لماذا لا نتعجب من موافقة نتنياهو على غواصات السيسي؟

- ‎فيتقارير

صاغ الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم رسالة الأب المصري إلى ابنه على الجبهة قبل أكتوبر 1973م، وحملت الأغنية عنوانًا هو (واه يا عبد الودود)، تغنّى بها وقتها الشيخ إمام، ثم تعددت محليًّا وعربيًّا الألحان الغنائية لنفس الأغنية، لكن ما يفرض نفسه على واقعنا بعد الانقلاب في مصر، أن الحرب المستعرة ضد الوطن اتخذت طابع الحرب على الإرهاب، وأصبح القاتل والقتيل مصريًا في آن واحد، وأصبح العدو الصهيوني في وضعية المشاهد المستمتع.

وعلى مدار عقود كان كيان العدو الصهيوني هو العدو الأول لمصر، وكانت القاهرة في مقدمة المخاطر التي تهدد أمن كيان الاحتلال ووجوده، لكن الأمر تغير تدريجيًّا، منذ توقيع اتفاقية السلام المعروفة باسم “كامب ديفيد” في 1979، بعد 6 سنوات من حرب أكتوبر، حتى انكشف كل ما كان مستترا مع انقلاب جنرال إسرائيل السفيه السيسي.

هذا التغير وصل إلى حدود غير مسبوقة من التعاون والتنسيق السياسي والأمني والعسكري، تجلى ذلك في لقاء السفيه السيسي ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، علنًا للمرة الأولى في سبتمبر 2017، بعد تسريبات عن لقاءات سرية جمعتهما، ثم كان التجلي الثاني في اشتراك القوات الجوية المصرية مع نظيرتها الصهيونية في مناورات مشتركة، بالتزامن مع ذكرى انتصارات أكتوبر، فضلًا عن علاقات معلنة تخص تأمين الحدود المشتركة والعدوان المشترك في سيناء، لتنفيذ اتفاق القرن.

الغواصات

تعيش الساحة السياسية والأمنية داخل الكيان الصهيوني ضجة كبيرة بسبب التسريبات التي تحدثت عن موافقة بنيامين نتنياهو على أن تبيع ألمانيا غواصات إلى السفيه السيسي، بعكس توجهات الصهاينة سابقًا في تل أبيب، فهل خالف نتنياهو السياسة الأمنية المتبعة في مسألة اقتناء الغواصات للدول العربية، بما يعرض أمن كيان العدو للخطر؟

ويواجه نتنياهو اتهامًا من حكومة الكيان مفاده إنجاز أعمال شخصية له على حساب الأمن الإسرائيلي، وربما وجد نفسه أمام تحقيق من قبل الجهات الشرطية والقضائية، والاستماع لشهادة سريعة وفورية من قبل رئيس الدائرة السياسية والأمنية بوزارة الحرب الجنرال عاموس جلعاد، خاصة بعد ثبوت أن نتنياهو وافق شخصيا لألمانيا على تزويد السفيه السيسي بهذه الغواصات، فهل تحولت مصر من عدو إلى مجرد بلدية من بلديات تل أبيب؟

ربما لم يستشر نتنياهو الجهات الأمنية والعسكرية ذات الصلة، وبينهم وزير الحرب السابق، حين أعطى الموافقة للدوائر الألمانية من خلال المستشارة أنغيلا ميركل، مما تسبب بإحراج شديد لرئيس كيان العدو الصهيوني رؤوفين ريفلين، الذي حمل رسالة من وزير الحرب السابق للألمان برفض تمرير الصفقة إلى السفيه السيسي.

بينما يفجر الجنرال بيني غانتس، زعيم حزب “أزرق-أبيض”، رئيس هيئة الأركان السابق، مفاجأة بتلقي نتنياهو عمولة من السفيه السيسي، وقال: إنه “طالب بإجراء تحقيق في أخطر قضية فساد في تاريخ الدولة، لأن نتنياهو ربح من الصفقة 16 مليون شيكل، مما يعني أنه أخضع أمن إسرائيل لموازين الربح والخسارة المالية الشخصية، وهي تنضم إلى ثلاثة ملفات فساد أخرى يجري التحقيق معه بشأنها، مما يتطلب إجراء تحقيق عاجل للتثبت من هذا الكلام”.

مصر ليست تهديدًا

قبل سنوات أعد “كينيث بولاك”، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، ومدير قسم الخليج في مجلس الأمن القومي سابقًا، دراسة تكشف كواليس ما يدور داخل المؤسسة العسكرية المصرية، قال: “إن ضباطا مصريين وأمريكيين كبارًا، أكدوا حدوث تحول وانقلاب كامل في العقيدة العسكرية للجيش المصري ومهامه واستراتيجيته، ومجمل خططه التي تقوم على اعتبار أن إسرائيل لا تشكل تهديدًا له، كما لم تعد بالنسبة له هدفًا”.

هكذا خلصت الدراسة التي جاءت بعنوان “أبو الهول والنسر: القوات المسلحة المصرية والعلاقات العسكرية الأمريكية المصرية”، والتي استندت إلى وثائق أمريكية ومقابلات ميدانية مع قادة كبار في الجيشين المصري والأمريكي، وعلى الرغم من التحول الكبير في العقيدة القتالية للجيش المصري، والتي تحولت إلى عدو آخر وهو “الإرهاب” بدلًا من العدو التقليدي “إسرائيل”، إلا أن الأمر لا يزال يشغل بال أمريكا، وتسعى إلى ضمانات كثيرة؛ حتى لا تتحول فوهة السلاح المصري إلى إسرائيل مرة أخرى.

التحكم الأمريكي في الجيش المصري يرجع إلى المعونة العسكرية، التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، تمثل أكثر من خُمس ميزانية الدفاع المصرية، البالغة 5 مليارات دولار، وعبر السفيه السيسي صراحةً عن هذا التوجه، حيث قال في مارس 2014، خلال إعلانه تشكيل قوات التدخل السريع المحمولة جوًّا لتنفيذ مهام “نوعية” داخل البلاد وخارجها: إن “القوات المسلحة يعاد تنظيمها وتطويرها، وفقًا لأحدث النظم القتالية لتنفيذ جميع المهام، وزيادة قدرة الجيش المصري على بذل أقصى جهد لمجابهة التهديدات والتحديات التي قد تواجه الوطن وأمنه القومي”.

لم يتوقف التدخل الأمريكي عند حدود تحديد نوعيات الأسلحة والتدريب المقدم للقوات المصرية، بل تعداه إلى اتفاقيات تكشف السيادة المصرية أمام أمريكا؛ فبعد أن كانت مصر ترفض على مدار عقود توقيع اتفاقية cismoa، فقد وقعتها في عهد السفيه السيسي، وتلك الاتفاقية اختصارًا، تسمح للقوات الأمريكية بتسهيلات مرور برية وجوية وبحرية إلى مواقع عملياتها، ارتكازًا وعبر الأراضي المصرية، وربطٍ “عَمَلِيَّاتيٍّ” بين الجيشين المصري والأمريكي، مما يعني انكشافًا كاملًا للسيادة المصرية أمام أمريكا.