هو حماية التراث والحفاظ عليه، والدليل على ذلك قرار الوزارة تسجيل التمثال تحت الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، وقرارها بتمويل ترميمه في محاولة للحفاظ عليه وحمايته وعرضه في متحف يجسد تاريخ قناة السويس".

وقرر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس حكومة الانقلاب، في 3 مارس 2019، تسجيل تمثال فرديناند دليسبس تحت الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، وذلك بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية ومجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار.

رابط التقرير:

https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/10/egypt-french-statue-suez-canal-pressure-display-museum.html