لماذا تقلصت بحيرة إدكو من 35 إلى 10 آلاف فدان بعهد الانقلاب؟

- ‎فيتقارير

في عهد السيسي الذي تباهى به إعلاميو الانقلاب وحواريوه من الانقلابيين والمنقلبين على الديمقراطية والقانون، منذ 2013، رافعين شعار الأمن والأمان ومواجهة التعديات والانفلات الأمني والاقتصادي والسياسي في مصر.. وهو ما تكذبه الكثير من الوقائع والظواهر السلبية المتفاقمة في أوساط المصريين عبر سنوات الانقلاب العسكري الثمانية.

وزادت التعديات على أملاك الدولة والقتل خارج إطار القانون وتصاعدت الأزمات الاحتماعية والاقتصادية في البلاد التي باتت ترتع في الفوضى وقانون الغاب الذي يتزايد في عهد العسكر؛ حيث صار أي عسكري فوق القانون، وتضاعدت الممارسات غير التي لم تتوقف عند حدود السرقات الاقتصادية والبلطجة الاجتماعية والانفلات الأمني، وهو ما أكدته صحيفة "اليوم السابع" المؤيدة للانقلاب في تحقيقها الاستقصائي المنشور السبت الماضي عن التعديات في بحيرة إدكو والتي ابتلعت أكثر من ثلثي مساحة البحيرة.

فبحسب شهادات الصيادين بمدينة ادكو بمحافظة البحيرة: "كل يوم يتم اقتطاع جزء من البحيرة لصالح إنشاء مزارع سمكية وتأجيرها أو بيعها لبعض العائلات بالمحافظة على الرغم من أن القانون يمنع إنشاء المزارع السمكية بداخل البحيرات"، وعلى الرغم من وجود أكثر من حكم قضائى بإزالة هذه التعديات على البحيرة إلا أنه لم يستجب أحد من المسؤولين بالهيئة لمطالب الأهالي.

والغريب فى الأمر أن حالات التعديات معروفة للجميع وبأسماء بعينها، ورغم ذلك لم يتم تنفيذ قرارات إزالة تلك المخالفات وتطهير البحيرة ليتمكن الصيادون من ممارسة عملهم بعد أن تحول معظمهم إلى عاطلين عن العمل.

وبالرغم من أن مدينة "إدكو" تشتهر بتعدد منافذ الصيد الحر إلا أن منع الصيد الحر واقتطاع جزء كبير من البحيرة في الفترة الأخيرة أدى إلى تراجع إنتاجها، والتي كانت من أهم مصادر الثروة السمكية التي تمد السوق المصري. ويوجد بمدينة إدكو، أكثر من 10 آلاف صياد، متوارثين لهذه المهنة، أصبحوا عاطلين عن العمل بسبب ما يتم من ممارسات غير قانونية.

عدم صلاحية

وقد كشف خطاب مرسل من نقابة صيادي بحيرة إدكو، إلى الهيئة العامة للثروة السمكية الإدارة المركزية للمنطقة الغربية "محافظة البحيرة"، بخصوص الاستفسار عن المناطق الصالحة للصيد الحر داخل بحيرة "إدكو" وكان نص الخطاب المرسل: "السيد المهندس.. رئيس منطقة الثروة السمكية بالمعدية، نرجو من سيادتكم توجيه التفضل بإفادتنا عن عدد المزارع المرخصة في بحيرة إدكو ومساحتها ومناطقها، وكذلك عدد مزارع المتعدية على بحيرة إدكو ومساحتها ومناطقها ومعرفة مساحة الصيد الحر، وإن كان قد ورد من سيادتكم تقارير بعدم صلاحية بعض المناطق ببحيرة إدكو".

وبحسب رد الهيئة الذي كشفت عن حجم التعديات الصارخة على البحيرة بأكثر من "28 ألف فدان" وكان الخطاب الممهور بختم الهيئة والذي كشف عن عدد المزارع المرخصة في بحيرة إدكو بـ627 مزرعة ومساحتها "حوالي 12000 فدان" ومناطقها هى (البيضاء – كوم غطاس – الجرف – الزغبات – الستين – الكنايس – المصرف الخيري – المعدية – اللهيبي – برسيق – كوم الطرفاية – كوم بلاج – كوم حسن – منشأة تسيوى).

وأضاف الخطاب أن عدد المزارع المتعدى عليها من قبل المخالفين، على البحيرة بلغت «135» حالة بإجمالي مساحة «28000 فدان» ومناطقها على جميع البحيرة وبذلك تصبح مساحة الصيد الحر «9000 فدان» منها «5000 فدان» تحتاج للتطهير و«4000فدان» صالحة للصيد الحر وحوالي 7000» فدان» عبارة عن جزر داخل البحيرة.

تقلص المساحة

وبحسب خريطة البحيرات كانت تبلغ مساحة بحيرة إدكو «35 ألف فدان» في بداية القرن العشرين حتى بداية عام 1947 ثم تقلصت المساحة حتى وصلت إلى 22 ألف فدان عام 1953 ووصلت المساحة إلى 17 ألف فدان عام 1983 وفي التسعينيات وصلت المساحة المخصصة للصيد الحر إلى 8 آلاف فدان، وفي نهاية هذا القرن ومع بداية القرن الجديد وصلت مساحة الصيد الحر في البحيرة إلى 5 آلاف فدان بسبب التعديات.

وتكشف المستندات عن أن هناك عائلات بعينها تسيطر على البحيرة  على الرغم من أن هناك أكثر من 500 قرار إزالة صادر لهذه التعديات ولم يحدث شىء، كشوفات كاملة صادرة لأكثر من مكان بالبحيرة تم استغلالها بطرق غير مشروعة، وهي صادرة من الهيئة العامة للثروة السمكية بحجم التجاوزات والصادر فى شهر مارس من العام «2019» ويوضح أن هناك أكثر من «2323 فدان» تم التعدى عليهم داخل بحيرة «إدكو» بحسب المستندات.

وكشفت التعديات الواقعة على بحيرة إدكو والصادر لها قرارات إزالة كانت بإجمالي «155 قرار إزالة» بمساحة إجمالية 2322 فدانا حتى 10/9/2019 وبيانهم كالتالي: مركز إدكو 103 قرارات بمساحة 1394 فدانا، أبو حمص 33 قرارا بمساحة 531 فدانا، ومركز كفر الدوار 19 قرارا بمساحة 397 فدانا.

وهناك تعديات على منطقة كوم حسن، وبمنطقة «كوم بلاج» ومنطقة الطويلة وكفر الدوار. ولم تنته التجاوزات عند هذا الحد بل كشف مستند صادر بحجم التعديات بمنطقة الكنايس تجاوز مئات الأفدنة داخل البحيرة وصادر لها قرارات إزالة لم تنفذ.

اعتراف كارثي

كما لم يسلم المسطح المائي الحر لبحيرة إدكو من التعديات فقد كشفت المستندات عن أن حجم التعديات داخل المسطح الحر بلغ 400 فدان، وقد صدرت لهم قرارات إزالة أكثر من مرة دون تنفيذ.

الغريب أن معدات الردم ما تزال تعمل في البحيرة، ومساحات شاسعة من الأراضى داخلها تحولت إلى مزارع سمكية وبعضها إلى أراض وتم ردمها فى غياب تام لكل أجهزة الدولة. فيما الصيادون يقفون على طرف البحيرة لا يستطيعون الصيد بسبب عمل بعض معدات الردم خوفا من تعرض المراكب للغرق، الغريب فى الأمر أن هذه المعدات تعمل تحت سمع وبصر مسؤولى هيئة الثروة السمكية وكذلك المحليات ولكن يبدو أن لهم وجهة نظر أخرى.

وكان مصدر مسئول داخل إدارة البحيرات بهيئة الثروة السمكية بمحافظة البحيرة، رفض ذكر اسمه، قال إن التعديات التهمت بحيرة «إدكو» بالكامل وعلى الرغم من صدور أكثر من 500 قرار إزالة لهذه التعديات، لم ينفذ منها شىء حتى الآن، موضحا أن الهيئة تصدر قرارات غير مدروسة مع العلم أنها ليس لديها الإمكانيات والمعدات اللازمة لإزالة التعديات على البحيرة، وسبب ذلك أن المعتدين يعلمون أن هذه القرارات حبر على ورق، ومنذ صدورها ومساحة التعديات تزيد يوما بعد الآخر، متسائلا: كيف تمت التعديات عن كل هذه الأفدنة وأين كانت الجهات المختصة؟

وأضاف أن حالة التعدى على البحيرة تحتاج إلى نزول عدد من المعدات وفى هذه الحالة تقوم شرطة المسطحات بإبلاغ مسئولى الهيئة وتحرير محضر بالواقعة، ويتم التحفظ على تللك المعدات، ويتساءل المصدر من أعطى لهم الترخيص بنزول المعدات إلى البحيرة، وهو ما أدى إلى تزايد حالات الاعتداء على البحيرة؟ مطالبا بتغليظ العقوبات حيث إن القانون رقم 124 لسنة 1983 يحتوى على غرامات ضئيلة لمن يقيم مزارع سمكية غير مرخصة، وحول تضاءل مساحة الصيد الحر وعدم قدرة الصيادين على ممارسة عملهم، أوضح المصدر أنه يجب أن تعمل كل الجهات التنفيذية لإزالة التعديات على بحيرة إدكو لأن هناك أكثر من 10 آلاف صياد لا يستطيعون فتح بيوتهم .

عقوبات ضعيفة

القانون رقم 124 لسنة 1983 الخاص بشأن صيد الأسماك والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية، نص في مادته في الباب الثالث الخاص بالعقوبات أن من يخالف قانون الصيد وإنشاء المزارع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيها، أو بإحدى هاتين العقوبتين وتضبط المراكب والآلات المستعملة والسمك المصيد ويحكم بمصادرة هذه الآلات وثمن الأسماك لحساب الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وفي جميع الأحوال يؤدي المحكوم عليه ضعف الرسوم السنوية المقررة عن مدة تشغيل المركب بدون ترخيص.

ولم يكتف المتعدون على أراضي البحيرة بـ"إدكو" باستيلائهم على آلاف الأفدنة بالمخالفة للقانون، فبحسب المستند الكارثي الذي كشف عن استيلاء من نوع آخر يتم بعلم الجهات المختصة حيث يتم ردم الأراضي داخل البحيرة وتبويرها لتحويلها لمصلحة الأملاك وخروجها من ولاية الهيئة الثروة السمكية، حيث يتم رفع سعرها بعد ذلك إلى أكثر من 2 مليون جنيه للفدان. وهذا ما كشف عنه خطاب صادر من الهيئة العامة للثروة السمكية والإدارة المركزية للمنطقة الغربية محافظة البحيرة، ومرسل إلى مصلحة الأملاك.

يشار إلى أن بحيرة إدكو كانت 51 ألف فدان والصيد الحر كان حوالي 42 ألف فدان، أصبحت حاليًا 19 ألف فدان مزارع و12 ألف بحيرة، فضلًا عن التعديات التي تمت أيضًا، وأصبح ليس هناك مكان للصيد الحر، فهناك 4 آلاف فدان هي الصالحة للصيد، وباقي البحيرة كلها خوص وحشائش، في الوقت الراهن ليس هناك تعاون مع هيئة البحيرة وتزداد التعديات يوميًا.

فيما لا يتم التطهير على الإطلاق حاليا فهي منسية والمعدات الموجودة بها مستهلكة تعمل بكفاءة ضعيفة جدًا، وبحسب شيخ الصيادين حمادة نويري، فإن رئيس الهيئة يعمل حاليًا لصالح المتعدين وليس الصيادين ويمتلك حوالي 400 فدان ساهم رئيس الهيئة في التعدي بهذه المساحة.

ويواصل نقيب الصيادين، في تصريحاته الصحفية، إلى أن الهيئة تتدنى بالصيد الحر وترفع من إنتاج المزارع، من خلال الإحصاءات التي تقوم بها على الصيادين وحثهم على القول بأنهم لا يستفيدون من الصيد الحر وبالتالي تعتدى على البحيرات وتقليص مساحات الصيد الحر، بما يخالف القرارات الوزارية، ومنها القرار رقم (857) لسنة 2013 والذي ينص على أن يتم سحب الأراضي المخالفة أو المتعدى عليها من قبل المستأجرين بالإضافة إلى إلغاء أي عقود لهؤلاء المعتدين. ورغم صدور القرار منذ أكثر من 6 سنوات فإنه لم يتم تنفيذه حتى الآن.

فشل نظام السيسي

وحول التجاوزات يقول المهندس عماد نمير مدير بحيرة "إدكو": هناك حالات اعتداء صارخة على البحيرة تتم يوميا ونحن نقوم بإبلاغ الجهات المختصة بذلك، وحول قرارات الإزالة أوضح أن هناك مئات القرارات التي تصدر لرفع التعديات على البحيرة ولكن دون دراسة لها، حيث تحتاج هذه الحملات إلى معدات وتجهيزات وقوات أمنية، وهذه حماية من الأمن حتى لا تحدث احتكاكات مع المعتدين.

وأشار مدير البحيرة إلى أنه منذ عام 2014 لم يتم عمل أي إزالات للتعديات في بحيرة إدكو بشكل كلي؛ حيث إنه يتم التغاضي عن هذه التعديات من خلال العمولات التي يتقاضاها بعض مسئولي الثروة السمكية.

وأمام هذه المخالفات والتعديات والعجز الحكومي على مواجهتها.. يُطرح تساؤل عن جوى قوات الأمن التي تستنزف مليارات الجنيهات دون مواجهة المجرمين؟